الأصولية والعلمانية



  "الأصولية والعلمانية" لمراد وهبة

يقدم الدكتور مراد وهبة في كتابه "الأصولية والعلمانية" تحليلًا فلسفيًّا وتاريخيًّا للصراع بين الأصولية الدينية والعلمانية، مع تركيز خاص على السياق الإسلامي. يناقش الكتاب جذور كلٍّ من المفهومين وتأثيرهما على المجتمعات الحديثة، مستندًا إلى رؤية نقدية تهدف إلى تفكيك الإشكاليات المعرفية والسياسية المرتبطة بهما.

المحاور الرئيسية للكتاب

  1. الأصولية: امتلاك الحقيقة المطلقة

    • يعرّف وهبة الأصولية بأنها تيار ديني أو فكري يزعم امتلاك الحقيقة المطلقة المستمدة من النصوص الدينية، ويرفض التأويل العقلاني أو التكيف مع السياقات الزمنية المتغيرة. تشمل الأصولية نماذج مختلفة مثل المسيحية (التي ترفض نظرية التطور) والإسلامية (التي تمثلها أفكار المودودي وسيد قطب والخميني) واليهودية (التي تربط الأرض المقدسة بالدم) .

    • في الإسلام، ينتقد المؤلف أفكارًا مثل "الحكومة الإسلامية" للمودودي، التي تعتبر الله الحاكم الوحيد، وتُخضع التشريع البشري للنص الديني، مما يؤدي إلى صراع مع مفاهيم الديمقراطية والعلمانية .

  2. العلمانية: التفكير في النسبي

    • يرفض وهبة التعريف الشائع للعلمانية كـ"فصل الدين عن الدولة"، ويقدمها كـ"نظرية في المعرفة" تقوم على "التفكير في النسبي بما هو نسبي"، أي معالجة الظواهر الإنسانية (النسبية بطبيعتها) بمنظور علمي وعقلاني دون استدعاء المطلقات الدينية .

    • يشير إلى أن جذور العلمانية تعود إلى عصر النهضة الأوروبي، حيث صراع بين تأويل النصوص الدينية بالعقل (كما عند كوبرنيكوس وجاليليو) والتفسير الحرفي لها من قبل الكنيسة .

  3. الأصولية والعلمانية في الشرق الأوسط

    • يحلل الكتاب كيف تستخدم الأصولية الإسلامية الرمز الديني لفرض الهوية وتهميش التعددية، بينما تواجه العلمانية تحديات في المجتمعات العربية بسبب الربط التاريخي بين الدين والسياسة .

    • ينتقد وهبة الحركات الأصولية لخلطها بين المطلق (الديني) والنسبي (السياسي والاجتماعي)، مما يؤدي إلى عنف وإرهاب كـ"تفريعات للأصولية" .

  4. الأصولية وما بعد الحداثة

    • يربط المؤلف بين رفض الأصولية للحداثة (التي تعتمد على العلمانية) وانزياح ما بعد الحداثة عن المطلقات. فكلاهما، رغم اختلافهما، يشتركان في نفي الحقيقة الواحدة، لكن الأصولية ترفض هذا النفي وتصر على امتلاك الحقيقة .

انتقادات وأفكار بارزة

  • نقد الأصولية: يرى وهبة أن الأصولية تُنتج مجتمعات متخلفة لأنها ترفض التطور العلمي والاجتماعي، وتعتمد على تأويلات جامدة للنصوص .

  • دور التنوير: يؤكد أن العلمانية شرطٌ للحداثة، بينما الأصولية تمثل عودة إلى الماضي عبر توظيف الدين لأغراض سياسية .

  • الدعوة إلى حوار معرفي: يدعو إلى فصل النسبي (كالقانون والسياسة) عن المطلق (كالعقيدة)، مع الحفاظ على حرية الاعتقاد كحق إنساني مقدس .

الخلاصة

الكتاب محاولة لفهم إشكالية العلاقة بين الدين والحداثة في العالم العربي، مع تأكيد أن حلول الأزمات المعاصرة (كالعنف والتطرف) تتطلب تبني رؤية علمانية تعلي من شأن العقل والتجربة، وتفكك الربط الأصولي بين المقدس والسياسي. يُعد هذا العمل مرجعًا مهمًّا لفهم جذور الصراع الفكري في المجتمعات الإسلامية الحديثة

إرسال تعليق

0 تعليقات