"رحلة الدم" لإبراهيم عيسى
الرواية التي أثارت الجدل حول التاريخ الإسلامي وصحابة النبي
السياق العام للرواية
صدرت رواية "رحلة الدم" للكاتب المصري إبراهيم عيسى عام 2016 عن دار الكرمة، وتعد الجزء الأول من سلسلة "القتلة الأوائل". تدور أحداثها حول الفتنة الكبرى التي أعقبت وفاة النبي محمد، مع تركيز خاص على فترة خلافة عثمان بن عفان ومقتله، ثم اغتيال علي بن أبي طالب على يد عبد الرحمن بن ملجم المرادي. تهدف الرواية إلى كشف "المسكوت عنه" في التاريخ الإسلامي عبر سرد مشاهدات حية تعتمد على مصادر تاريخية، لكنها أثارت جدلًا واسعًا بسبب تصويرها الصحابة بصورة سلبية .
الحبكة والشخصيات الرئيسية
ترصد الرواية تحولات عبد الرحمن بن ملجم، الذي بدأ قارئًا للقرآن في الجيش الإسلامي، وانتهى خارجيًا يقتل الإمام علي، معتقدًا أنه بذلك يتقرب إلى الله. تبدأ الأحداث بمشهد اغتيال علي، ثم تعود بالزمن 20 عامًا لترصد فتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، وصراعات السلطة بين الصحابة، وتفاصيل مقتل عثمان بن عفان .
من أبرز الشخصيات:
عثمان بن عفان: يُصوَّر كخليفة ضعيف، مهووس بزوجته نائلة، ويُتهم باختلاس أموال بيت المال لإهدائها لها .
عمر بن الخطاب: يُظهره الكاتب قاسيًا في تعامله مع معاذ بن جبل، ويتجاهل قصص عدالته الشهيرة، مثل حمل الدقيق للأيتام .
عمرو بن العاص: يُوصف بالفساد وبناء القصور من أموال مصر المسروقة، مع تجاهل قصص عدالته مع المصريين .
عبد الرحمن بن ملجم: يُقدَّم كبطل مثالي يحفظ القرآن، بينما يُصوَّر الصحابة الآخرون كأميين جاهلين .
الجدل حول المصادر التاريخية
ادعى إبراهيم عيسى في مقدمة الرواية أنها تعتمد على مراجع موثوقة مثل "تاريخ الطبري" و"البداية والنهاية" لابن كثير، لكن النقاد أكدوا أن الاستشهادات كانت انتقائية وغير موثقة. فعلى سبيل المثال:
اعتمد على روايات ضعيفة من كتب الأدب، مثل "سقيفة حبي" لجورج كدر، الذي يُعتبر مصدرًا غير معتمد في التاريخ الإسلامي .
استخدم روايات من مصادر شيعية مثل "أنساب الأشراف" للبلاذري، والتي تحتوي على أخبار مكذوبة عن الصحابة .
تجاهل منهجية التحقيق التاريخي، مثل التحقق من أسانيد الروايات أو ذكر الصفحات المرجعية، مما جعل الاستشهادات "ساذجة" وفقًا للنقاد .
انتقادات لتصوير الصحابة
أثارت الرواية غضبًا واسعًا بسبب تشويهها لصورة الصحابة، وُصفت شخصياتهم بأنهم:
انتهازيون وماديون: لا هم لهم إلا السلطة والمال والجنس. على سبيل المثال، تُروى مشاهد جنسية صريحة بين عثمان وزوجته نائلة .
متآمرون: اتهام السيدة عائشة وعلي بن أبي طالب بالتحريض على قتل عثمان، رغم تناقض هذا مع الروايات التاريخية الموثوقة .
أميون: وصف جنود المسلمين بأنهم لا يحفظون القرآن، بينما يُبرز ابن ملجم كحافظٍ مثالي له .
وصف الكاتب أسامة الهتيمي الشخصيات بأنها "عصابة لا يشغلها إلا المال والنساء وسفك الدماء"، بينما رأى آخرون أن الصورة تنزع القداسة عن الصحابة لصالح "عقيدة نزع القداسة" التي تروجها التيارات المنحرفة .
الردود المؤسسية على الرواية
أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر تقريرًا يدين الرواية، مؤكدًا أنها:
تعتمد على روايات مكذوبة وضعيفة.
تروج لرؤية تشبه الروايات الشيعية في تكفير الصحابة.
تهدف إلى زعزعة الثقة في النموذج الإسلامي عبر تشويه رموزه .
الجانب الفني والأسلوب
رغم الجدل، تميزت الرواية بأسلوب سردي مشوق، جمع بين اللغة التراثية والحوارات الدرامية، مما منح الأحداث حيوية. اعتمد عيسى على تقنية "الصدمة" بإبراز التناقضات النفسية للشخصيات، مثل تصوير عمر بن الخطاب بجوانب قسوة وحنان في آن واحد . كما نجح في خلق توازن بين السرد التاريخي والخيال الروائي، رغم اتهامات بأن المشاهد الجنسية والعنف كانت "إضافات زائدة عن الحاجة" .
التأثير والاستقبال النقدي
حققت الرواية نجاحًا تجاريًا، حيث نفدت طبعتها الأولى في خمسة أيام، وحصلت على جوائز مثل "جائزة نجيب محفوظ" . لكن هذا النجاح اقترن بانتقادات حادة من التيارات السلفية والعلماء، بينما رأى آخرون أنها خطوة نحو نقد التراث بعيدًا عن التقديس .
الخلاصة
"رحلة الدم" ليست مجرد رواية تاريخية، بل مشروعًا فكريًا يهدف إلى إعادة قراءة التاريخ الإسلامي عبر عدسة نقدية، لكن منهجيتها المثيرة للجدل في انتقاء المصادر وتصوير الشخصيات جعلتها موضع اتهام بالتزييف والتشويه. سواءٌ أكانت محاولةً جريئةً لكسر التابوهات، أم هجومًا على رموز الإسلام، تبقى الرواية نموذجًا لأدب الجدل الذي يخلق حوارًا بين المقدس والمدنس
0 تعليقات