تاريخ الفنون وأشهر الصور

 
تاريخ الفنون وأشهر الصور - سلامة موسي

 "تاريخ الفنون وأشهر الصور" لسلامة موسى

 الإطار الفكري والسياق التاريخي للكتاب

  • الخلفية الفكرية للمؤلف: سلامة موسى (1887-1958) مفكر مصري رائد، تأثر خلال إقامته في أوروبا (1906-1909) بفلسفات ماركس وداروين وفولتير، وانضم للجمعية الفابية الاشتراكية في إنجلترا حيث تعرف على جورج برنارد شو .
     هذه التجربة شكلت رؤيته العقلانية للفن.

  • هدف الكتاب: يهدف إلى تقديم تاريخ مصور للفن الأوروبي مع تحليل سياقات نشأته، مستندًا بشكل رئيسي إلى تلخيص كتاب "خلاصة الفن" للسير وليم أوربين، مع إضافات من مصادر أخرى .
    صدرت الطبعة الأولى عام 1927، وأعادت "مؤسسة هنداوي" نشرها عام 2011.

  • المنهجية: يجمع بين السرد التاريخي والنقد الجمالي، مركزًا على المشاهير مع حذف الفنانين الأقل تأثيرًا، ومعتمدًا على الصور كأدوات توضيحية.

الأسس النظرية للفنون 

1. ماهية الفنون الجميلة

يصنفها موسى إلى ثمانية أقسام: الموسيقى، الشعر، النثر، العمارة، الرسم، النحت، الرقص، التمثيل. ويؤكد أن غايتها المشتركة هي "خلق الجمال" الذي يعتبره ذاتيًّا لا موضوعيًّا:

"العالم نفسه ليس جميلاً أو قبيحًا، وإنما الجمال والقبح اعتباران ذهنيان قائمان في أذهاننا فقط".

2. سلم التراتب الفني

يرتب الفنون حسب قربها من "البصيرة" (الإدراك الحسي) مقابل "الذهن" (التجريد):

  • الأقرب للذهن: النثر → الشعر

  • الأوسط: العمارة → النحت → الرسم

  • الأقرب للبصيرة: الموسيقى.

3. نظرية التطور الفني

يربط تطور الفن بالسياق الحضاري، متأثرًا بنظرية داروين، ويرى أن "الانحطاط الفني" ينتج عن:

  • الانقطاع عن التجديد

  • الهيمنة الدينية أو السياسية

  • سيادة النزعة التقليدية .

التحليل التاريخي للفن الأوروبي

أ. عصر النهضة الإيطالية

  • مدرسة فلورنسا: تُعد حجر الزاوية في الرسم الحديث، تميزت بالاهتمام بالتشريح البشري والمنظور. أبرز روادها:

    • ليوناردو دافنشي: جمع بين العلم والفن في أعمال مثل "الموناليزا".

    • مايكل أنجلو: تميز بالنحت المعبّر (تمثال داود) والجداريات (سقف كنيسة سيستينا).

    • رافائيل: أبدع في توازن التكوين كما في "مدرسة أثينا".

ب. المدارس الأوروبية الحديثة

  • الفلمنكية (هولندا): رائدة في الرسم بالزيت، مع تركيز على الواقعية اليومية. أعلامها:

    • رامبرانت: استخدم الضوء بشكل درامي في "الحرس الليلي".

    • فيرمير: تخصص في المشاهد المنزلية الدقيقة ("الفتاة ذات القرط اللؤلؤي").

  • الإسبانية: تميزت بالعمق النفسي عبر:

    • إل جريكو: خطوطه الملتوية تعكس الصراع الروحي.

    • فيلاسكيز: صور تناقضات البلاط ("وصيفات الشرف").

ج. حركات القرن التاسع عشر

  • الانطباعية: ركزت على التأثيرات الضوئية العابرة (مونيه في "بزوغ الشمس من خلف الضباب" ).

  • ما بعد الانطباعية:

    • فان غوخ: خطوط لولبية وألوان نارية تعبر عن العذاب ("ليلة مرصعة بالنجوم").

    • غوغان: ألوان استوائية ورمزية في أعماله التاهيتية.

  • الطليعيون (الوحوش والتكعيبيون):

    • بيكاسو: تفكيك الأشكال ("آنسات أفينيون").

    • ماتيس: ألوان صارخة وتشويه تعبيري.

تطور المدارس الفنية الأوروبية حسب الكتاب

الفترةالمدرسةأبرز الخصائصالفنانون الممثلون
القرن 15-16النهضة الإيطاليةالدقة التشريحية، المنظوردافنشي، رافائيل
القرن 17الفلمنكيةالواقعية، تقنية الزيترامبرانت، فيرمير
القرن 19الانطباعيةالتقاط الضوء، اللمسات السريعةمونيه، رينوار
أوائل القرن 20التكعيبيةتفكيك الأشكال، الهندسةبيكاسو، براك

الفنون الإسلامية عبر رؤية سلامة موسى

1. الأسس العقائدية والتأثير

  • التحريم النسبي: يرى أن الإسلام منع تصوير الكائنات الحية لارتباطه بمحاربة الوثنية، لكنه يلاحظ "تسامحًا" في فارس ومصر الفاطمية بسبب الانتماء المذهبي (الشيعي).

  • التحول نحو الذهنية: نتيجة المنع، اتجه الفنان المسلم إلى:

    • تطوير الزخارف الهندسية (أشكال نجمية، تداخلات رياضية).

    • تحوير العناصر النباتية/الحيوانية ("التششير" و"التمديد").

    • تطوير الخط العربي كفن قائم بذاته.

2. اتجاهات الفن الإسلامي

  • الزخرفة الهندسية: اعتماد على تقاطعات الدوائر والمثلثات لإيقاع بصري متناغم.

  • الزخرفة التوريقية (الرقش): تحوير الطبيعة (أوراق الشجر، الحيوانات) إلى أشكال مجردة.

  • فن الخط: تطوير أنماط (كوفي، ثلث، نسخ) وإدماجها بالعمارة.

3. العمارة: ذروة الإبداع

  • التحول الوظيفي: بنى المسلمون مساجد وأسواقًا وقصورًا تجمع بين الجمال والمنفعة.

  • العناصر المميزة:

    • المقرنصات: تشبه القناديل المعلقة، تطورت في عصر المماليك.

    • المشربيات: استمدت من الفن القبطي.

    • الفسيفساء: ورثت عن البيزنطيين.

مراحل تطور الفن الإسلامي حسب الفصول التاريخية

العصرالمركز الجغرافيالإسهامات البارزة
الأمويالشام، الأندلسقبة الصخرة، الزخارف النباتية
الفاطميمصرزخارف قصور الحيوان، الخزف اللامع
المملوكيمصر، سورياالمقرنصات، المدارس ذات الإيوانات
العثمانيالأناضول، البلقانالقباب الهائلة، الخزف الأحمر

نقد المفاهيم والجدل حول الكتاب

1. إشكالية "الانحطاط الفني"

  • يوجه موسى نقدًا لاذعًا لـ:

    • الفن البيزنطي: لجموده في خدمة الكنيسة.

    • العصور الوسطى الأوروبية: تدهور الفن تحت سيطرة الكنيسة الكاثوليكية.

    • بعض مدارس الحداثة: كالتكعيبية التي يراها "تشويهًا".

  • ردود النقاد: اتهمه البعض بـ"الداروينية المتطرفة" في تطبيق معايير التطور على الفن.

2. الخلاف حول الفن الإسلامي

  • موقف موسى: يرى أن الإسلام "كبت" الفن التصويري، فاضطر الفنان للتحويل نحو الزخرفة.

  • النقد المعاصر: يشير مراجعو الكتاب إلى أن هذا التفسير يغفل:

    • الإبداع الذاتي في التجريد الإسلامي.

    • دور العوامل الحضارية (التواصل مع الصين) في تطوير الخزف.

3. محدودية الشمول

  • أبرز الانتقادات:

    • التركيز على الرسم الأوروبي وإهمال فنون النحت والمسرح.

    • تجاهل الفن الأفريقي والآسيوي غير الإسلامي.

    • عدم تحليل الصور المذكورة بشكل كافٍ.

  • دفاع موسى: أكد في المقدمة أنه "تقيّد بآراء أوربن" واختار الصور الأشهر فقط.

 الإرث النقدي وتأثير الكتاب

1. تقييم القراء والنقاد

  • إيجابيات:

    • أول كتاب عربي يربط تاريخ الفن بالسياق الحضاري.

    • تبسيط المفاهيم الجمالية للمبتدئين.

  • سلبيات:

    • وصفه بأنه "تاريخ للرسامين لا للفنون" لتركيزه على السير الذاتية.

    • تحيز واضح ضد الفن الديني.

2. الأهمية التاريخية

  • ريادة في مجاله: سبق كتاب كمال الدين سامح "تاريخ الفن" بأربعة عقود.

  • نافذة على الغرب: قدم التيارات الأوروبية للقارئ العربي في حقبة شهدت ندرة المراجع المترجمة.

3. العِبر المستدامة

  • الجمال كحاجة إنسانية: يؤكد موسى أن الفنون تعويض عن "قبح العالم".

  • تحرير الفن من المحاكاة: "لو كان الفن محاكاة لتفوقت عليه آلة التصوير".

الخاتمة: بين الإنجاز والقصور

يظل كتاب "تاريخ الفنون وأشهر الصور" وثيقة تاريخية تعكس رؤية مثقف عربي حاول تفكيك المركزية الأوروبية للفن، رغم وقوعه في بعض إشكالياتها. 

إن تبسيطه للمدارس الفنية جعله مدخلًا مؤثرًا للأجيال الأولى من القراء العرب، لكن محدودية تحليله للصور واختزالية تفسيره للفن الإسلامي تظهران إكراهات المرحلة الفكرية التي كُتب فيها. 

رغم ذلك، يشكل العمل شهادة على جرأة سلامة موسى في اقتحام حقول معرفية كانت تُعتبر "غريبة" عن الفكر العربي آنذاك.


مصادر :

إرسال تعليق

0 تعليقات