حوار حول العلمانية



 "حوار حول العلمانية" لفرج فودة


 صراع الفكر والهوية في مصر

المقدمة: السياق التاريخي وشخصية فرج فودة

وُلِد فرج فودة (1945–1992) في قرية الزرقا بمحافظة دمياط، وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس. تحول من الأكاديميا إلى العمل السياسي بعد اغتيال السادات وصعود التيارات الإسلامية . أسس "الجمعية المصرية للتنوير"، وشارك في تأسيس حزب الوفد، ثم استقال لرفضه تحالفه مع الإخوان المسلمين عام 1984 . اغتيل عام 1992 أمام مكتبه بعد فتوى تكفير أصدرتها "جبهة علماء الأزهر" . كتاب "حوار حول العلمانية" (1987) يُعدّ مرجعًا أساسيًا في نقاش علاقة الدين بالدولة، ويقدم رؤية نقدية جريئة ضد الدولة الدينية.


الفصل الأول: تفكيك فكرة الدولة الدينية

1. نقد تطبيق الشريعة كحل سحري:

  • يرفض فودة الادعاء بأن تطبيق الشريعة سيحل مشاكل مصر فورًا (كالفقر والبطالة). يستشهد بتجربة الخلافة الراشدة، خاصة خلافة عثمان بن عفان، حيث طُبقت الشريعة لكنها انتهت بفتنة واغتيال الخليفة على يد مسلمين، مما يدل على أن التطبيق الشكلي لا يضمن العدالة .

  • يسأل: "كيف ترتفع الأجور أو تُحل أزمة الإسكان بمجرد تطبيق الحدود؟" .

2. الخلافة: أسطورة تاريخية أم نموذج قابل للتطبيق؟:

  • في كتابه "الحقيقة الغائبة" (الذي يُكمل حوارات هذا الكتاب)، يحلل تاريخ الخلافة ويظهر تناقضاتها:

    • الخلفاء الراشدون اختيروا بطرق مختلفة (شورى غير واضحة، وصاية، وصراع دموي).

    • نظام الوراثة الأموي نقض مبدأ الشورى، وشرط "القُرشية" في الحاكم كان تبريرًا سياسيًا لاحتكار السلطة .

3. الإسلاميون والبرامج السياسية الغائبة:

  • ينتقد غياب البرامج السياسية الواقعية لدى التيارات الإسلامية، واستبدالها بشعارات مثل "الإسلام هو الحل". يشير إلى تناقضهم مع الديمقراطية حين يعارضون تعدد الأحزاب، رغم تمسكهم بنصوص دستورية مثل "الشريعة مصدر التشريع" .


الفصل الثاني: العلمانية في منظور فودة: فصل الدين عن الدولة لا عن المجتمع

1. التعريف والمرتكزات:

  • يوضح فودة أن العلمانية ليست إلحادًا، بل فصلًا لمؤسسات الدولة عن الهيمنة الدينية، مع احترام الدين كشأن شخصي. يستشهد بنموذج الدول العربية التي تطبق قوانين مدنية (كتونس والمغرب) وتتفوق في مؤشرات التنمية مقارنة بمن تتبنى شريعةً .

2. التمييز بين الشريعة والشرعية:

  • الشريعة: أحكام إلهية ثابتة.

  • الشرعية: قوانين بشرية قابلة للتعديل بناءً على إرادة الشعب.

  • يحذر من حكم "لاهوتي" يفرض تفسيرًا واحدًا للشريعة، ويؤكد أن الشرعية الدستورية هي الضامن لحقوق المواطنين .

3. الديمقراطية كأساس للحكم:

  • يرى أن الديمقراطية لا تتعارض مع الإسلام، مستندًا إلى مفكرين مثل خالد محمد خالد الذي أكد توافق الشورى مع الديمقراطية. ينتقد رفض الإسلاميين لفكرة المحاسبة الشعبية للحاكم .


الفصل الثالث: معارك فودة الفكرية والجدل حول الدين

1. الصدام مع الشيخ صلاح أبو إسماعيل:

  • في كتابه "قبل السقوط"، هاجم فودة أبو إسماعيل (نائب برلماني إسلامي) واتهمه باستغلال الدين سياسيًا. رد الشيخ باتهام فودة بـ"الدعوة للإباحية"، وسأله: "هل ترضى أن تطبق أفكارك على ابنتك؟" .

  • فودة أوضح أن نقده موجه لـ"الاستغلال السياسي للدين" وليس الدين نفسه .

2. مناظرة معرض القاهرة الدولي للكتاب (1992):

  • واجه فودة في هذه المناظرة الشهيرة محمد الغزالي ومحمد عمارة ومأمون الهضيبي. دار النقاش حول:

    • شرعية الدولة العلمانية في الإسلام.

    • حدود حرية الرأي في نقض التراث الفقهي.

    • اتهمه خصومه بـ"تمييع الهوية الإسلامية"، بينما دافع عن حق المجتمع في اختيار نظامه .

3. اتهامات التكفير والرد عليها:

  • أصدرت "جبهة علماء الأزهر" بيانًا عام 1992 بكفره، مستندة إلى كتاباته التي تدعو لفصل الدين عن السياسة. رد فودة:

    "أنا لست ضد الدين، بل ضد من يوظفونه لقمع الحريات" .

  • أكد أن نقده للتراث الفقهي (مثل حد الردة وتعدد الزوجات) مبني على مراعاة حقوق الإنسان .


الفصل الرابع: العلمانية والهوية المصرية

1. المجتمع المصري: الأقرب للإسلام أم للأديان؟:

  • يرفض فودة وصف المجتمع المصري بـ"الجاهلي"، ويذكر أن مصر احتضنت الأديان منذ الفرعونية، وتميزت بتدين شعبي (كاحتفالات رمضان) لا يتناقض مع مدنية الدولة .

2. الخوف من تفتيت الهوية:

  • يجيب على منتقديه بأن العلمانية تحمي الهوية من الاستقطاب الطائفي. يشير إلى أن الأزهر نفسه مؤسسة مدنية أنشأها الدولة الفاطمية، وليست جزءًا من النظام الثيوقراطي .

3. الدستور المدني كحل وسط:

  • يقترح دستورًا يجمع بين:

    • احترام القيم الإسلامية.

    • ضمانات ديمقراطية (تداول السلطة، المساواة، محاربة الاستبداد).

    • يؤكد أن هذا النموذج يحقق "جوهر الإسلام" أكثر من النصوص الشكلية .


الفصل الخامس: اغتيال فودة وإرثه الفكري

1. الاغتيال والسياق السياسي:

  • في 8 يونيو 1992، أطلقت جماعة إسلامية الرصاص على فودة أمام "الجمعية المصرية للتنوير" بمدينة نصر. كانت الجريمة تتويجًا لـ"فتوى التكفير" التي أذاعتها جبهة الأزهر .

  • قاتله (محمد عبد الله سليم) انضم لاحقًا لتنظيم "داعش" في سوريا وقُتل هناك .

2. فودة شهيدًا للتنوير:

  • تحولت صورته لرمز لمناهضة التطرف. يُذكر أنه كتب قبل اغتياله:

    "السائرون خلفًا... المتحدثون خرفًا... ولا يغني عن ذلك حوار أو كلام. وإلا فقل على مصر السلام" .

  • تُرجمت كتبه لعدة لغات، وأصبحت مراجع في دراسات العلمانية بالعالم العربي.

3. استمرار الجدل حول أفكاره:

  • بعد ثورة 2011، عادت شعارات "الدولة الدينية" بقوة، مما أعاد الاهتمام بكتاباته. يُناقش اليوم:

    • هل كانت تحذيراته من "أسلمة الدولة" نبوءة؟

    • هل يمكن التوفيق بين الشريعة والديمقراطية؟ .


الخاتمة: كتاب "حوار حول العلمانية" في سياقه المعاصر

يظل هذا الكتاب مرآة لأزمة الهوية في مصر، حيث يجمع بين:

  • الجرأة الفكرية: تفكيكه لأسطورة الخلافة والدولة الدينية.

  • الواقعية: اقتراحه نموذجًا لدولة مدنية تحترم الدين دون احتكاره.

  • الاستشراف: تحذيره من أن رفض العلمانية سيؤدي لصراعات طائفية (كما حدث لاحقًا).

"مصر لن تتقدم بمجرد إطالة اللحى وحلق الشوارب... والتركيز على قشور الدين وترك جوهره" .

رغم مرور ٣٨ عامًا على صدوره، لا يزال الكتاب إطارًا لفهم الصراع بين تيارين:

  • تيار الهوية: يرى في الدين أساسًا للدولة.

  • تيار المواطنة: يفصل بين السلطة السياسية والدينية.
    وتبقى إجابة فودة: لا تناقض بين الانتماء للإسلام وبناء دولة مدنية تحمي حرية المعتقد.


جدول يلخص أبرز أفكار الكتاب:

المحور الرئيسينقد فودةالحل البديل المقترح
الدولة الدينيةتاريخ الخلافة مليء بالصراعات والتناقضاتفصل الدين عن مؤسسات الحكم
تطبيق الشريعةلا يحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعيةقوانين مدنية تستند للمصلحة العامة
الخطاب الإسلامييركز على المظاهر ويغيب البرامج السياسيةحوار ديمقراطي مع التيارات الإسلامية
العلمانيةليست عدوة للدين بل ضمانة لحريتهدولة تحمي الدين دون تسييسه

 

إرسال تعليق

0 تعليقات