"عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم" لإدوارد وليام لين
المؤلِّف والكتاب
وُلد إدوارد وليام لين (1801–1876) في بريطانيا، وكرَّس حياته لدراسة الشرق العربي. زار مصر ثلاث مرات (1825–1828، 1833–1835، 1842–1847)، واتخذ اسم "منصور أفندي" وارتدى الزي المصري، بل واعتنق الإسلام وتزوج من مصرية ذات أصول يونانية تدعى "نفيسة".
يُعد كتابه "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم" (نُشر عام 1836) وثيقة أنثروبولوجية فريدة عن مصر في عصر محمد علي، جمع فيها مشاهدات مباشرة خلال إقامته بين 1833–1835.
نَفدت الطبعة الأولى في أسبوعين، وطُبعت منه 5 طبعات في حياته، مما يشير إلى تأثيره العميق في الغرب.
العين المشاركة لا المتفرجة
تميَّز لين عن غيره من المستشرقين باندماجه في المجتمع المصري:
المشاركة الدقيقة: صلى في المساجد، وصام رمضان، وتناول الطعام باليد وفق العادات المحلية، وتجنب استخدام الشوكة والسكين.
الوصول إلى العالم النسائي: استعان بأخته "صوفيا" لوصف حياة النساء في الحريم، وهو مجال كان مغلقًا أمام الرجال الأجانب.
التوثيق المرئي: رسم بنفسه 93 لوحة توضيحية للملابس والمباني والأدوات اليومية، مما أعطى مصداقية لملاحظاته.
الطبقات والعادات
1. المسكن والعمارة
وصف لين البيوت المصرية بتفاصيل دقيقة:
بيوت الأغنياء: تتكون من فناء مركزي (صحن) تحيطه الغرف، مع مشربيات تسمح للنساء بمشاهدة الشارع دون أن يراهن أحد.
بيوت الفقراء: مبنية من الطوب النيء، غالبًا بغرفة واحدة، وتفتقر إلى التهوية الكافية.
2. الملبس والزينة
الرجال:
الأغنياء: يرتدون "الجُبَّة" (رداء طويل) من الصوف أو الكتان، مع عمامة بيضاء أو خضراء.
الفقراء: يكتفون بـ"القميص" القطني البسيط والعمامة السوداء.
النساء:
"الجلباب" الأسود الطويل مع غطاء للرأس (يسمى "إيزار")، ويُزين بالخواتم الذهبية والخلاخيل.
استخدمت النساء "الحناء" لنقش الأيدي والأقدام، خاصة في الأفراح.
3. الطعام والعادات الغذائية
الإفطار: يعتمد على الفول والطعمية والجبن، يؤكل من طبق مشترك.
الولائم: تُقدم فيها أطباق مثل "الكشري" و"الفطير المشلتت"، مع حلوى "القطايف" في رمضان.
آداب المائدة: الجلوس على الحصير، واستخدام الخبز بديلاً عن الملاعق.
الدين والاحتفالات: الإيمان والخرافة
1. الشعائر اليومية
الصلاة: يصف لين ازدحام المساجد، خاصة "الجامع الأزهر" و"جامع الحسين"، وانتشار "الزوايا" الصوفية.
الجنازات: يُغسل الميت بحرص، ويُتبع النعش بالنداءات الدينية، مع إقامة "العزاء" ثلاثة أيام.
2. شهر رمضان: احتفالية الروح والجسد
استطلاع الهلال: يخرج موكب رسمي برئاسة "المحتسب" وشيوخ الحرف لتأكيد الرؤية، مع هتافات:
"يا أمة خير الأنام.. صيام.. صيام!".
المسحراتي: يطوف الشوارع بعد منتصف الليل حاملاً "بازاً" (طبلة) وينادي:
"اصح يا غفلان.. وحِّد الرحمن!".
موائد الإفطار: تُزيَّن بـ"صواني" تحمل التمر والزبيب والكعك، وتُقدَّم "قُلل الشربات" للسكان والزوار.
3. الأعياد والمواسم
المولد النبوي: يسجل لين احتفالات ليلية في الأزقة، مع حلقات الذكر وتوزيع الحلوى.
الختان: يُقام له حفل يشبه الزفاف، ويُزين الطفل بملابس حريرية.
المرأة المصرية
وصف لين النساء بأنهن "أكثر تحررًا" من نظيراتهن في الشرق العثماني:
الحياة الخاصة: يجتمعن في "الحمامات العامة" للتزيين وتبادل الأحاديث، ويزرن مقابر الأولياء للتبرك.
الزواج والطلاق: يسهل على الرجل تطليق زوجته، لكن النساء استخدمن "الحيل" للحفاظ على حقوقهن.
النقد الذكوري: يذكر لين شكاوى الرجال من "مكر النساء" وقدرتهن على خداع الأزواج.
نبض الحياة اليومية
1. الأسواق والحرف
خان الخليلي: مركز لتجارة التوابل والنسيج والأواني النحاسية، مقسّم بحسب الحرف.
نظام الطوائف: لكل حرفة "شيخ" ينظم أسعارها ويحل نزاعاتها، مثل "الطحانين" و"الخبازين".
2. الصناعات التقليدية
النسيج: تصنع "العباءات" في دمياط من القطن المصري الشهير.
الفخار: ينتج في الفيوم بأشكال هندسية إسلامية.
3. الزراعة
يعتمد الفلاحون على "الشادوف" لري الأرض، ويزرعون القمح وقصب السكر، ويعانون من ضرائب الباشا الجائرة.
بين العقل واللاعقل
1. الطب الشعبي
الكي والحجامة: علاجان شائعان للأمراض المستعصية.
التمائم: تُعلق لدرء "العين الشريرة"، مكتوبة بآيات قرآنية.
2. الاعتقاد بالجن
يُلقى باللوم على "الجن" في الأمراض النفسية، ويُستعان بالرقاة لطردهم.
النقد والتراث
1. إسهامات رائدة
توثيق مفقود: حفظ لين عادات انقرضت مثل "مواكب الهلال" ونداءات المسحراتي التقليدية.
مرجعية أكاديمية: استشهد به علماء مثل "إدوارد سعيد" في "الاستشراق"، رغم انتقاده.
2. الانتقادات الجوهرية
النظرة الاستعلائية: يصف المصريين بـ"المتناقضين" بين الإيمان بارتكاب المعاصي، ويسخر من إيمانهم بالخرافات.
تعميمات مضللة: يصور المسلمين ككتلة واحدة "تكره غير المسلمين"، متجاهلاً التعايش مع الأقباط.
3. أثره في الدراسات اللاحقة
مصدر لأنثروبولوجيا مصر: استخدمه علماء مثل "نعوم شقير" في كتابه "تاريخ سيناء".
تأثير أدبي: ألهم كتابات "جوستاف فلوبير" و"خورخي لويس بورخيس" عن الشرق.
مرآة لتاريخ اجتماعي مفقود
يظل كتاب لين عملاً لا غنى عنه لفهم مصر القرن التاسع عشر، رغم تحيزاته الاستشراقية. فهو يجمع بين:
الدقة الإثنوغرافية في وصف التفاصيل اليومية.
الثراء البصري عبر الرسومات التوضيحية.
- الإشكالية الفكرية كنموذج للرؤية الغربية للشرق.ترجمته إلى العربية "سهير دسوم" (1999) و"عدلي طاهر نور" (1950)، وحفظت مادته تراثًا اجتماعيًّا قد لا تجده حتى في المصادر العربية المعاصرة له.
"لقد نسوا أن لين ليس واحداً منهم" — سهير دسوم في مقدمة الترجمة
0 تعليقات