نشوء فكرة الله

 
نشوء فكرة الله - سلامة موسي

 "نشوء فكرة الله" لسلامة موسى 

السياق التاريخي والفكري للكتاب

صدر كتاب "نشوء فكرة الله" للمفكر المصري سلامة موسى عام 1912، في فترة شهدت تحولات فكرية جذرية في العالم العربي تحت تأثير الحداثة الأوروبية.

جاء الكتاب كترجمة وتلخيص لأفكار الكاتب الإنجليزي جرانت ألين، ضمن موجة من الدراسات التي حاولت تفسير الدين من منظور مادي تطوري، متأثرة بنظرية داروين في النشوء والارتقاء . وضع موسى في مقدمة الكتاب منهجيته المزمعه:

"بحثي في هذا الموضوع علمي بعيد عن شائبة الغرض... ونحن نبحث عن مجرد تاريخ العقائد وتسلسلها من الوثنية".
لكن هذا الادعاء بالحياد العلمي كان موضع شك كبير لدى كثير من النقاد، خاصة مع تركيزه على نقد المسيحية بشكل لاذع وتجنبه النسبي لنقد الإسلام.

وفي راينا الشخصي كان هذا لحكمته في تمرير أفكارا تتصادم مع واقع لم ولن يتقبل مثل هذا النقد بسهوله 

السيرة الفكرية لسلامة موسى

  • التكوين الثقافي: وُلد سلامة موسى (1887-1958) في قرية بهنباي بالزقازيق، وتأثر بسفراته المبكرة إلى أوروبا (1906-1910)، حيث اطلع في فرنسا على أفكار فولتير وماركس، وفي إنجلترا انضم للجمعية الفابية الاشتراكية وتأثر بـجورج برنارد شو وداروين.

  • الاتجاه الفكري: عُرف بدعوته للقطيعة مع التراث الشرقي وتبني النموذج الغربي، مع تركيز على العلمانية والاشتراكية وتحرير المرأة . رأى في الدين عائقًا للتقدم، وقال: "ليس للإنسان في هذا الكون ما يعتمد عليه سوى عقله".

  • السياق الدافع للكتاب: جاء الكتاب ردًا على صعود التيارات الإلحادية في الغرب أواخر القرن 19، والتي ربطها موسى بـ"أزمة المعنى" الناتجة عن فساد الكنيسة وانتصار العلمنة.


 أركان النظرية التطورية للدين

1. النشأة البدائية لفكرة الإله: من عبادة الأموات إلى الأساطير

يرى موسى أن فكرة الله نشأت من الخوف من الموت والجهل بقوانين الطبيعة لدى الإنسان البدائي:

  • أصل الاعتقاد بالأرواح: فسر الإنسان البدائي الموت بأنه "إغماء طويل" بسبب مشاهدات للإغماء المؤقت وعدم التمييز بينه وبين الموت الحقيقي. أدى ذلك لظهور فكرة انفصال الروح عن الجسد، وتعززت برؤية الموتى في الأحلام.

  • عبادة الجثث: كانت المرحلة الأولى حيث حُنطت الجثث أو رُسمت صورها (نشأة الأصنام) لتقديم الطعام لها اعتقادًا بعودة الروح، مما ولد فكرة القبر كمعبد.

  • تطور العبادة إلى الأساطير: مع انتشار قصص عن مآثر الموتى، تحولت هذه القصص إلى أساطير مبالغ فيها، واحترف حفظها مجموعة أصبحوا كهنة، وصارت "كتبًا مقدسة".

"أقول باختصار: عبادة الجثث هي أصل كل العبادات الحاضرة" — سلامة موسى.

2. تطور الفكرة الدينية: من تعدد الآلهة إلى التوحيد

يصف موسى تطور الفكرة الدينية في ثلاث مراحل:

  • المرحلة القبلية: عبادة أسلاف القبيلة، حيث يُعبد رئيس القبيلة بعد موته، وتُقدم له القرابين (أصل الصلاة). مثال: قبائل الكومبامه في أفريقيا.

  • المرحلة الوثنية: مع ازدياد شهرة بعض الموتى، تحولت عبادتهم إلى آلهة متعددة، وظهرت فكرة الآلهة المتخصصة (إله المطر، إله الحرب... إلخ).

  • المرحلة التوحيدية: نشأت من دمج الآلهة المتعددة في إله واحد، كما في مصر القديمة (ثالوث أوزيريس-إيزيس-حورس) الذي تحول لاحقًا إلى التثليث المسيحي.

3. المسيحية كنموذج للتطور الديني: تحليل نقدي

يخصص موسى قسمًا كبيرًا لنقد المسيحية، زاعمًا أنها:

  • مزيج من الأساطير الوثنية:

    • فكرة "الإله المتجسد" (المسيح) مأخوذة من عبادة الملوك كآلهة (مثل إسكندر المقدوني).

    • عقيدة العذراء مستمدة من عبادة الإلهة إيزيس في مصر.

    • طقس الإفخارستيا (تناول الخبز والنبيذ) تطور من تقديم القرابين للآلهة.

  • استمرار للطقوس الوثنية: الصليب (رمز أوزوريس)، والكنائس (مقابر مقدسة)، والكهنوت (وريث الكهنة المصريين).

4. الإسلام في الكتاب: تعامل إشكالي

يتجنب موسى نقد الإسلام مباشرة، لكنه يشير إلى:

  • أن الإسلام تأثر بالديانات السابقة، خاصة في "تقديس الأولياء" الذي يراه امتدادًا لعبادة الأموات.

  • يُلمح إلى أن فكرة التوحيد في الإسلام هي نتاج تطور تاريخي وليست وحيًا إلهيًا.
    (جدير بالذكر أن هذا القسم لا يتجاوز بضعة أسطر في الكتاب مقابل صفحات مطولة عن المسيحية).


 إشكاليات الكتاب العلمية والفكرية

أ. المزاعم المنهجية:

ادعى موسى أن كتابه:

  • بحث علمي محايد: يدرس تطور الفكرة الدينية دون الحكم على صحتها.

  • يعتمد على الأنثروبولوجيا: بتحليل عادات المتوحشين (كقبائل أفريقيا) لفهم نشأة الدين.

ب. الانتقادات الجوهرية:

  1. الانتقائية في الأدلة:

    • تجاهل وجود ديانات توحيدية سابقة للمسيحية بكثير (كديانة إخناتون في مصر).

    • تعميم نمط "تطوري خطي" (من الوثنية إلى التوحيد) غير مدعوم بدراسات مقارنة.

  2. الخلط بين التشابه والتأثر:

    • تفسير التشابه بين الطقوس (كالصلاة) على أنه "اقتباس" دون نظر لاختلاف الدلالات الرمزية.

  3. النزعة الإسقاطية:

    • إسقاط نموذج التطور الدارويني البيولوجي على الأفكار الدينية بشكل آلي.

  4. التحيز ضد المسيحية:

    • تجاهل السياقات اللاهوتية العميقة لعقائد مثل التثليث، واختزالها في أصل وثني.

  5. الإخفاق المنهجي الأكبر:

    • عدم تقديم أي مراجع أو مصادر أنثروبولوجية تدعم ادعاءاته (عدا إشارة عابرة لقبيلة الكومبامه).

    • اعترافه في نهاية الكتاب بأنه: "امتنع عن ذكر شواهد أخرى كثيرة لمنع الإطالة" ، رغم أن الكتاب لا يتجاوز 45 صفحة في أصله الإنجليزي.

"الكتاب يخلو من أسس البحث العلمي... مجرد سرديات سطحية" — مراجعة قارئ على Goodreads.


تقييم تأثير الكتاب وردود الفعل

1. الاستقبال النقدي:

  • هجوم من الأوساط الدينية: اتُهم بالإلحاد وتشويه الأديان، خاصة بعد مقولته الصادمة: "من له جثة فليعبدها!".

  • رفض من النخبة العلمية: وصفه المفكرون بالسطحية وعدم الجدية الأكاديمية. حتى تلميذه نجيب محفوظ قال له: "عندك موهبة كبيرة، ولكن مقالاتك سيئة".

  • تقييم القراء: على Goodreads، حصل على 28% تقييم نجمتين من 5، مع تعليقات مثل: "مسخرة وقلة أدب!".

2. التأثير التاريخي:

رغم ضعفه الأكاديمي، كان للكتاب دور في:

  • ترسيخ النزعة العلمانية في الفكر العربي المبكر.

  • فتح النقاش حول نقد الدين في المجال العام العربي.

  • التأثير على جيل من المثقفين (كإسماعيل مظهر) الذين تبنوا الداروينية الاجتماعية.


 بين القيمة التاريخية والإخفاق المعرفي

يظل كتاب "نشوء فكرة الله" وثيقة تاريخية تعكس:

  1. صدمة الحداثة العربية أمام النموذج الغربي.

  2. إشكالية تبني المناهج الغربية دون نقد أو تكييف مع السياق الشرقي.

  3. أزمة العلمانية العربية المبكرة في التعامل مع التراث الديني.

لكنه فشل في تقديم نظرية مقنعة عن نشأة الدين بسبب:

  • اختزالية التفسير المادي.

  • عدم التمييز بين الأصل الأنثروبولوجي للطقوس والجوهر الروحي للأديان.

  • تحويل التشابه الشكلي إلى علاقة سببية دون أدلة كافية.

بقي الكتاب نموذجًا لـالنقد الإيديولوجي أكثر منه دراسة علمية، وهو ما يعترف به حتى المؤيدون لسلامة موسى، الذين يرون فيه رائدًا للجرأة في طرح الأسئلة أكثر من كونه صاحب إجابات نهائية

.....................

بقي أن نقول إن أغلب النقد والتعليقات علي معظم كتابات سلامة موسي التي وجدناها تأتي من سياق إجتماعي ضيق الأفق يكره الأفكار الحديثه و الحره ولكننا قررنا نقلها بأمانة لتكون شاهدا علي العصور التي نعيشها وشهادة حيه علي كيف كنا وكيف كان مجتمعنا

إرسال تعليق

0 تعليقات