Economix: How and Why Our Economy Works (and Doesn't Work)
تقديم: في عالم تتحكم فيه الاقتصاديات بمصير الأمم والأفراد، يبرز كتاب "Economix: How and Why Our Economy Works (and Doesn't Work)" كعمل فريد من نوعه يجمع بين عمق التحليل وسهولة العرض.
هذه خلاصة مكثفة لأفكار هذا العمل الثوري الذي حوّل "العلم الكئيب" - كما يوصف الاقتصاد غالباً - إلى قصة مرئية شائقة يمكن للقارئ العادي فهمها والاستمتاع بها.
لمحة عامة
"Economix" هو كتاب ثوري من تأليف مايكل غودوين ورسومات دان إي. بور، صدر عام 2012 عن دار "أبرامز كوميكآرتس"، وتميز بجمعهِ بين العمق التحليلي والتعبير البصري الجذاب.
يحاول الكتاب الإجابة على سؤال مركزي: كيف يمكن للعامة فهم الاقتصاد في عالم يسيطر عليه الخبراء والمصطلحات المعقدة؟
الكتاب يقدم رحلة تاريخية شاملة تبدأ من آدم سميث في القرن الثامن عشر وتصل حتى حركة احتلوا وول ستريت في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، مع تركيز خاص على الاقتصاد الأمريكي كنموذج لأي اقتصاد يهيمن عليه الفكر الرأسمالي .
ما يميز "Economix" هو اعتماده على الصورة والرسوم التوضيحية كأداة أساسية لشرح المفاهيم المعقدة، حيث يوفر الرسام دان بور رؤية بصرية تبسط الأفكار الاقتصادية الصعبة، غالباً من خلال الفكاهة والكاريكاتير .
لقد حقق الكتاب نجاحاً لافتاً، حيث أصبح من الكتب الأكثر مبيعاً حسب قائمة نيويورك تايمز، وحظي بإشادة نقاد ومتخصصين مرموقين .
الخلفية الفكرية والمنهجية
دوافع التأليف والجمهور المستهدف
كشف مايكل غودوين في إحدى المقابلات أن الدافع الأساسي وراء تأليف الكتاب كان اهتمامه العميق بالتاريخ، الذي لاحظ أنه يعيد باستمرار الأنماط الاقتصادية نفسها.
وعندما حاول فهم هذه الأنماط، وجد أن الكتب الاقتصادية التقليدية إما تهمل الجوانب التي تهمه أو تقدمها بدون سياق كافٍ .
الجمهور المستهدف بالكتاب هم غير المتخصصين في الاقتصاد، أولئك الذين يشعرون بالخوف أو الملل من المصطلحات الاقتصادية المعقدة.
اختار غودوين شكل القصص المصورة لأنه "ببساطة أكثر سهولة في الوصول إليه وأكثر سهولة في التذكر" . وهذا يذكرنا بمقولة أرسطو: "الفن ليس مجرد تقليد للطبيعة، بل هو تحسين لها".
المنهجية والتأثيرات
تأثر غودوين بشكل واضح بأعمال لاري غونيك وسكوت مكلود في استخدام الصورة لشرح المفاهيم المعقدة. كما استلهم من غاي ديلايل وجو ساكو وهارفي بيكار .
لكن غودوين أضاف لمسة خاصة تمثلت في تقديم نفسه كراوٍ داخل القصة، بهدف التأكيد على أن الكتاب يعبر عن وجهة نظره الشخصية وليس ادعاءً للموضوعية المطلقة .
أما من حيث المحتوى الفكري، فقد تأثر غودوين بعمق بـآدم سميث وجون كينيث غالبرايث وهنري جورج، الذي وصف قراءة كتبه كـ"متعة" بسبب أسلوبه الواضح والأخلاقي والحيوي .
من آدم سميث إلى الأزمة المالية
الأسس الأولى والاقتصاد الكلاسيكي
يخصص القسم الأول من الكتاب (حوالي الثلث الأول) لتطور الفكر الاقتصادي منذ عهد آدم سميث وحتى الكساد العظيم.
هنا يقدم غودوين إسهاماً مهماً يتمثل في تصحيح المفاهيم الخاطئة حول سميث، الذي غالباً ما يتم اختزاله في دفاعه عن السوق الحرة .
يكشف غودوين أن سميث كان يؤمن بضرورة التنظيم الحكومي لضمان المنافسة العادلة، ويدعم الأجور المرتفعة للعمال، وهي الجوانب التي يتجاهلها الكثير ممن يستشهدون بمبادئه .
هذا التحليل يتحدى القراءة السائدة لسميث ويظهر عمق وبصيرة غودوين التاريخية.
الكساد العظيم والصفقة الجديدة
يمثل الكساد العظيم منعطفاً حاسماً في سردية الكتاب، حيث يقدم غودوين تحليلاً متعمقاً للأزمة وبرامج الصفقة الجديدة (New Deal) التي قدمها روزفلت.
يتميز التحليل بالعمق والتفاصيل الدقيقة، مع تقديم الحقائق بطريقة تحافظ على تعقيدها دون أن تفقد قابلية الفهم .
ما بعد الحرب العالمية الثانية والعولمة
يتتبع الكتاب تطور الاقتصاد في فترة ما بعد الحرب، مع التركيز على صعود الشركات متعددة الجنسيات والعولمة الاقتصادية.
هنا يقدم غودوين نقداً لاذعاً لوسائل الإعلام في هذه الفترة، التي يصفها بأنها أصبحت "كبيرة ومملة" وناطقة بلسان المصالح الشركات .
الأزمة المالية 2008 وما بعدها
يصل الكتاب إلى ذروته في تحليل الأزمة المالية العالمية عام 2008 وأسبابها الهيكلية.
يربط غودوين الأزمة بسياسات تحرير الأسواق المالية التي بدأت في الثمانينيات، والانزياح الضريبي من الأغنياء إلى الطبقة الوسطى والفقيرة، واتساع فجوة التفاوت في الدخل .
التحليل النقدي والرسائل الأساسية
نقد الرأسمالية غير المقيدة
الرسالة الأساسية التي يقدمها غودوين مبكراً في الكتاب هي أن الكثير من العقائد الاقتصادية نظرية في طبيعتها، وفي بعض الحالات تعتمد على نماذج معيبة.
كما يشير إلى أن المصالح المكتسبة تسعى لإقناعنا بأن مصالحها تتفق مع مصالحنا العامة، بينما في الواقع هناك تناقض جوهري .
التفاوت الاقتصادي والعدالة الاجتماعية
يقدم الكتاب تحليلاً مفصلاً لاتساع فجوة التفاوت الاقتصادي، مستشهداً بإحصائية صادمة: بينما كان متوسط دخل الرئيس التنفيذي للشركات في السبعينيات يعادل أربعين عاملاً عادياً
ارتفعت هذه النسبة إلى أكثر من خمسمائة عامل بحلول عام 2000. وخلال نفس الفترة، انخفضت الضرائب على كبار المديرين بينما زادت على العمال .
دور الدولة والقطاع العام
من خلال دراسة التاريخ الاقتصادي، يخلص غودوين إلى أن جميع الاقتصادات الناجحة تمتلك مستويات من الرقابة الحكومية، وهو ما يتناقض مع الادعاءات التي تروجها الشركات الكبرى . هذا الموقف يتوافق مع فكر جون كينيث غالبرايث، الاقتصادي المفضل لدى غودوين .
الجانب البصري والفني
التعاون بين المؤلف والرسام
كان التعاون بين غودوين وبور أساسياً لنجاح الكتاب.
تمت العملية بكتابة غودوين لنص مفصل يحتوي على النصوص ووصف ما يحدث في كل لوحة، ثم يقوم بور بتصميم التخطيطات وإرسال الرسومات الأولية، ليتم المراجعة والتعديل قبل التنفيذ النهائي .
أسلوب الرسوم والتوضيح
يتميز أسلوب بور بالفكاهة والوضوح، مع قدرة على تبسيط المفاهيم المعقدة من خلال الصور. فهو يرسم الشخصيات التاريخية برسومات كاريكاتورية تعبر عن شخصياتهم، ويبتكر رموزاً بصرية مثل "العم سام" ذو الأكمام الملفوفة وهو يوزع الدولارات في كل اتجاه .
يلاحظ بعض النقاد أن الخلفيات في الرسومات بسيطة أكثر من اللازم في كثير من الأحيان، مما قد يترك مساحات فارغة على الصفحة .
لكن هذا ربما كان مقصوداً لتجنب تشتيت الانتباه عن المحتوى النصي المركز.
الاستقبال النقدي والتقييمات
ردود الفعل الإيجابية
حظي "Economix" بترحيب نقدي واسع، حيث أشادت به جهات مثل "واحد"، "بابليشرز ويكلي"، و"ماذر جونز" . وصفته "ميامي هيرالد" بأنه "مذهل وأنيق يتناول عدداً من القضايا المعقدة - في هذه الحالة الاقتصاد والتاريخ والتمويل - ويجعلها مفهومة للبشر العاديين" .
الكثير من المعلقين أشادوا بقدرة الكتاب على جعل الاقتصاد في متناول القارئ العادي دون التبسيط المفرط. كتب أحد المراجعين: "لقد أخذت فصلين دراسيين في الاقتصاد في الكلية وجعل Economix الموضوع أكثر قابلية للاستيعاب من أي منهما" .
الانتقادات والتحفظات
التقييمات لم تخلُ من بعض الانتقادات، أهمها الميل الأيديولوجي الواضح للكتاب. يعترف غودوين صراحة بأنه يتخذ موقفاً سياسياً، ويدافع عن ذلك بالقول إن كل الكتب الاقتصادية تعكس قيم مؤلفيها، لكنها عادة ما تخفي هذا الانحياز وراء ستار من الحياد المزيف .
بعض القراء المحافظين وجدوا هذا الانحياز مبالغاً فيه، واعتبروا أن غودوين يقدم آرائه الشخصية على أنها حقائق تاريخية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد المعاصر . لكن حتى النقاد الذين لاحظوا هذا التحيز أكدوا على قيمة الكتاب التعليمية.
قيمة الكتاب وأهميته
يقدم "Economix" رؤية قوية وغير مريحة في كثير من الأحيان، حيث يخلص إلى أن القارئ سيفهم "كيف تم خداعه لسنوات" . لكنه في نفس الوقت يمنح الأدوات الفكرية لفهم هذا النظام والمطالبة بتغييره.
قيمة الكتاب الأساسية تكمن في كونه أداة تمكين للقارئ العادي، حيث يزيل الغموض المتعمد الذي يحيط بالاقتصاد، ويكشف أن الكثير من "المعرفة المتخصصة" يمكن شرحها بسهولة إذا قدمت بشكل مناسب .
هذا الجهد يتوافق مع تقليد التنوير في جعل المعرفة في متناول الجميع، وهي فكرة كان إيمانويل كانط قد لخصها بقوله: "كن شجاعاً في استخدام عقلك".
اليوم، وبعد أكثر من عقد على نشر الكتاب، تظل رؤيته ذات صلة عميقة، خاصة في ظل استمرار وتعمق الأزمات الاقتصادية والتفاوت الاجتماعي.
"Economix" ليس مجرد كتاب عن الاقتصاد، بل هو دليل للمواطنة الواعية في عالم معقد، وشهادة على قوة الصورة في نقل الأفكار المجردة، وتذكير بأن الاقتصاد في النهاية هو قصة عن البشر وليس عن الأرقام
0 تعليقات