الحرافيش



 الحرافيش المؤلف: نجيب محفوظ 

المقدمة: رواية "الحرافيش" هي واحدة من أهم روايات الأديب العالمي نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل في الأدب. نُشرت الرواية لأول مرة عام 1977، وتُعد من الأعمال التي تمثل ذروة النضج الفني والفكري لمحفوظ، حيث يجسد فيها الصراع الأزلي بين الخير والشر، العدالة والظلم، الإنسان ومصيره، من خلال حكايات أجيال متعددة تنتمي إلى سلالة واحدة في حي شعبي غير محدد الاسم في القاهرة.

تتناول الرواية حكاية عاشور الناجي وأحفاده، الذين يمثلون رموزًا للصراع مع السلطة، والقدر، والانحراف، والنقاء. تحمل الرواية طابعًا صوفيًا وفلسفيًا عميقًا، وهي في ذات الوقت تقدم نقدًا اجتماعيًا لاذعًا للمجتمع المصري، وخاصة للطبقة المهمشة التي تنتمي إليها "الحرافيش".

المعنى والدلالة: كلمة "الحرافيش" تشير إلى عامة الناس، المهمشين، أو الطبقة الدنيا في المجتمع، وهي مشتقة من الفصحى "الحرفيش" وتعني الفقير الذي لا حيلة له. استخدم محفوظ هذه الكلمة عنوانًا للرواية ليجسد معاناة هذه الطبقة وصراعها المستمر من أجل العدل والكرامة.

البنية السردية: الرواية تتكون من عشرة فصول تُعرف بـ"الأسلاف"، وكل فصل يمثل جيلًا جديدًا من نسل عاشور الناجي. وكل "سلف" يحمل طابعًا خاصًا وسمات مختلفة، لكنه يعود في النهاية إلى جذر واحد هو عاشور، النموذج الأصلي للبطولة، الشجاعة، والتقوى. تُبنى الرواية كأنها دائرة تتكرر فيها الأخطاء، وتتنوع فيها الاستجابات للمصير.

الملخص المفصل:

  1. عاشور الناجي: يبدأ السرد بعاشور الناجي، البطل الأول ومؤسس السلالة. عاشور شاب قوي وشجاع، لكنه من الحرافيش. يتزوج من فتاة تُدعى حسناء، ويصعد تدريجيًا إلى أن يصبح "الفَتْوَى"، أي زعيم الحارة. لكنه بعد أن يحقق العدل والاستقرار في الحارة، يختفي فجأة دون تفسير. هذا الغياب يفتح الباب لظهور أبنائه وأحفاده الذين سيحاولون استعادة إرثه.

  2. شمس الدين: ابن عاشور، شمس الدين، رجل ضعيف الشخصية، لا يشبه والده. يضيع إرث عاشور في يديه، ويعود الظلم إلى الحارة. شمس الدين يمثل النقيض لأبيه، حيث تغلب عليه الأنانية والعجز.

  3. رفعت الناجي: أحد الأحفاد الذي يحاول استعادة إرث الجد. شخصية صوفية، يقترب من الروحانية أكثر من القوة الجسدية. يحاول أن يحكم الحارة بالعدل لكن تنقصه الحنكة السياسية، فيُغدر به.

  4. رضا الناجي: حفيد آخر يتسم بالشجاعة والكرم، ينجح في أن يصبح الفتوة لفترة، ويعيد بعضًا من مجد عاشور، لكنه يُقتل نتيجة خيانة. يموت تاركًا ذكرى طيبة.

  5. سليمان الناجي: شاب مثقف، يعارض فكرة العنف والفتونة، يحاول أن ينشر الوعي والمعرفة بدلاً من القوة، لكن الحارة لا تستجيب، ويُقضى عليه بسهولة. يطرح محفوظ من خلاله فكرة فشل التغيير السلمي في مجتمع غارق في الجهل.

  6. عزيز الناجي: عزيز يمثل الشخصية الانتهازية، يحاول أن يصل إلى الفتونة بأي وسيلة، حتى لو بالخداع والخيانة. ينجح في البداية، لكنه يسقط في النهاية عندما تنقلب عليه الحارة.

  7. ياسين الناجي: ياسين هو الشخصية التي تعيش في دوامة الصراع بين الخير والشر في داخله. يكون فتوة عادلًا في البداية، ثم يفسده الطموح والسلطة. يقتله أحد الحرافيش في النهاية، في إشارة إلى أن الشعب هو من يطيح بالظالم.

  8. كريم الناجي: يتمتع كريم بحس عدالة عالٍ، ويتسم بالتقوى، يحاول تطبيق العدالة الإلهية على الأرض. يُخذل في النهاية، حيث لا تقبل الحارة النقاء الكامل. يمثل مثالًا للقديس الذي لا مكان له في عالم الفساد.

  9. عباس الناجي: عباس شخصية مأساوية، يمثل الحفيد الذي يهرب من مواجهة الواقع، يغرق في المتع واللهو، حتى يُقتل بشكل عبثي. يجسد شخصية الإنسان الذي لا يتحمل العبء الأخلاقي والروحي لإرث عظيم.

  10. عاشور الجديد: النسخة الأخيرة من الجد المؤسس. يظهر شابًا غامضًا، يشبه عاشور الأول في القوة، العدل، والكاريزما. يتمكن من استعادة الفتونة من جديد، في إشارة إلى ديمومة الأمل، وتجدد النموذج. لكن الرواية تترك نهايته مفتوحة، مما يعكس الشك في إمكانية استمرار العدالة في عالم فاسد.

الثيمات الأساسية:

  • صراع الخير والشر: يظهر في كل جيل من أحفاد عاشور.

  • العدالة: عبر حلم دائم باستعادتها في الحارة.

  • السلطة والفساد: علاقة متكررة في الرواية، حيث السلطة تفسد حتى أحسن الناس.

  • المثالية والواقعية: الفرق بين الحلم المجرد والواقع القاسي.

  • الدين والتصوف: خاصة في شخصيات مثل رفعت وكريم.

  • الحتمية والدائرة الزمنية: يتكرر التاريخ كما لو كان لعنة وراثية.

اللغة والأسلوب: نجيب محفوظ يستخدم لغة سردية قوية، مزج فيها بين العامية المصرية والفصحى، وجاءت الحوارات طبيعية ومعبرة عن البيئة الشعبية. 

الوصف دقيق، خاصة في تصوير الحارة وأجوائها.

الرمزية: كل شخصية تمثل نموذجًا إنسانيًا معينًا، وكل فتوة هو انعكاس لمرحلة من مراحل الصراع الإنساني:

  • عاشور: الأمل المؤسس

  • ياسين: الفساد المتدرج

  • كريم: النقاء النادر

  • عزيز: الانتهازية السياسية

  • سليمان: المثقف المهزوم

 رواية "الحرافيش" ليست فقط حكاية أجيال بل تأريخ للحلم الإنساني بالعدالة، ومرآة لفساد السلطة وتبدد النقاء. يطرح محفوظ عبرها أسئلة وجودية عميقة: هل يمكن للخير أن يستمر؟ هل يولد العدل من داخل الإنسان؟ أم أن المجتمع يحطم كل محاولة صادقة؟

"الحرافيش" عمل روحي وفكري في آن، يختلط فيه الحزن بالجمال، والعبث بالأمل، ويظل من أعظم ما كتب في الأدب العربي الحديث

إرسال تعليق

0 تعليقات