هنري الرابع - الجزء الأول لوليم شكسبير

هنري الرابع - الجزء الأول  لوليم شكسبير

 

 هنري الرابع (الجزء الأول) لوليم شكسبير

 السياق التاريخي والأدبي

تنتمي مسرحية هنري الرابع، الجزء الأول (1596-1597) إلى رباعية شكسبير التاريخية المعروفة باسم "الهنرياد"، التي تضم: ريتشارد الثاني، هنري الرابع (جزء 1 وجزء 2)، وهنري الخامس.

تُعد هذه المسرحية نقطة محورية في الأدب العالمي، حيث تجمع بين العمق التاريخي والكوميديا الإنسانية، وتُبرز تطور شخصية الأمير هال (الملك المستقبلي هنري الخامس) من الشاب المتمرد إلى البطل الوطني.

تعكس المسرحة صراعات السلطة في إنجلترا القرن الخامس عشر، خاصة بعد خلع ريتشارد الثاني وصعود هنري بولينغبروك (هنري الرابع) إلى العرش.


تمهيد الصراع السياسي

تبدأ الأحداث عام 1402 بعد معركة هوميلدون هيل ضد الأسكتلنديين. الملك هنري الرابع، المثقل بذنب اغتصاب العرش، يخطط لحملة صليبية إلى الأراضي المقدسة لتكفير خطيئته، لكن الأخبار المقلقة تثنيه:

  • تمرد العائلة البيرسية: بقيادة هوتسبير (هاري بيرسي)، الذي يرفض تسليم أسرى الحرب للملك احتجاجًا على رفض الأخير دفع فدية لشقيق زوجته، إدموند مورتيمر (الوريث الشرعي لريتشارد الثاني).

  • تحالف الأعداء: ينسق هوتسبير مع الثوار الويلزيين بزعامة أوين غليندور، والأسكتلنديين بقيادة إيرل دوغلاس.

  • صراع الأبناء: يقارن الملك بين ابنه "هال" الذي يقضي أيامه في الحانات، وهوتسبير "النبتة المستقيمة" التي تُجلها الشرف، قائلًا:

    "يا ليت جنّيةً قد استبدلتنا بأطفالنا في المهد!".


عالم الحانة وتكوين الهوية

في حانة رأس الخنزير في إيستشيب، ينسج الأمير هال علاقة مثيرة مع الفارس جون فولستاف، شخصية كوميدية ترمز للفساد والهروب من المسؤولية:

  • السخرية من المفاهيم النبيلة: يسخر فولستاف من فكرة "الشرف" في خطاب شهير:

    "ما هو الشرف؟ مجرد كلمة... من يستطيع أن يشفي جرحًا بالشرف؟".

  • خدعة السطو: يتفق هال وصديقه بوينز على سرقة فولستاف بعد أن يسرق هو بدوره مجموعة حجاج. عندما يروي فولستاف قصة بطولية كاذبة عن مواجهته لـ"عشرين لصًا"، يكشف هال الحقيقة، مما يظهر براعة فولستاف في التلاعب بالكلمات.

  • الانقلاب الخفي: في جملة جانبية، يكشف هال عن استراتيجيته:

    "سأظهر فجأة كالشمس المشرقة... وسيندهش العالم من تحولي".

جدول: تطور شخصية الأمير هال

المرحلةالسلوكالرمز
التمردالسكر، السرقة، السخرية من السلطةالحانة / فولستاف
التحولالمصالحة مع الأب، قيادة الجيشالمعركة / هوتسبير
التكفيرإنقاذ الملك، قتل هوتسبيرالشرف / الشرعية

صراع الأجيال وتحالف الثوار

ينقسم هذا الفصل بين عالمي القصر والثورة:

  • مؤامرة البيرسيين: يخطط إيرل ووستر (عم هوتسبير) لتقسيم إنجلترا بين المتمردين: ويلز لغليندور، الشمال لبيرسي، الجنوب لمورتيمر.

  • المواجهة في القصر: يستدعي الملك هنري ابنه، فيقدم هال اعتذارًا دراماتيكيًا:

    "سأحمل تاجًا من المجد لأجلك".

  • الجنود المرتزقة: يجند فولستاف مجموعة من الفقراء المريضى بعد قبوله رشى من الأغنياء، في سخرية من نظام التجنيد الفاسد.


معركة شروزبري – ذروة التحول

تعد المعركة (1403) نقطة التحول في المسرحية:

  • الخداع السياسي: يُخفي ووستر عرض الملك بالعفو عن هوتسبير، مما يدفعه للقتال.

  • فولستاف والجبن: يتظاهر فولستاف بالموت أثناء القتال، ثم يطعن جثة هوتسبير ليدعي قتله.

  • مبارزة المصير: يقتل هال هوتسبير في مبارزة فردية، قائلًا:

    "وداعًا أيها الأمير! ليتك عشت... لقد حرمت إنجلترا من فارس عظيم".

  • الخلاص المزدوج: ينقذ هال حياة أبيه من هجوم دوغلاس، ويصفح عن الأخير تكريمًا لشجاعته، بينما يُعدم ووستر.

 الشخصيات المتضادة

الأمير هالهوتسبير
التخطيط الطويل الأمدالاندفاع العاطفي
فهم النفس البشريةالانشغال بالمجد الشخصي
التحول من الظلام إلى النورالثبات في العنف حتى الموت

 التحليل النفسي والاجتماعي

  1. فولستاف: مرآة المجتمع
    يمثل فولستاف الوجه القبيح للطبقة الأرستقراطية: السُكر، الكذب، الجبن، لكنه يجسد أيضًا البقاء والمرونة. علاقته بهال تختزل صراعًا بين "الأب الروحي" الفاسد والأب الحقيقي القاسي.

  2. الشرف بين الوهم والحقيقة

  • هوتسبير: يرى الشرف غنيمة في المعركة.

  • فولستاف: يعتبره كلمة فارغة.

  • هال: يحوله إلى التزام بالعدالة.

  1. السلطة والشرعية
    يسائل شكسبير شرعية هنري الرابع كمغتصب للعرش، ويجعل من هال "المخلّص" الذي يكفر عن خطايا الأب عبر البطولة، لا الدم.


الإرث الثقافي والأدبي

  • التأثير الدرامي: أعادت المسرحية تعريف المسرح التاريخي بدمج الكوميديا مع التراجيديا، مما أثر في أعمال مثل لعبة العروش.

  • فولستاف كأيقونة: أصبح شخصية مستقلة، ألهمت أوبرا لـفيردي، وأفلامًا مثل أيداهو الخاصة بي (1991) وذي كينج (2019).

  • الجدارة الفنية: تعتبر من أكثر مسرحيات شكسبير تنوعًا، حيث تجمع بين الحكمة السياسية ("التجارب الخطيرة تولد القادة") والعمق الإنساني ("أحيانًا نكره ما نفعله لأجل الحب").

رأي شخصي: المسرحية ليست مجرد تاريخ، بل دراسة عن ازدواجية الإنسان. هال ليس بطلًا خارقًا، بل شاب يبحث عن هويته بين ضغط الأب وفساد الصديق. فولستاف ليس مجرد مهرج، بل صوت يذكرنا بأن الفضيلة المطلقة وهم. هذه الثنائية هي سر خلود شكسبير.


المصادر:



إرسال تعليق

0 تعليقات