الصحافة حرفة ورسالة

 

الصحافة حرفة ورسالة - سلامة موسي

 "الصحافة حرفة ورسالة" لسلامة موسى

المؤلف وسياق الكتاب التاريخي

  • سلامة موسى (1887-1958):
    مفكر مصري رائد، يُعد من أوائل الداعين للاشتراكية في العالم العربي.
    تأثر خلال إقامته في فرنسا (1906-1909) وإنجلترا بفلسفات ماركس وفولتير وداروين، وانضم للجمعية الفابية الاشتراكية حيث تعرف على جورج برنارد شو. ألف أكثر من 40 كتابًا، منها "نشوء فكرة الله" و"مصر أصل الحضارة".

  • سياق الكتاب:
    صدر الكتاب عام 1931 في ظل الاحتلال الإنجليزي لمصر، حيث كانت الصحافة المصرية تعاني من هيمنة الصحف الأجنبية، وفقْد حرية التعبير، وتهميش الصحفيين المصريين ماديًا ومعنويًا.


الفلسفة الأساسية: الصحافة بين الحرفة والرسالة

  1. الحرفة (الجانب العملي):

    • الصحافة مهنة تقوم على جمع الأخبار، تحليلها، والتحقق من مصداقيتها قبل نشرها.

    • تشمل مهارات فنية مثل التحرير، وصياغة العناوين، وإدارة العلاقة مع الإعلانات التي تمول الصحف.

  2. الرسالة (الجانب الأيديولوجي):

    • ليست مجرد نقل أخبار، بل هي أداة لتشكيل وعي الجمهور ومراقبة السلطة.

    • "التحيز الإيجابي": ضرورة انحياز الصحافة لقضايا المجتمع والعدالة، دون تزييف الحقائق.

    • تُعد مرآةً للواقع ولسانًا للشعب، وهدفها النهوض بالأمة عبر التنوير ومحاربة الاستعمار.

"الصحافة بالمعنى السابق حِرَفِيّة تسعى إلى الحياد، ولكنها تبقى متحيزة... تحيزًا إيجابيًا يحمل دلالات كفاحية."


تشخيص واقع الصحافة المصرية في ثلاثينيات القرن العشرين

  • الهيمنة الأجنبية:
    سيطرة الصحف الأجنبية على السوق، بينما عانت الصحف المصرية من ضعف التمويل وغياب البنية التحتية.

  • التفاوت الطبقي:
    ثراء الصحفيين الأجانب مقابل فقر زملائهم المصريين الذين "يتشردون في الشوارع".

  • القمع السياسي:
    فرض السلطات رقابة صارمة، وتغيير الدستور، وإغلاق الصحف المعارضة.

 مقارنة بين الصحافة المصرية والأجنبية في عصر المؤلف:

المعيارالصحافة المصريةالصحافة الأجنبية
التمويلضعيف، يعتمد على التبريراتمدعومة من دول الاستعمار
حرية التعبيرمقيدة بقوانين رقابيةتتمتع بحرية أوسع
ظروف الصحفيينفقر، غياب السكن اللائقامتلاك دور فخمة، ضياع خصبة

معايير الصحفي الممتاز عند سلامة موسى

  1. التكوين الثقافي الشامل:

    • يجب أن يكون الصحفي ملمًا بالأدب، العلوم، والفلسفة.

    • "الصحفي الممتاز هو الفيلسوف الأديب العالم الفنان".

  2. المرور بمدرسة الخبر:

    • يرى أن العمل الميداني في جمع الأخبار أساسي قبل التحليل.

    • "أحسن الكتّاب المعلقين هو من اعتاد أن يصل بين الأخبار والمقالات".

  3. الموازنة بين الحيوية والدقة:

    • الجمع بين حيوية الخبر وعمق التحليل، وتجنب المقالات الجافة المنفصلة عن الواقع.


دور الأدب والفن في تطوير الصحافة

  • رفع الصحافة لمقام الأدب:
    يقترح موسى تسليم رئاسة تحرير الصحف لأدباء كبار (مثل لطفي السيد، مترجم أعمال أرسطو) لدمج العمق الفكري مع الطرح الصحفي.

  • نموذج "كريستيان ساينس مونيتور":
    صحيفة أمريكية حولت محتوى عدد واحد (يشمل آدابًا وعلومًا) إلى كتاب بيع لمدة طويلة، مما يثبت جودة المادة الثقافية.


التحديات والأخلاقيات في الممارسة الصحفية

  1. الصحافة المحايدة vs الصحافة المكافحة:

    • ينتقد "الصحافة المتفرجة المحايدة" التي تتجنب الصدام مع السلطة.

    • يمجّد "الصحافة المكافحة" التي تضحي بالربح من أجل الحق، حتى لو أدى ذلك لإفلاسها.

  2. أخلاقيات المهنة:

    • الصدق في نقل الأخبار، ورفض الرشاوى أو الإغراءات لتزييف الوقائع.

    • المسؤولية تجاه المجتمع تفوق السعي للربح.

  3. دور المرأة:
    يشير إلى تجارب ناجحة لصحفيات في "أخبار اليوم"، مؤكدًا أن المساواة ضرورية لتقدم المهنة.


رؤية تنموية للصحافة

  • أداة للنهضة:
    الصحافة ليست تسجيلًا للأحداث بل محرك للتغيير الاجتماعي، عبر كشف الفساد ودعم القضايا الوطنية.

  • العلاقة مع الجمهور:
    يجب أن تكون قنوات التواصل حية، وتعكس هموم المواطن بدلًا من التبعية للنخب.

  • نماذج ناجحة:
    يوثق نجاح صحف مثل "أخبار اليوم" في رفع رواتب الصحفيين، وتوظيف النساء، ومواجهة السلطة.


النقد والتقييم: إرث الكتاب اليوم

  • إيجابيات الرؤية:

    • سبق عصره في الربط بين الصحافة والأدب، وهو ما تتبناه اليوم صحف مثل "نيويوركر".

    • تركيزه على "التحيز الإيجابي" يتوافق مع مفهوم "صحافة الحلول" الحديثة.

  • انتقادات للكتاب:

    • اتهامات له بالتسليم لـ"خيال" عند اقتراحه تسليم الصحف للأدباء، دون تقديم آليات عملية.

    • تجاهله لمعضلات التمويل واعتماده على المثالية الأخلاقية.

  • صلة الأفكار بالواقع المعاصر:
    ما زالت إشكاليات الحياد والانحياز، وصراع المصالح، وهيمنة رأس المال على الإعلام، قائمةً، مما يجعل الكتاب مرجعًا يستحق القراءة.

"المرء لا يتعلم الصحافة في يوم وليلة... بل يتعلمها في ممارستها، وفي الخبرة التي تأتي من الممارسة الطويلة."


 الصحافة ككائن حي

يرى سلامة موسى أن الصحافة كائن حي يجب أن يتطور مع المجتمع. رغم مرور 94 عامًا على صدور الكتاب، فإن تحليله للتوازن بين الحرفة (المهارة، الدقة، الاحترافية) والرسالة (الالتزام الأخلاقي، التضحية، الدور التنويري) يظل إطارًا صالحًا لفهم أزمات الإعلام اليوم. 

كتابه ليس مجرد وثيقة تاريخية، بل برنامج عمل لكل صحفي يسعى لتحقيق المعنى الحقيقي لمهنته

إرسال تعليق

0 تعليقات