مدرسة الأزواج

 


"مدرسة الأزواج" لطه حسين


 ____________________

يُعد كتاب "مدرسة الأزواج" للدكتور طه حسين أحد الأعمال الأدبية التي تنتمي إلى عالم السرد القصصي الرمزي، وتحمل بين سطورها نقدًا اجتماعيًا عميقًا، وقدرة أدبية على كشف أزمات المجتمع المصري في النصف الأول من القرن العشرين، لا سيّما ما يتصل بعلاقات الزوج والزوجة، الرجل والمرأة، والعقل والتقليد.

طه حسين، الذي عُرف بكونه عميد الأدب العربي ومفكرًا تنويريًا بارزًا، يقدم لنا في هذا العمل نصًا قصصيًا يمزج بين الفكاهة والرمزية والنقد الاجتماعي.
"مدرسة الأزواج" ليست فقط قصة مسلية، بل مرآة ساخرة للمجتمع التقليدي، ودعوة ضمنية إلى التحرر العقلي، وإعادة النظر في العلاقات الأسرية التي تشكّلت وفق أنماط فكرية جامدة.


 محتوى الكتاب: قصة رمزية في صورة محاكمة

تدور أحداث "مدرسة الأزواج" حول قصة طريفة، تتعلق بشخصية محورية تُدعى الحاج متولي، وهو نموذج تقليدي للرجل الشرقي المحافظ، الذي يقرر أن "يُعلّم" الأزواج كيفية التعامل مع زوجاتهم في مدرسة يُطلق عليها "مدرسة الأزواج".
يتصوّر الحاج متولي نفسه معلّمًا للأزواج، وحارسًا على القيم، ونموذجًا يحتذى في الحكمة والتدبير الأسري.

لكن المفارقة الساخرة أن هذه المدرسة تصبح موضع نقد ساخر من طه حسين، حيث يُفكك خلالها أنماط الذكورة السلطوية، والنظرة الدونية للمرأة، والفكر الأبوي المتحجّر.

القصة تتصاعد حتى تُقدَّم محاكمة رمزية للحاج متولي، تتحول إلى محاكمة لأفكاره، لقيمه، وللمجتمع الذي يُبرر هذه القيم باسم الدين أو العرف أو التقاليد.


 البناء السردي: المسرحة الرمزية

طه حسين يختار في هذا العمل أسلوبًا مسرحيًا وسرديًا هجينًا، يجعل القارئ وكأنه يشاهد مشهدًا تمثيليًا يدور في محكمة خيالية أو مسرح ساخر، حيث تُعرض الأفكار لا فقط من خلال الحوار، بل من خلال التهكم والرمز والتكرار.

هذا البناء الذكي يسمح له بأن:

  • ينتقد من دون صدام مباشر مع السلطة الدينية أو السياسية.

  • يسخر دون إسفاف.

  • يحاور القارئ ويشركه في الحكم على الشخصيات.

القصة تمضي في قالب ظاهره الترفيه، وباطنه نقد اجتماعي ساخر لاذع.


الشخصيات: نماذج حية لواقع مريض

الحاج متولي:

هو بطل القصة ونموذج للزوج المتسلط الذي يرى المرأة مجرد تابع لا رأي لها، ويمارس دور القاضي والمعلم على الأزواج الآخرين. يمثل العقلية الذكورية الموروثة التي تعتقد أن قوامة الرجل تبرّر الاستبداد.

الزوجات:

يمثلن الجانب المقموع في العلاقة، وهن شخصيات لا تُمنح صوتًا مباشرًا، مما يُعبّر عن واقع التهميش الاجتماعي للمرأة، ويشير إلى كيف أن المرأة كانت غالبًا تُعامل كطفل أو كائن ناقص الأهلية.

الأزواج التلاميذ:

يُظهرهم طه حسين كضحايا أيضًا، إذ إنهم يخضعون لمعايير مجتمعية تمارس عليهم الضغط وتمنعهم من إقامة علاقات إنسانية متوازنة.

كل هذه الشخصيات تخدم رؤية الكاتب: أن الخلل في العلاقات الأسرية ناتج عن منظومة فكرية بأكملها، لا عن أفراد بعينهم.


 الرسائل الفكرية في النص

1. نقد القوامة الاستبدادية

طه حسين لا يعارض فكرة القوامة الشرعية، بل يُهاجم التحريف المجتمعي لها، حين تتحول إلى تسلط وهيمنة وظلم.
"مدرسة الأزواج" تفضح كيف أن هذه المفاهيم أُفرغت من مضمونها الأخلاقي والديني، وصارت مجرد آلية لفرض سلطة الرجل.

2. الدعوة إلى التفاهم والمشاركة

النص يدعو إلى علاقة تقوم على الشراكة لا السيطرة، والحوار لا الأوامر، ويُبرز أهمية أن يكون الزواج مؤسسة عقلانية تقوم على التفاهم والاحترام المتبادل.

3. فضح التقاليد البالية

طه حسين يفضح كيف أن بعض العادات والتقاليد تُستخدم لتبرير الظلم، وتُكرّس أنماطًا من التفكير تُعيد إنتاج الظلم جيلاً بعد جيل.

4. إدخال التنوير إلى البيت

كما دعا طه حسين إلى تنوير الفكر العربي عبر التعليم والحرية في الجامعة والمجتمع، يدعو هنا إلى تنوير العلاقات الأسرية، باعتبار أن البيت هو النواة الأولى لأي نهضة اجتماعية.


 الأسلوب: سخرية راقية ومفارقة فكرية

تميز أسلوب "مدرسة الأزواج" بالسخرية الهادئة التي لا تُضحك بقدر ما تُوقظ.
يستخدم طه حسين:

  • المفارقة: كأن يجعل المتسلط يُقدّم نفسه على أنه مصلح.

  • التكرار المتعمّد في العبارات ليُظهر ضيق الأفق لدى الشخصيات.

  • الحوار البسيط العميق: يجمع بين لغة الحياة اليومية والفكر المجرد.

  • الرمز: فالحاج متولي ليس شخصًا، بل نموذجًا يُمثّل مجتمعًا بكامله.

كل ذلك يُعطي للنص طابعًا أقرب إلى المسرحية الذهنية، التي تُضحك العقل وتحفّز النقد.


 السياق الزمني للكتاب

نُشرت هذه القصة في النصف الأول من القرن العشرين، وهي مرحلة:

  • شهدت تحوّلات اجتماعية كبيرة بعد ثورة 1919.

  • بدأت فيها المرأة المصرية تنال بعض حقوقها.

  • ظهرت أصوات نسوية مثل هدى شعراوي وسيزا نبراوي.

  • كان المجتمع المصري يعيش صراعًا بين الحداثة والتقليد.

طه حسين، من موقعه التنويري، أراد أن يُساهم في تسليط الضوء على الصراع داخل الأسرة نفسها، لا فقط في السياسة أو الجامعة، لأنه أدرك أن التغيير الحقيقي يبدأ من البيت.


 الأهمية الفكرية للكتاب

"مدرسة الأزواج" ليست فقط قصة اجتماعية بل عمل:

  • يُرسّخ الفكر الإصلاحي التنويري في الحياة اليومية.

  • يُعالج القضايا الأسرية بلغة ثقافية غير مباشرة.

  • يُحفّز القارئ على مراجعة ذاته ومفاهيمه حول العلاقة بالمرأة.

  • يُقدّم نموذجًا لكتابة أدبية مسؤولة فكريًا.

طه حسين استخدم أدوات الفن الأدبي لخدمة مشروعه الفكري، فمزج بين الرسالة والإمتاع، وهو ما يجعل هذا العمل صالحًا للقراءة والتحليل حتى اليوم.


  مدرسة الأزواج... دعوة لإعادة التعليم لا التلقين

"مدرسة الأزواج" هي في جوهرها دعوة إلى إنشاء مدرسة جديدة للعلاقات الأسرية، لا تعتمد على الحفظ والتلقين، بل على إعادة التفكير، والحوار، واحترام الآخر.

طه حسين لم يكن يهاجم الأزواج ولا يناصر الزوجات عاطفيًا، بل كان يناصر الإنسان، ويدعو إلى أنسنة العلاقة الزوجية في مجتمع كان لا يزال أسيرًا لأطر جامدة لا تعترف إلا بالقوة.

الكتاب هو تذكرة أدبية وفكرية بأن الزواج ليس ساحة سيطرة، بل فضاء شراكة، وأن البيت الذي يُبنى على الاستبداد لن ينجب إلا أجيالًا خانعة أو متمردة.



أقرأ أيضاَ

ملخصات كل أعمال الاديب والمفكر طة حسين

إرسال تعليق

0 تعليقات