هنري الرابع - الجزء الثاني لوليام شكسبير

 

هنري الرابع - الجزء الثاني لوليام شكسبير

 هنري الرابع (الجزء الثاني) لوليام شكسبير



 السياق التاريخي والأدبي

تُعد مسرحية "هنري الرابع الجزء الثاني" (1596-1599) حلقة أساسية في رباعية شكسبير التاريخية التي تضم: ريتشارد الثاني، هنري الرابع الجزء الأول، هنري الرابع الجزء الثاني، وهنري الخامس.

تكمل هذه المسرحية حكم الملك هنري الرابع الذي يُعاني من تبعات انقلابِه على ريتشارد الثاني، وتُركّز على صعود ابنه الأمير هال (المستقبل هنري الخامس) بينما تغوص في تناقضات المجتمع الإنجليزي عبر شخصيات تراجيدية وكوميدية.

تمت كتابتها في فترة نضج شكسبير الفني، حيث تجمع بين تعقيد السياسة وعمق النفس البشرية.


تمرد، مرض، وخلافة

تفتتح المسرحية بمشهد "الإشاعة" (Rumour) التي تنشر أخبارًا كاذبة عن انتصار المتمردين في معركة شروزبري (التي انتهت في الجزء الأول)، بينما الحقيقة هي انتصار الملك ومقتل الزعيم المتمرد هوتسبير. تدور الأحداث حول:

  1. استمرار التمرد: يقود رئيس أساقفة يورك تمردًا جديدًا ضد الملك، مدعومًا بإيرل نورثمبرلاند (والد هوتسبير) الذي يتراجع لاحقًا تحت ضغط عائلته.

  2. مرض الملك هنري الرابع: يعاني الملك من صراع داخلي بين الشعور بالذنب لاغتصاب العرش وخوفه على مستقبل إنجلترا تحت حكم ابنه المتهور. اقتباسه الشهير: "ثقلٌ التاجُ على الرأس" (Uneasy lies the head that wears a crown).

  3. خدعة غولتري فورست: يخدع الأمير جون (شقيق هال) المتمردين بوعدهم بالإصلاحات، ثم يُعدمهم بعد تفكيك جيشهم، مما يثير تساؤلات حول الأخلاق السياسية.

  4. موت الملك وتتويج هال: يسرق هال التاج من غرفة والده المريض ظنًا أنه ميت، لكن الملك يستيقظ ويعاتبه. بعد مصالحة مؤثرة، يموت الملك، ويهال يصبح هنري الخامس، مُتخذًا قرارًا صارمًا بقطع علاقته مع حياة اللهو.


التناقض بين الفروسية والهزل

 تحليل الشخصيات الرئيسية

الشخصيةالدورالتطور الدراميالرمزية
الأمير هال (هنري الخامس)ولي العهديتحول من "الابن الضال" إلى ملك مسؤولالصراع بين الهوية الفردية والمسؤولية
فالستاففارس بدين، صديق هال السابقيُطرد علنًا بعد تتويج هالالجشع، الانحلال، ورفض النضج
الملك هنري الرابعملك إنجلترا المرهقيموت بعد مصالحة مع ابنهثمن السلطة وثقل الذنب
رئيس أساقفة يوركزعيم التمرد الجديديُخدع ويُعدم بوحشيةفساد الدين في خدمة السياسة
دول تيرشيتعاهرة، صديقة فالستافتُعتقل لاحقًا بتهمة القتلالضحايا الخفيون للمجتمع

تحليل العلاقات المحورية:

  • هال وفالستاف: تمثل علاقتهما صراعًا بين الواجب والمتعة. في المشهد الأخير، عندما يناديه فالستاف بـ "ابني!"، يرد هال: "ألا أعرفك؟ ... لا تقترب مني بعشرة أقدام!"، مُعلنًا موت "هال" القديم ومولد الملك الجديد.

  • فالستاف والعالم: يجسد شخصية "المهرج التراجيدي" الذي يرفض الاعتراف بالزمن. مشاهدته مع القاضي شالو في غلوسترشاير (حيث يرتشي لاستبعاد المجندين الأقوياء) تُظهر فساد النظام الاجتماعي.


 السلطة، الهوية، والزمن

  1. شرعية الحكم: يظل الملك هنري الرابع أسيرًا لانقلابِه على ريتشارد الثاني. في مشهد الموت، يعترف لابنه: "لقد اكتسبتُ التاج بطرقٍ ملتوية"، مما يدفع هال لبناء شرعيته عبر رفض ماضيِه.

  2. التحول من الصبا إلى النضج: رحلة هال هي جوهر المسرحية. تنبأ في الجزء الأول"سأظهر نفسي عندما يحين الوقت"، وفي الجزء الثاني يفعل ذلك عبر التضحية بصداقاته.

  3. سخرية من "الشرف": يهاجم فالستاف مفهوم الشرف في خطاب شهير: "هل يُطعم الشرف عظامًا مكسورة؟"، بينما الأمير جون (الذي خان المتمردين) يُصور كبطل!.

  4. المرض والموت: يُصوَّر مرض الملك كعقابٍ نفسي، بينما شيخوخة فالستاف (الذي يسأل عن تحليل بوله!) ترمز لفناء الجسد أمام الزمن.


 تحليل نصي

  1. مشهد التاج المسروق (الفصل الرابع، المشهد الخامس):

    • يسرق هال التاج وهو يظن أن والده ميت، قائلًا: "أيها التاج الجميل.. أسنانك تأكل لحم حاملك!".

    • عند اكتشاف الحقيقة، يوبخه الملك: "أكنت لهذا عطشانًا؟"، ثم يصطلحان في لحظة تُظهر حبًا خفيًا.

  2. خدعة غولتري فورست (الفصل الرابع، المشهد الثاني):

    • الأمير جون يُقسم للمتمردين: "أقسم بالله أن نفيَ بوعودنا"، ثم ينقض العهد فورًا، مما يطرح سؤالًا: هل الغاية تبرر الوسيلة في السياسة؟.

  3. طرد فالستاف (الفصل الخامس، المشهد الخامس):

    • يصرخ فالستاف: "يا جلالة الملك! أنا فالستاف، صاحبك!"، فيرد هال: "لا أعرف هذا الرجل..."، ثم ينفيه قائلًا: "لا تقترب مني بعشرة أقدام حتى تصلح حياتك".


الأسلوب والأدوات الفنية

  • اللغة: تتنوع بين شعر المراثي (في مشهد موت الملك) واللهجة العامية في حانات إيست تشيب (مثل شتائم دول تيرشيت).

  • الرمزية: التاج (السلطة الملوثة)، مرض الجسد (مرض الدولة)، وعلاقة فالستاف بهال (العبء الذي يجب التخلص منه).

  • الكوميديا: تهكمية، خاصة في مشهد تجنيد فالستاف للفلاحين (مولدي، فيبل، شادو) حيث يختار الأسوأ مقابل رشاوى.

  • التقابل الدرامي: يُقارن شكسبير بين:

    • قصر وستمنستر (حيث الملك يموت بقلق).

    • حانة الخنزير البري (حيث الثملون يهربون من الواقع).

    • غابة غولتري (خيانة سياسية).


التأثير والنقد

  • النقد التاريخي: وصف الناقد هارولد بلوم المسرحية بأنها "تحفة شكسبير غير المُقدَّرة". بينما رأى آخرون أن غياب لقاءات هال وفالستاف يجعل الحبكة أقل تماسكًا من الجزء الأول.

  • تأثير فلسفي: تطرح إشكالية "الهوية المتغيرة": هل هال الجديد هو خائن أم حكيم؟ هل رفض فالستاف ضرورة أخلاقية أم قسوة؟.

  • عروض مسرحية: في نسخة "شكسبارز غلوب" (2007)، جسّد الممثل روجر ألام شخصية فالستاف كشبحٍ من ماضي الملك، بينما صورت هيلين ميرين "دول تيرشيت" كضحية لمجتمع ذكوري.


من هنري الرابع إلى هنري الخامس

تُختتم المسرحية بإيذانٍ ببدء عصر جديد:

  • هنري الخامس يُعلن الحرب على فرنسا (تمهيدًا لمسرحية هنري الخامس).

  • فالستاف يُسجن مع رفاقه، لكن الإيضاح يعد الجمهور: "سيموت فالستاف من العرق في المسرحة القادمة" (إشارة لموته في هنري الخامس).

  • الرسالة الجوهرية: السلطة ليست حقًا، بل مسؤولية تتطلب التضحية حتى بأغلى الروابط.

"ليس ما كنتُ عليه
فما أنا الآن إلا صورة ملكٍ جديد،
تخلّت عن جسدها القديم."
— هنري الخامس، الفصل الخامس، المشهد الخامس.


اقتباسات خالدة

الاقتباسالقائلالدلالة
"ثقلٌ التاجُ على الرأس"الملك هنري الرابععبء السلطة
"أنا لستُ ظريفًا فحسب، بل أجعلكم تظرفون!"فالستافنقد النفاق الاجتماعي
"لا تفترضوا أني ما زلتُ ما كنتم تعرفون"هنري الخامسالتحول والقطع مع الماضي

تظل المسرحية استكشافًا عميقًا لثمنِ القوة وثقلِ النضج، حيث يتحول الأمير من سكيرٍ إلى بطل، والملك من ثائرٍ إلى رمز، وفالستاف من مُضحكٍ إلى مأساة إنسانية


ملخصات لكل أعمال شكسبير المسرحية والتاريخية والشعرية

إرسال تعليق

0 تعليقات