شبابنا الحيران

 

شبابنا الحيران

ملخص كتاب "شبابنا الحيران" لأنيس منصور: صورة مرآة لأزمة جيل

يُعد كتاب "شبابنا الحيران" للكاتب والفيلسوف المصري الراحل أنيس منصور أكثر من مجرد كتاب؛ إنه تشريح دقيق ونقدي لواقع اجتماعي ونفسي عاشته وما تزال تعيشه أجيال متعاقبة.

على الرغم من صدوره في سياق زمني محدد (العقد السابع من القرن العشرين تقريبًا)، إلا أن أفكاره لا تزال صادمة في حاضريتها، وكأن أنيس منصور كان يتحدث عن شباب اليوم بكل ما يعانيه من حيرة وصراعات.

لا يقدم الكتاب حلولًا جاهزة أو وصفات سحرية، بل يقوم بدور المرآة العاكسة لوجهي العملة: وجه الشباب المليء بالأسئلة المحرقة، ووجه المجتمع بكل تناقضاته وتقاليده التي قد لا تواكب العصر.

الحيرة كحالة وجودية

يدور الكتاب حول مفهوم "الحيرة" ليس كضعف أو نقص، بل كحالة طبيعية بل وضرورية لأي شاب واعٍ ومفكر.
 الحيرة هي نتاج الاصطدام بين عالمين: العالم الداخلي للفرد المليء بالأحلام والمثالية والطموحات، والعالم الخارجي المجتمعي المليء بالقيود والتقاليد والتناقضات والفساد أحيانًا.
 يرى أنيس منصور أن الشاب الذي لا يحير هو شاب غير منتبه، غير شاعر، وغير مهتم بمستقبله ومستقبل وطنه.

أبرز المحاور والموضوعات التي يناقشها الكتاب:

1. صراع الأجيال:
يناقش الكتاب بإسهاب الإشكالية الكلاسيكية بين جيل الشباب المتطلع للتغيير وجيل الآباء المحافظ على الموروث. ينتقد منصور كلا الطرفين: الأبناء الذين يسارعون إلى رفض كل قديم دون تمييز، والآباء الذين يرفضون كل جديد لمجرد أنه جديد. يدعو إلى حوار بناء قائم على التفهم وليس على التسلط أو القطيعة.

2. أزمة الهوية:
يسلط الضوء على حيرة الشباب بين الأصالة والمعاصرة. بين الانتماء للتراث العربي والإسلامي وبين الانجذاب نحو الحضارة الغربية بمنجزاتها المادية وآليات حياتها. يتساءل: كيف نأخذ من الغرب علومه وتقدمه دون أن نفقد هويتنا وقيمنا؟ هذه الإشكالية لا تزال من أكثر القضايا إلحاحًا حتى اليوم.

3. العلاقة مع السلطة (الأسرة، التعليم، الدولة):
ينتقد أنيس منصور الأنظمة التعليمية التقليدية التي تقتل الإبداع وتُعلي من شأن الحفظ والتلقين على حساب الفهم والتحليل. كما يتحدث عن خيبة أمل الشباب من بعض المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي تفرغ الشهادات الجامعية من قيمتها، أو التي لا توفر فرصًا حقيقية للتقدم و الجدارة والكفاءة.

4. الحب والعلاقات بين الجنسين:
يتعامل أنيس منصور مع قضية الحب والجنس بشجاعة غير مألوفة في وقته.
يتحدث عن حيرة الشباب بين المشاعر الطبيعية الغريزية وبين القيود الاجتماعية الصارمة التي تخلق فجوة هائلة وتسبب كبتًا وصراعًا نفسيًا.
ينتقد النفاق الاجتماعي الذي يتحدث عن "العفة" لكنه يغلق كل الأبواب الطبيعية للتعارف والزواج بسهولة ومعقولية.

5. المادية والمعنى:
يناقش الكتاب انشغال المجتمع بقيم مادية سطحية (المال، المظهر، المنصب) على حساب القيم الجوهرية (المعرفة، الأخلاق، الإبداع). هذه المادية تزيد من حيرة الشاب المثالي الذي يبحث عن معنى لحياته، فيجد نفسه محاصرًا بمعايير للنجاح لا يؤمن بها.

6. الأسئلة الفلسفية الكبرى:
لا يغفل أنيس منصور، الفيلسوف، عن مناقشة الحيرة الوجودية العميقة. يتطرق إلى أسئلة مثل: معنى الحياة، طبيعة الخير والشر، وجود الله، وصراع الإنسان مع الموت والعدم.
 هذه الأسئلة، وإن كانت قديمة، إلا أنها تظهر بقوة في مرحلة الشباب حيث يقف الإنسان لأول مرة أمام ذاته وعالمه محاولًا فهم المغزى من كل شيء.

أسلوب أنيس منصور في الكتاب:

  • أسلوب حواري شائق: لا يقدم الكتاب أفكاره على هيئة محاضرة جافة، بل على شكل حوار مع القارئ، يسأله ويستفزه ويشاركه أفكاره. هذا يجعل القارئ، خاصة الشاب، يشعر أن الكاتب يعيش معاناته ويتفهمها.

  • اللغة السلسة والساخرة: يستخدم لغة عربية راقية لكنها واضحة ومباشرة، ممزوجة بروح ساخرة لاذعة أحيانًا. سخرية لا تستهدف السخرية من الشباب، بل من التناقضات الاجتماعية التي تسبب حيرتهم.

  • الاستشهادات الواسعة: يعتمد أنيس منصور على ثقافته الموسوعية، فيستشهد بأقفل الفلاسفة الغربيين والشرقيين، ويذكر تجارب أمم أخرى، مما يوسع من أفق النقاش ويخرجه من الإطار المحلي الضيق.

هل الكتاب لا يزال مناسبًا لعصرنا؟

بكل تأكيد. قد تختلف تفاصيل المشكلات (فقد حلت الإنترنت والهواتف الذكية مكان بعض الوسائل القديمة)، لكن الجوهر بقي كما هو.

 لا يزال شبابنا يحير بين الهوية والعولمة، بين توقعات الأسرة وطموحات الشخصية، بين القيم والمادية، بين البحث عن الذات وضغوط البقاء.

قوة كتاب "شبابنا الحيران" تكمن في كونه لا يشخص المرض فحسب، بل يطمئن المريض على أن مرضه طبيعي.

 إنه يمنح الشباب شعورًا بأنهم ليسوا وحدهم في هذه الحيرة، وأنها علامة على صحتهم الفكرية وليس على ضعفهم.

 الكتاب هو دعوة للتفكير، للحوار، وللقبول بأن الحيرة هي أولى خطوات البحث عن الحقيقة، وأن اليقين المطلق هو بداية الجمود الفكري.

في النهاية، يبقى الكتاب منارة لفهم أعمق لأزمات الشباب النفسية والاجتماعية، وهو صرخة تحذير للمجتمع بأكمله بأن مستقبل الأمة يكمن في كيفية استيعابها لهذا الشباب "الحائر" وتحويل حيرته إلى طاقة إبداعية تغير العالم للأفضل

إرسال تعليق

0 تعليقات