رواية 1970



 رواية "1970" ل صنع الله إبراهيم

الصادرة عام 2019 عن دار الثقافة الجديدة، تُعد عملاً أدبيًّا يجمع بين السرد الروائي والتوثيق التاريخي، ليرسم بانوراما لعام رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، مع استحضار الأحداث الجسيمة التي شهدتها مصر والعالم العربي خلال عقدين من الزمن. تقدم الرواية رؤية نقدية مُعقدة لشخصية عبد الناصر، تُوازن بين إنجازاته وإخفاقاته، مستخدمةً تقنيات سردية مبتكرة تجعلها عملًا فريدًا في المشهد الأدبي العربي. فيما يلي ملخص تفصيلي للرواية:


البنية السردية والتقنيات الفنية

تعتمد الرواية على تقنية "الكولاج"، حيث تدمج بين السرد الروائي ومواد توثيقية من الصحف اليومية لعام 1970، مثل الأخبار السياسية، والإعلانات التجارية، والوقائع الاجتماعية، مما يُضفي واقعيةً تاريخيةً على النص. تبدأ الأحداث في 1 يناير 1970 بغارة إسرائيلية على إربد الأردنية، وتنتهي في 29 سبتمبر بوفاة عبد الناصر، مع تتبع يومي للأحداث عبر فصلين متوازيين:

  1. عمود التوثيق الصحفي: يُسجل تفاصيل الحياة اليومية في مصر والعالم، مثل أخبار حرب الاستنزاف، والصراع الفلسطيني-الأردني، وحرب فيتنام، وحتى الإعلانات الاستهلاكية.

  2. عمود المخاطبة الداخلية: يُكتب بضمير المخاطب ("أنت")، ليحاكي حوارًا مع عبد الناصر، يكشف عن أفكاره الداخلية، وشكوكه، وصراعاته الأخلاقية والسياسية.


المحتوى والأحداث الرئيسية

تركز الرواية على العام الأخير من حياة عبد الناصر، مع استرجاعات (فلاش باك) لأبرز محطات حياته وتاريخ مصر الحديث، مثل:

  • ثورة 1952 وتأسيس جمهورية مصر.

  • تأميم قناة السويس عام 1956 والعدوان الثلاثي.

  • حرب اليمن وتبعاتها الاقتصادية.

  • هزيمة 1967 (النكسة) التي شكلت نقطة تحول في وعي عبد الناصر، حيث يُصور وهو يعاني من الإحساس بالمسؤولية عن ضياع الجيش، ويُفكر في التنحي قبل أن يتراجع تحت ضغط الجماهير.

  • حرب الاستنزاف (1967–1970) كمرحلة إعداد لاستعادة الأرض، مع تصوير لقاءات عبد الناصر بالجنود في الخنادق، وملاحظته لصورة "تشي جيفارا" المعلقة فيها، مما يثير تساؤلاته عن الثورة والقيادة.

مشاهد بارزة

  • زيارة عبد الناصر للجبهة: يشارك الجنود طعام الإفطار، ويتفقد أحوالهم، بينما يُظهر الكاتب تناقضات القائد الذي يُثمّن التضحيات لكنه يعترف بإخفاقات النظام العسكري.

  • اللقاء مع تشي جيفارا: يُناقش عبد الناصر أفكار جيفارا الثورية، ويُعبّر عن تحفظاته على "رومانسية" الثورة العالمية، في حوار يكشف اختلاف الرؤى بين القائدين.

  • اللحظات الأخيرة قبل الوفاة: تُصور الرواية اجتماعات القمة العربية لمعالجة أزمة "أيلول الأسود" في الأردن، وتُلمح إلى دور السادات في إعداد فنجان القهوة الذي شربه عبد الناصر قبل وفاته بساعات، مما يفتح الباب لتكهنات حول الملابسات.


التحليل النقدي لشخصية عبد الناصر

تعيد الرواية تشكيل صورة عبد الناصر كـبطل تراجيدي، يجمع بين المثالية والعجز، الكاريزما والاستبداد. من أبرز النقاط النقدية:

  1. التناقض بين الحب الشعبي والإخفاقات السياسية: يُصور عبد الناصر كزعيم حظي بحب الجماهير رغم هزائمه، لكنه يُدان لاعتماده على العسكر وتهميشه الديمقراطية، ما مهّد لاستمرار الحكم العسكري بعد رحيله.

  2. مسؤولية الهزيمة: يُلقى باللوم على عبد الناصر لإبقائه عبد الحكيم عامر في منصبه رغم فشله، ولثقته المفرطة في قدرته على مواجهة إسرائيل دون استعداد كافٍ.

  3. إرث الديكتاتورية: تنتقد الرواية دعم عبد الناصر لانقلابات عسكرية في دول عربية (مثل ليبيا والسودان)، والتي أدت إلى حكومات استبدادية لاحقة.


السياق التاريخي والاجتماعي

لا تقتصر الرواية على سيرة عبد الناصر، بل تُقدم نقدًا لـالتجربة الناصرية ككل، من خلال:

  • توثيق الأوضاع الاقتصادية: مثل أزمة الديون، وانهيار مشاريع التصنيع، وتأثير سياسات التأميم على الطبقة الوسطى.

  • التحولات الاجتماعية: كظهور التيارات الدينية المتشددة، وصراعات الهوية بين الحداثة والتقليد، كما في مشهد تهديد طالبات الفنون الجميلة بسبب ارتداء "الميني جيب".

  • التأثيرات الدولية: مثل تدخل القوى العظمى (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) في الصراع العربي-الإسرائيلي، ودور الحرب الباردة في تشكيل سياسات المنطقة.


الرؤية الأدبية والجدل النقدي

أثارت الرواية جدلًا نقديًا لجرأتها في خلط الوثيقة بالتخييل، ولموقفها المزدوج من عبد الناصر:

  • التمجيد والنقد: يرى الناقد خالد عميرة أن الكاتب لم يقع في فخ التمجيد أو التشويه، بل قدم صورة إنسانية لعبد الناصر، تعترف بإخفاقاته دون إنكار منجزاته مثل تأميم القناة ودعم الحركات التحررية.

  • اللغة الانكسارية: يصف حمزة قناوي لغة الرواية بأنها "منهزمة"، تعكس مرارة الهزيمة المستمرة منذ 1967، وتُجسد الانهيار التدريجي لأسطورة الزعيم المُخلّص.

  • التوثيق كأداة سردية: يُشيد النقاد بقدرة الكاتب على تحويل المواد الأرشيفية إلى جزء من النسيج الروائي، مما يُعمق الإحساس بالتاريخ كشخصية فاعلة.


الخاتمة: "خذلت نفسك وخذلتنا"

تختتم الرواية بعبارة قاسية تُلخص إحساسًا جماعيًّا بالخيبة: "خذلت نفسك وخذلتنا.. ثم ذهبت، وذهبت معك مقدرات الأمة وآمالها إلى حين". هذه العبارة لا تُدين عبد الناصر فحسب، بل تُحمّل النظام الذي أقامه مسؤولية التردي اللاحق، من حكم السادات إلى مبارك والسيسي. بهذا، تصبح "1970" ليست مجرد سيرة لزعيم، بل مرآةً لتاريخ مصر الحديث، تُعيد طرح الأسئلة المحرمة عن الثورة، والهزيمة، ومصير الشعوب تحت حكم العسكر

_______________________________

المصادر
١. صفحة ويكيبيديا عن صنع الله إبراهيم 
٢. صفحة جود ريدز لرواية "١٩٧٠" 
٣. صفحة ويكيبيديا العربية لرواية "1970

إرسال تعليق

0 تعليقات