مستقبل الفلسفة في الوطن العربي لأبي يعرب المرزوقي

 

 "مستقبل الفلسفة في الوطن العربي" لأبي يعرب المرزوقي

 السياق التاريخي والرهانات الحضارية

يعالج أبو يعرب المرزوقي في مشروعه الفكري أزمة الفلسفة العربية في سياق التحديات الحضارية التي تواجه العالم العربي. يرى أن هذه الأزمة ليست فكرية فحسب، بل هي انعكاس لتراجع المشروع النهضوي العربي برمته، حيث ارتهنت الفلسفة لصراعات سياسية وإيديولوجية أفقدتها دورها التنويري.

 يشير المرزوقي إلى أن البلاد العربية تشكل "استثناءً في القرن الحادي والعشرين" بسبب غياب الديمقراطية وتهميش دور المفكرين الحقيقيين، بينما تحررت الشعوب الأخرى من الاستبداد .


 تشخيص الأزمة الفلسفية العربية

1. اغتراب الفلسفة عن وظيفتها النقدية

  • هيمنة النخب الطَّبالة: ينتقد المرزوقي تحول معظم المفكرين العرب إلى أدوات تبرير للأنظمة السياسية، حيث يُوظَّفون كـ"طبالين" بدلاً من كونهم نقاداً للواقع. وهذا أفقد الفلسفة دورها في تشخيص الأزمات المجتمعية .

  • القمع المنهجي: تعاني الفلسفة العربية من ملاحقة الأنظمة للمفكرين الأحرار، كما حدث مع المرزوقي نفسه عندما حوكم عسكرياً عام 2022 بسبب آرائه .

  • التبعية الفكرية: هيمنة المدارس الغربية (الفرنسية في المغرب، الإنجليزية في المشرق) أدت إلى استهلاك الفلسفة بدلاً من إنتاجها، مما أفقدها أصالتها .

2. انفصال الفلسفة عن الدين: إشكالية تاريخية

يؤكد المرزوقي أن الصراع التاريخي بين الفلسفة والدين في التراث العربي كان نتاج سوء فهم. فالفلسفة ليست بديلاً عن الدين، بل هما:

  • يسعيان لغاية واحدة: تحقيق القيم العليا (الخير، الجمال، العدل).

  • يختلفان في المنهج: الدين يعتمد الوحي، والفلسفة تعتمد العقل النقدي.
    ويشير إلى أن عمالقة الفكر الإسلامي كالغزالي وابن خلدون جسّدوا تكاملاً بين المنهجين .

جدول: تطور العلاقة بين الفلسفة والدين في الفكر العربي حسب المرزوقي

المرحلةالسماتنماذج
الصراععداء المؤسسة الدينية للفلسفةالمعتزلة vs الأشاعرة
التكامل الخلاقتوظيف المنطق الفلسفي في علوم الدينالغزالي، ابن رشد
الانفصالفصل الحداثة العربية عن الدينالنخب العلمانية
المصالحةالعودة إلى الجوهر المشتركمشروع المرزوقي نفسه

مرتكزات الإصلاح الفلسفي

1. مفهوم "الكلي" كمدخل للتجديد

يعد "الكلي" (الجامع/المطلق) حجر الزاوية في مشروع المرزوقي، حيث يحلله عبر مرحلتين:

  • في الفلسفة اليونانية: الكلي جوهر ثابت (مثل أفكار أفلاطون أو الماهية الأرسطية).

  • في الفلسفة العربية-الإسلامية: تحول الكلي إلى أداة منهجية إجرائية، خاصة عند الغزالي الذي رفض السببية الحتمية، مؤكداً أن العقل لا يحيط بالوجود إلا بقدر ما شاء الله .

هذا التحول يجعل الكلي:

  • أداةً ديناميكية لفهم الظواهر دون جمود.

  • جسراً بين العقل والوحي: فالنصوص الدينية (كآية "وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً") تذكر بحدود العقل .

2. الفعل المؤسس: نحو فلسفة تطبيقية

يقدم المرزوقي مفهوم "الفعل المؤسس" كبديل عن "الفعل الثوري" التقليدي، وهو يرتكز على:

  • الاستئناف الحضاري: استعادة دور الأمة الريادي عبر مشاريع طويلة المدى.

  • الاستخلاف منهجاً: تجسيد مفهوم الخلافة كمسؤولية حضارية .
    ويتمثل هذا في إعادة بناء مؤسسات مستقلة (التعليم، الأوقاف) تحمي المجتمع من هيمنة الدولة .


الفلسفة والواقع العربي الراهن

1. تحديات العولمة والحداثة

يحذِّر المرزوقي من:

  • الحداثة الزائفة: تبني قشور الحداثة الغربية (كالاستهلاكية) دون جوهرها النقدي.

  • نقد الحداثة الغربية: يذكر أن الغرب نفسه يعيد اكتشاف الروحانيات ويُصلح أزماته البيئية والأخلاقية، بينما لا تزال النخب العربية "تصارع طواحين الهواء" في معارك القرون الوسطى .

2. التعليم كمدخل للنهضة

يرى أن إصلاح التعليم هو شرط لإحياء الفلسفة عبر:

  • استقلالية التعليم: تحريره من هيمنة الدولة، كما كان في نظام الأوقاف الإسلامي التقليدي.

  • دمج المنظور الفلسفي: جعل العقل النقدي أساساً للمناهج بدلاً من التلقين .


 رؤية للمستقبل: شروط النهضة

1. إعادة تعريف دور المفكر

  • المفكر "الحُجَّة": ليس ناقداً فحسب، بل صانعاً لأدوات التغيير.

  • التضحية بالأنا: قبول دفع ثمن الحرية، كما يقول: "السجن هو الثمن الذي يدفعه المفكر الذي يقدِّم مبادئه على منافعه" .

2. الوحدة والسيادة

يشترط لنهضة الفلسفة:

  • التحرر من التبعية الاقتصادية: "أن يكون الشعب قادراً على إعالة نفسه" بدلاً من استيراد 90% من غذائه .

  • تكوين كيانات كبرى: وحدة عربية قادرة على حماية السيادة الفكرية والسياسية .

3. حوار مع التراث والغرب

  • استئناف التراث: لا استعادة الماضي، بل تفعيل مناهجه (كمنطق ابن رشد).

  • نقد العقلانية الغربية: عبر تبني "العقلانية النقدية" (بوبر، آبل) ورفض الوثوقية .


 الفلسفة كـ"أزمة دائمة"

يختتم المرزوقي برؤية مفادها أن الفلسفة ليست حلاً، بل هي:

  • "أزمة دائمة": جهد متواصل لمعالجة تناقضات الوجود .

  • "علاج للوجود": كما يقول: "الفلسفة تحاول فهم التناقض بين التصور المثالي والواقع الفعلي" .
    ومستقبلها في الوطن العربي مرهون بقدرتها على:

  1. تحرير العقل من الاستبداد السياسي والديني.

  2. بناء مشروع حضاري يعيد للإنسان العربي كرامته.

  3. استعادة دور "الكلي" كجسر بين الوحي والعقل.


 الإسهامات والانتقادات

الإسهامات الجوهرية

  • مصالحة الدين والفلسفة: عبر تفكيك الثنائيات الزائفة.

  • نقد الدولة الشمولية: وكشف هيمنتها على المجتمع المدني.

  • ربط النهضة بالسيادة: الاقتصادية والفكرية معاً.

التحديات المطروحة

  • إشكالية التطبيق: كيف تتحول أفكاره إلى برامج عملية؟

  • اللغة المعقدة: قد تُصعِّب انتشار أفكاره خارج النخبة.


 أهم كتب المرزوقي المتعلقة بالموضوع

  1. تجليات الفلسفة العربية: منطق تاريخها من خلال منزلة الكلي .

  2. شروط نهضة العرب والمسلمين .

  3. ترجمته لـ"موجز راهن الإشكاليات الفلسفية" (نقد العقلانية الغربية) .

يظل أبو يعرب المرزوقي أحد أبرز المجتهدين في تشريح علل الفكر العربي وتقديم مقترحات جذرية لإخراجه من أزمته التاريخية، مؤمناً بأن "الشرط الوحيد لاستثناء العرب من القرن الحادي والعشرين هو تحرير إرادتهم

إرسال تعليق

0 تعليقات