ما هي النهضة؟

ما هي النهضة؟ - سلامة موسي

 

"ما هي النهضة؟" لسلامة موسى: تحليل نقدي لتجارب التحديث

الكاتب والكتاب

ظهر كتاب "ما هي النهضة؟" عام 1935 في لحظة حاسمة من تاريخ مصر الحديث، حيث كانت البلاد تواجه تحديات الاستعمار البريطاني والصراع بين التقاليد والحداثة. 

وضع سلامة موسى (1887-1958) هذا العمل كمشروع تحليلي يستكشف شروط النهضة من خلال دراسة المقارنة بين النموذج الأوروبي والتجربة العربية، مستنداً إلى خبرته الأوروبية المباشرة (1906-1910) حيث تأثر بأفكار فولتير وماركس وداروين .

 جاء الكتاب كرد على أزمة الوعي العربي التي تفاقمت بعد فشل مشروع محمد علي النهضوي، والذي حقق إنجازات "تثير الدهشة في عقود قليلة" لكنه تعثر بسبب التدخل الاستعماري والعيوب الداخلية .

ماهية النهضة عند سلامة موسى

التعريف والمقومات الأساسية

  • التعريف الديناميكي: يرفض موسى التعريفات الثابتة، ويصوغ النهضة كعملية تحول شاملة تقوم على:

    • الثورة على القديم البالي: "القديم الذي صار بالياً، والقديم الذي كان فاسداً منذ البدء".

    • التحرر الفكري: بتحرير العقل من سيطرة المقدسات الدينية والخرافات.

    • الأساس المادي: "السبب الأساس للانحطاط أو الارتقاء هو العامل الاقتصادي".

نموذج النهضة الأوروبية: تحليل ثلاثي المراحل

يقدم موسى النهضة الأوروبية كنموذج تحليلي رئيسي عبر ثلاث موجات متداخلة:

 مراحل النهضة الأوروبية

المرحلةالزمن/المكانالقادة الفكريونالمحاور الأساسيةالإنجازات الرئيسية
الأولىالقرن 15 (إيطاليا)توما الأكوينيالتوفيق بين العقل والدينإحياء التراث الإغريقي-الروماني
الثانيةالقرن 18 (فرنسا)فولتير - روسوالعقلانية - العقد الاجتماعيتفكيك سلطة الكنيسة - الثورة الفرنسية
الثالثةالقرن 19 (إنجلترا)تشارلز داروينالعلم التجريبي - نظرية التطورتأسيس المنهج العلمي الحديث
  1. المرحلة الإيطالية: بدأت بتمرد على الكنيسة عبر إحياء التراث الإغريقي-الروماني، مدعوماً بانتقال المعارف العربية عبر الأندلس.

  2. المرحلة الفرنسية: قادها فولتير وروسو لتحطيم "قيود الكنيسة الفاسدة" وبناء مجتمع العقد الاجتماعي، مما أشعل الثورة الفرنسية.

  3. المرحلة الداروينية: مثلت ذروة التحرر بالفكر العلمي القائم على التجربة والملاحظة، مفسحة المجال للثورة الصناعية.

دور الحضارة العربية في النهضة الأوروبية

يكشف موسى عن أربع أدوات أساسية نقلها العرب لأوروبا:

  1. نظام الترقيم الهندي الذي مكّن من تطور الرياضيات.

  2. صناعة الورق الصيني التي وصلت عبر العالم الإسلامي.

  3. الترجمات المشروحة للنصوص الإغريقية التي حُفظت بفضل فلاسفة مثل ابن رشد.

  4. المنهج التجريبي في الكيمياء والفيزياء الذي طوره علماء كابن حيان.

تشخيص أسباب تخلف العالم العربي

العوائق الهيكلية

  • الاستبداد الديني-السياسي: اتحاد السلطتين الدينية والدنيوية لإخماد حرية الفكر، حيث يؤكد موسى: "أسوأ ما تُصاب به أمّة أن يتّحد الدين مع الاستبداد".

  • الجمود الفكري: التمسك بالتفسيرات النقلية ورفض العقلانية والعلم.

  • إهمال العلم والصناعة: تخلف الاقتصادات القائمة على الزراعة التقليدية.

  • الانغلاق اللغوي: تمسك النخبة باللغة العربية الكلاسيكية المعقدة، مما حرم الجماهير من المشاركة في المعرفة.

مقارنة تفاعلية مع النموذج الأوروبي

بينما حررت أوروبا العقل وتبنت المنهج العلمي بعد تحريرها من سيطرة الكنيسة، ظل العالم العربي -حسب تشخيص موسى- رهين "عصور الظلام" بسبب التحالف بين القوى الدينية المحافظة والاستبداد السياسي.

شروط النهضة العربية من منظور موسى

مشروع متكامل للتجديد

  1. تحرير العقل:

    • محاربة الخرافات والتفكير الغيبي.

    • تبني "ثقافة علمية تعم الشعب" كأساس لحل المشكلات الاجتماعية.

  2. العدالة الاجتماعية:

    • تبني الاشتراكية الفابية (الإصلاح التدريجي دون عنف) كضمان لتوزيع الثروة.

    • تحسين حقوق العمال والفلاحين.

  3. الثورة الثقافية:

    • تبسيط اللغة العربية لتصبح أداة فعالة لنشر المعرفة.

    • تحرير المرأة ودورها في بناء المجتمع.

  4. الانتماء للغرب العلماني:

    • التبني الواعي للحضارة الغربية في جانبها العقلاني والعلمي مع رفض استعمارها.

    • الدعوة لـ"تولية الوجه شطر أوروبا" فلسفةً ومنهجاً.

النقد والجدل حول أفكار الكتاب

واجه موسى هجوماً عنيفاً من تيارات متعددة:

  • الاتهام بالإلحاد: من الأوساط الدينية لرفضه تفسير النصوص دينياً، ودفاعه عن فصل الدين عن الدولة.

  • النقد الأدبي: هاجمه العقاد والمازني بسبب دعوته لاستخدام العامية، واتهموه بضعف إتقانه العربية.

  • التيار القومي: انتقده لتركيزه على الهوية الفرعونية بدلاً من العروبة.

لكنه حظي بدعم تيار "العقلانيين العلمانيين" مثل شبلي شميل وفرح أنطون الذين رأوا في مشروعه نهضة حقيقية.

 تقييم الإرث الفكري للكتاب

التأثير والاستمرارية

  • تأسيس خطاب التنوير: أصبح الكتاب مرجعاً للتيارات العقلانية في منتصف القرن العشرين.

  • إلهام الأجيال: تأثير مباشر على مفكرين مثل نجيب محفوظ الذي نصحه موسى بالتركيز على القضايا الاجتماعية.

حدود الرؤية

  • النموذج الخطي: تجاهل تعقيدات النهضة الأوروبية (كـ"الجانب المظلم" للاستعمار).

  • إغفال الخصوصية: عدم مراعاة البنى الاجتماعية-الثقافية للمجتمعات العربية.

  • المبالغة في المركزية الأوروبية: رغم تحذير دراسات ما بعد الاستعمار من ذلك.

النهضة كمسيرة متجددة

يظل "ما هي النهضة؟" نصاً تأسيسياً يرصد إشكالية التخلف والنهضة في الفكر العربي الحديث. 

رغم انتقادات "ما بعد الحداثة" لرؤيته الخطية، فإن تحليله لـ"الاستبداد الديني" و"دور العلم" يحتفظ بأهميته في سياق الثورات العربية المعاصرة.

 مشروع موسى -الذي يجمع بين التحرر الفكري والعدالة الاجتماعية- يقدم خارطة طريق للخروج من "الاستنارة المظلمة" التي قد تختزل النهضة في التقنية دون الفكر.

"ليست النهضة نقلًا للآلات، بل هي تحريرٌ للعقل الإنساني من الأوهام، وتأسيسٌ لعدالة اجتماعية تسمح للإنسان بأن يكون سيد مصيره".
— سلامة موسى (تلخيص رؤية من الكتاب)

تتمثل عبقرية الكتاب في ربطه الجدلي بين التحرر المعرفي والتحول الاجتماعي، مما يجعله مرشداً لأي محاولة جادة لفهم شروط النهضة في عالمنا المعاصر

إرسال تعليق

0 تعليقات