كيف استخدمت مونوبولي لإنقاذ أسرى الحرب

كيف استخدمت مونوبولي لإنقاذ أسرى الحرب

 

 Monopoly X: كيف ساعدت لعبة مونوبولي في إنقاذ أسرى الحرب العالمية الثانية

المحتويات

  • مقدمة عن الكتاب: نظرة عامة على قصة العملية السرية وأهميتها التاريخية.

  • الفكرة والآلية: كيف تطورت فكرة استخدام اللعبة وتصميمها السري.

  • البطلان الرئيسيان: من هم العقلان المدبران وراء العملية.

  • شبكات الهروب: دور المقاومة الفرنسية وخطوط الهروب.

  • خيانة هارولد كول: قصة الخائن الذي كاد يدمر الشبكة.

  • دور الجاسوسة بينوا جان: الشخصية الغامضة وعملها السري.

  • نجاحات وإحصائيات: أثر العمليات الناجحة على مجرى الحرب.

  • الاستخدامات الأخرى للعبة: كيف استخدمت مونوبولي في مجالات استخباراتية أخرى.

  • التقييم النقدي: نقاط القوة والضعف في الكتاب.

  • الخاتمة: الأهمية التاريخية والدروس المستفادة.

1  العملية السرية التي ظلت طي الكتمان

"Monopoly X" للكاتب فيليب إي. أوربانيس هو كتاب يكشف النقاب عن واحدة من أكثر عمليات الحرب العالمية الثانية غرابة وابتكاراً، والتي ظلت سراً محفوظاً لعقود بعد انتهاء الحرب.

 يُعد هذا الكتاب إضافة جديدة للمكتبة التاريخية التي تتناول الحرب، حيث يسلط الضوء على قصة غير تقليدية تجمع بين التجسس والعبقرية الإبداعية في استخدام أدوات يومية لأغراض حيوية.

يعتمد أوربانيس، وهو مؤرخ مختص بتاريخ الألعاب وخاصة لعبة المونوبولي، على اتصالات شخصية ومقابلات مع أشخاص مرتبطين بالقصة لسرد تفاصيلها الكاملة لأول مرة 

يروي الكتاب كيف استطاعت أجهزة الاستخبارات البريطانية (MI-6) والأمريكية (CIA) تصميم وتنفيذ عملية سرية أطلق عليها اسم "عملية مونوبولي X"، والتي تم من خلالها تهريب أدوات وهوية مزيفة وخرائط وأموال إلى معسكرات أسرى الحرب الألمان مخبأة داخل علب لعبة المونوبولي التي كانت توزعها الصليب الأحمر أو منظمات إغاثة وهمية .

تبدأ القصة بشكل مشوق في قلعة كولديتز الألمانية، التي كانت معتقلاً للضباط الحلفاء الذين حاولوا الهروب سابقاً. 

يصف أوربانيس بدقة لحظة وصول طرود تحتوي على ألعاب مونوبولي، ومن بينها لعبة واحدة "محملة" بعلامة نقطة حمراء خفية على مساحة "الانتظار المجاني" (Free Parking) على اللوحة، تحتوي على كل ما يحتاجه السجين للهروب 

هذا المشهد التمهيدي يضع القارئ مباشرة في قلب العملية ويدفعه لمتابعة القصة المتشعبة.

2 الفكرة والآلية: العقلية السحرية وراء التصميم

2.1 العقل المدبر: من ساحر إلى خبير في الهروب

كانت الفكرة من بنات أفكار كريستوفر "كلاتي" كلايتون-هاتون، وهو رجل ذو خلفية فريدة؛ حيث كان ساحراً سابقاً تحول إلى ضابط في جهاز الاستخبارات البريطاني MI-6 

خبرته في الخدع البصرية وابتكار الآليات الخفية جعلته المؤهل الأمثل لوضع حلول إبداعية لتحدي مساعدة أسرى الحرب. كانت مهمته مزدوجة: أولاً، مساعدة الطيارين الذين تسقط طائراتهم خلف خطوط العدو على تجنب القبض عليهم والعودة إلى إنجلترا. ثانياً، إيجاد طريقة لإيصال أدوات الهروب إلى الأسرى داخل المعسكرات الألمانية .

أدرك كلايتون-هاتون أن الحاجة الأولى هي الخرائط، ولكن ليس أي خرائط. كانت خرائط الورق التقليدية معرضة للتمزق والبلل وصعبة الإخفاء. الحل كان الخرائط المطبوعة على الحرير—كانت متينة، لا تصدر صوتاً عند طيها، ويمكن إخفاؤها بسهولة داخل الملابس أو داخل أشياء أخرى 

وقادته هذه الحاجة إلى شركة جون وادينغتون المحدودة (John Waddington Ltd.) في ليدز، والتي كانت الشركة الوحيدة في المملكة المتحدة الماهرة في الطباعة على الحرير، وصادف أنها كانت أيضاً الموزع الرسمي للعبة مونوبولي في بريطانيا .

2.2 التصميم الثوري للعبة المونوبولي "المحملة"

بعد نجاح تعاونهم في طباعة الخرائط، اتجه كلايتون-هاتون إلى وادينغتون لتنفيذ الجزء الأصعب من المهمة: تصميم علب مونوبولي يمكنها إخفاء أدوات الهروب. كانت الشركة مثالية لهذه المهمة نظراً لسمعتها في الموثوقية والقدرة على كتمان السر .

كان التصميم الناتج عبقرياً في بساطته ونجاعته. حيث تم نحت تجويفات صغيرة داخل لوحة اللعب نفسها، تحت الملصق الأصلي. كانت هذه التجويفات مصممة بدقة بحيث تكون محتوياتها مستوية تماماً مع سطح اللوحة، بحيث إذا مرر الشخص يده على السطح لا يشعر بأي شيء غريب .

 لضمان عدم فتح الأسرى للعبوة الخطأ، تم وضع علامة سرية—نقطة حمراء صغيرة على مربع "الانتظار المجاني"—على اللعبة "المحملة" لتمييزها عن الألعاب العادية الترفيهية .

2.3 محتويات أدوات الهروب

احتوت هذه اللعبة المعدلة على مجموعة متكاملة من أدوات الهروب :

نوع الأداةالوصف والغاية
الخرائطمطبوعة على الحرير، توضح المناطق المحيطة بمعسكر الاعتقال وطرق الهروب إلى الحدود الآمنة.
النقودعملات ألمانية حقيقية (الرايخ مارك) لاستخدامها في شراء تذاكر القطار أو الرشوة.
البوصلةصغيرة جداً (أصغر من أطراف الأصابع) لتحديد الاتجاهات.
الأوراق الثبوتية المزيفةمستندات ألمانية مزيفة لإظهارها أثناء التفتيش على القطارات.
أدوات نجارة صغيرةمنشار صغير يمكن استخدامه في قطع الأخشاب أو قضبان النوافذ.

كانت التعليمات للأسرى واضحة: بعد الهروب من المعسكر، يجب التوجه إلى أقرب محطة قطار وشراء تذكرة للمغادرة السريعة من المنطقة لزيادة فرص النجاح. الهدف التالي كان العثور على عامل في "خط الهروب" (Escape-line) .

3 البطلان الرئيسيان: من القلعة إلى غرفة العمليات

3.1 إيري نيف: الهارب الأول والقائد اللاحق

يبرز الكاتب إيري نيف كأحد أكبر الأبطال في هذه القصة. كان نيف ضابطاً بريطانياً محتجزاً في قلعة كولديتز، المعروفة بأنها معتقل للهاربين والمحظوظين.

 كان نيف هو أول من هرب بنجاح من كولديتز باستخدام أدوات من لعبة مونوبولي المحملة في أوائل عام 1942 . لكن قصة نيف لا تنتهي عند هروبه.

بعد عودته إلى إنجلترا، انضم نيف إلى جهاز MI-9 وقاد غرفة عمات خاصة تسمى "الغرفة 900" (Room 900). كانت مهمته هي دعم وتنظيم خطوط الهروب في فرنسا، حيث كان يزودها بالمعدات والتمويل ويضمن تعاونها بشكل منسق بعد أن كانت تعمل بشكل عشوائي من قبل .

 جعلته هذه الجهود بطلاً مزدوجاً: هارباً ناجحاً ثم قائداً للعمليات التي ساعدت المئات على بعد هروبه، انضم نيف إلى جهاز الاستخبارات البريطاني MI-9 وقاد وحدة فرعية تسمى "الغرفة 900"، حيث دعم ونظم خطوط الهروب في فرنسا، وزودهم بالمعدات والتمويل والتنسيق.

 وهذا يظهر الأثر المضاعف لنجاح عملية مونوبولي X. واستمر نيف في حياته ليصبح سياسياً بريطانياً بارزاً حتى اغتياله في عام 1979 .

3.2 بينوا جان (نوري): لغز في قلب الظل

إلى جانب نيف، تبرز شخصية بينوا جان، التي عملت تحت الاسم الحركي "نوري" (وهو كلمة "iron" بالإنجليزية مقلوبة، في إشارة إلى قطعة اللعبة "القطارة الحديدية") 

كانت نوري عاملة غامضة في خطوط الهروب وعملت كجاسوسة. يذكر أوربانيس أن قصتها كانت معقدة وغامضة لدرجة أنها وزوجها قد يكونان عملاء أيضاً خلال الحرب الباردة، وهو ما يفسر ندرة المعلومات المتاحة عنها وأن اسمها المستعار كان ضرورياً لحماية هويتها الحقيقية .

تعكس قصة نوري طبيعة العالم السري للاستخبارات، حيث تتداخل الحقائق والأسماء المستعارة، ويكون الولاء غامضاً أحياناً. يشار إلى أن أوربانيس علم بقصتها أولاً من خلال شخص كان على علم بحقيقتها، مما أضاف بعداً شخصياً لغموضها .

4 شبكات الهروب والمقاومة الفرنسية

لم يكن الهروب من المعسكر هو نهاية المطاف، بل كانت خطوط الهروب (Escape Lines) هي الشبكة الحيوية التي أوصلت الهاربين إلى بر الأمان. كانت هذه الخطوط تُدار بشكل أساسي من قبل المقاومة الفرنسية وأفراد شجعان ضحوا بحياتهم يومياً لمساعدة الطيارين والجنود الهاربين.

كانت العملية النموذجية بعد الهروب تتلخص في :

  1. الوصول إلى مدينة آمنة: باستخدام الخريطة والبوصلة، يتجه الهارب إلى مدينة محددة مسبقاً.

  2. الاتبع بعامل خط الهروب: يتم ذلك عادة عن طريق الاتصال بمزارع أو قس محلي، الذين كانوا على اتصال بعمال خطوط الهروب.

  3. الرعاية والإخفاء: يقوم عامل الخط بإيواء الهارب، معالجة أي إصابات، إطعامه، وتغيير ملابسه العسكرية إلى ملابس مدنية عادية لتجنب الاشتباه.

  4. رحلة العودة: يتم ترتيب رحلة الهارب عبر سلسلة من الملاجئ الآمنة حتى الوصول إلى جبال البرانس، حيث يقوم دليل محلي بعبوره إلى إسبانيا. من هناك، يتوجه الهارب إلى جبل طارق، حيث يعود إلى إنجلترا عبر سفينه.

5 الخيانة: قصة هارولد كول (توب هات)

لا تخلو قصة البطولة من وجود الخيانة. يسلط كتاب "Monopoly X" الضوء على قصة هارولد كول، الضابط البريطاني الذي حصل على الاسم الرمزي "توب هات" (القطعة الشهيرة في لعبة مونوبولي) . بدأ كول كعامل مفيد في خطوط الهروب، لكنه انقلب لصالح الألمان وأصبح خائناً.

قام كول بخداع العاملين في شبكات الهروب وكشف هوياتهم للغيستابو، مما أدى إلى اعتقال وإعدام العشرات من أفراد المقاومة والجواسيس الذين كانوا يساعدون الحلفاء 

لقد تسبب خيانة كول في إلحاق أضرار جسيمة بشبكات الهروب قبل أن يتم اكتشاف أمره في النهاية. تجعل قصته القراء يدركون المخاطر الهائلة التي واجهها أولئك الأبطال والثمن البشري الفادح الذي دفعوه.

6 النجاح والتأثير: الأرقام والإرث

كانت عملية مونوبولي X ناجحة بشكل لافت، حيث لم يتم اكتشافها مطلقاً من قبل الرقباء الألمان . يعزو أوربانيس جزءاً من هذا النجاح إلى الثقافة الألمانية نفسها، التي كانت تحترم الألعاب كشكل شرعي للترفيه والمنافسة.

 لقد رأى المسؤولون الألمان أن السماح للأسرى باللعب يبقيهم راضيين ومشغولين عن التفكير في الهروب، مما جعل أدوات اللعب تبدو غير ضارة .

تشير التقديرات البريطانية التي ذكرها أوربانيس إلى أن حوالي 11,000 من أسرى الحرب الأمريكيين والبريطانيين تمكنوا من الهروب من المعسكرات بفضل أدوات الهروب،في المقام الأول تلك التي يتم تهريبها في ألعاب المونوبولي. 

ومن بين هؤلاء، تمكن حوالي 1,596 أسيراً من العودة فعلياً إلى إنجلترا . على الرغم من أن معظم الهاربين تم القبض عليهم مرة أخرى، إلا أن جهود الهروب هذه كانت لا تقدر بثمن للجهود الحربية لأنها استنزفت موارد ألمانية كبيرة كان يتم توجيهها لمطاردة الهاربين بدلاً من استخدامها في الجبهة.

7 استخدمات أخرى للمونوبولي في التجسس

يكشف الكتاب أيضاً أن استخدام المونوبولي لم يقتصر على تهريب أدوات الهروب. 

فقد تم استخدام لوحة لعبة المونوبولي كشيفرة لفك تشفير تحذير مهم مفاده أن جوزيف ستالين كان لديه جواسيس في البيت الأبيض . هذه الحقيقة المذكورة في مراجعة الناشرين تضيف بُعداً آخر لدور هذه اللعبة البسيطة في عالم الجاسوسية.

8 التقييم النقدي للكتاب

جمعت آراء النقاد والقراء حول الكتاب بين الإشادة بموضوعه الفريد وبعض الانتقادات المتعلقة بالتنفيذ.

8.1 نقاط القوة

  • قصة جديدة ومثيرة: اتفق النقاد على أن الكتاب يقدم قصة مثيرة وغامضة تستحق السرد. أشادت "بابلشرز ويكلي" بالكتاب ووصفته بأنه "مثير" وكتبت أنه "على الرغم من أن بعض المشاهد المكتوبة بأناقة هي المضاربة بشكل واضح , إلا أن كل شيء مثير لدرجة أن القراء لن يمانعوا تعليق قليل من عدم التصديق" .

  • التفاصيل الحية في المشاهد الافتتاحية: أشادت مراجعة "ستار تريبيون" بالتفاصيل الغنية والمشاهد الحية في الفصول الافتتاحية، خاصة تلك التي تصف وصول لعبة المونوبولي إلى قلعة كولديتز واستخدامها في الهروب .

  • الوصول إلى مصادر فريدة: بسبب خلفية أوربانيس كخبير في المونوبولي واتصالاته الشخصية مع من عاصروا الأحداث، تمكن من الوصول إلى معلومات وقصص قد لا تكون متاحة للمؤرخين التقليديين .

8.2 نقاط الضعف

  • مشكلة التنظيم والتركيز: انتقد بعض القراء والمراجعين مثل مراجعة "ستار تريبيون" و"بوكمارك ريفيوز" أن الكتاب غير منظم ويقفز بين القصص والشخصيات بشكل قد يكون محيراً للقارئ . كما أشاروا إلى أن جزءاً كبيراً من الكتاب يركز على قصص المقاومة وخطوط الهروب بشكل عام، بينما يقل التركيز على لعبة المونوبولي نفسها بعد الفصول الأولى .

  • الحوارات التخمينية: لاحظ بعض القراء أن المؤلف أحياناً يقحم حوارات متخيلة بين الشخصيات في كتابة غير خيالية، وهو ما قد يضعف المصداقية التاريخية للبعض .

  • نقص التوثيق الأكاديمي: أشارت بعض المراجعات إلى أن أوربانيس ليس مؤرخاً محترفاً، والكتاب يفتقر إلى الهوامش التوثيقية التي تساعد القارئ في تتبع المصادر الدقيقة لكل معلومة .

خلاصة هذه الانتقادات أن الكتاب كان سيكون أفضل لو كان مقالاً موسعاً يركز على القصة الأساسية بدلاً من محاولة تغطية العديد من القصص المتشعبة . ومع ذلك، يظل الكتاب مصدراً قيماً لكشفه النقاب عن فصل مهم ومخفى من تاريخ الحرب.

9 ا الأهمية التاريخية والدروس المستفادة

يختتم فيليب أوربانيس كتابه بالتأكيد على أن "المرح ليس أمراً تافهاً" 

قصة عملية مونوبولي X تثبت أن الإبداع والبراعة الإنسانية يمكن أن ينبثقا من أبسط الأدوات في أحلك الظروف. لقد ساهمت هذه اللعبة، التي تبدو بريئة، في إنقاذ حياة المئات وتعطيل آلة الحرب النازية بطريقة غير متوقعة.

الدرس الأكبر الذي تقدمه هذه القصة هو أن الإرادة الإنسانية والابتكار يمكن أن يتغلبا على القوة والقسوة. لقد وقف الناس العاديون—من مصممي الألعاب إلى المزارعين الفرنسيين—في وجه الديكتاتورية وقرروا صنع الفارق.

 الكتاب بمثابة تذكرة بأننا "جميعنا نقف على أكتاف هؤلاء الناس" . لو لم يكن لديهم الإصرار والتزامهم بالحرية، لكان عالمنا اليوم مختلفاً تماماً.

"Monopoly X" هو إرث للشجاعة والذكاء الذي ظل سراً لفترة طويلة. وهو ليس مجرد قصة عن الحرب، بل هو قصة عن كيفية استخدام الإنسانية لأدواتها البسيطة لتحقيق انتصارات كبيرة

إرسال تعليق

0 تعليقات