الأدب للشعب

 

الأدب للشعب

"الأدب للشعب" لسلامة موسى: رؤية تحليلية نقدية

المقدمة: السياق التاريخي والفكري للكتاب

صدر كتاب "الأدب للشعب" عام 1956، في ذروة الصراع بين التقليد والحداثة في العالم العربي. جاء الكتاب تتويجًا لجدلٍ أثارته مقالة لسلامة موسى في "أخبار اليوم" (1952) بعنوان "الأدب للشعب"، حيث وُوجهت دعوته لهجومٍ عنيفٍ واتُّهمت بـ"البدعة الخبيثة" 

. يندرج العمل في سياق مشروع موسى الإصلاحي الذي تأثر بالاشتراكية الفابية والفكر الدارويني خلال إقامته في أوروبا (1906-1910)، وتحديدًا بكتّاب مثل برنارد شو وماركس .

 يهدف الكتاب إلى تفكيك الأدب العربي الكلاسيكي وبناء نموذج جديد يرتبط بقضايا الشعب اليومية.


النقد الجذري للأدب العربي القديم

يقدم موسى نقدًا لاذعًا للأدب الكلاسيكي، واصفًا إياه بأنه:

  1. أدب النخبة والسلطة:

    • نشأ لخدمة الخلفاء والأمراء (كالمتنبي)، واختزل وظيفته في "تسليتهم وإزالة سأم بطالتهم".

    • تجاهل معاناة الطبقات الدنيا، بل ربط المجد بـ"العرب وتاريخهم" لا بـ"مصر ونكباتها".

    • مثال: أحمد شوقي الذي "قصر حياته على مدح الملوك"، وفقًا لموسى.

  2. أدب الشكل لا المضمون:

    • انشغل بالتقليد الأسلوبي (كالاجترار اللغوي للجاحظ) دون الاهتمام بـ"أسلوب العيش" أو نقد الواقع.

    • اتسم بالانعزال في "برج عاجي" بعيدًا عن الهموم الاجتماعية، على عكس الأدب الأوروبي الذي ينتقد "المعايش والغايات".

  3. أدب غير أخلاقي:

    • هاجم موسى التغزل بالمحظيات و"الأشعار اللوطية" (كأبي نواس) و"البرازية" (كابن الرومي).

"الأدب العربي القديم أدب الكتب الذي يعيش في عزلة عن الوسط المحيط، كأنه في برج عاجي".


 أسس الأدب الجديد وأهدافه

يطرح موسى بديلًا جذريًا عبر ستة شروط للأدب الشعبي:

  1. الكتابة بلغة الشعب:

    • دعا لتبسيط اللغة واعتماد العامية أحيانًا لتقريب الأدب من الجمهور . رغم ذلك، كتب جميع مؤلفاته بالفصحى، مما يشير إلى إشكالية في تطبيقه العملي.

  2. معالجة القضايا الاجتماعية:

    • يجب أن يركز الأدب على المشكلات السياسية والاقتصادية (كاستغلال الفلاحين)، مستلهمًا نموذج إميل زولا في فرنسا.

  3. الأديب كمُعلم ومرشد:

    • دور الأديب يشبه "النبي" في إرشاد الشعب و"رسم المستقبل"، لا الترفيه كـ"المهرج".

  4. الربط بين الأدب والفلسفة الحديثة:

    • كما تخلت الفلسفة عن "الغيبيات" واتجهت لخدمة الإنسان، يجب أن يتحول الأدب من "أسلوب الكتابة" إلى "نقد أسلوب العيش".

  5. خلق مناخ الحرية:

    • الأدب الجديد يُعزز الحريات ويواجه الاستبداد، على عكس أدب العصور الوسطى الذي كان أداةً لتثبيت سلطة الحكام.

  6. الرؤية الإنسانية الشاملة:

    • تجاوز الحدود المحلية لمعالجة قضايا الإنسان الكونية.


مفهوم "الطرب" كأساس جمالي

يُعيد موسى تعريف الوظيفة الجمالية للأدب عبر:

  • التمييز بين الأدب والعلم:

    • العلم يقدم الحقائق (كتجارب زولا العلمية عن الحب)، بينما الأدب يخلق "الطرب" عبر المشاعر (كقصص زولا الأدبية).

  • طرب الفكرة لا الكلمة فقط:

    • الأدب الجديد يجب أن يثير "طرب الحزن أو الفرح أو الغضب" لدفع القارئ للتفكير في الهموم الكبرى.

  • المتعة الجمالية كوسيلة للتغيير:

    • الجمال الفني ليس غايةً بذاته، بل أداة لتحويل "الحياة الفردية إلى حياة اجتماعية".

"شرط الفنون جميعًا هو الطرب... كالرقص والموسيقى. وهكذا يجب أن يكون للأدب طربٌ يرفع الحياة إلى مستوى فني".


مقارنة بين الأدب العربي والأوروبي

يُقارن موسى بشكلٍ مفصل:

المعيارالأدب العربي القديمالأدب الأوروبي الحديث
الجمهور المستهدفالخلفاء والنخبةالشعب والطبقات الكادحة
اللغةالفصحى المعقدةلغة الحياة اليومية
الموضوعاتالمديح والغزلالمشكلات الاقتصادية والسياسية
الوظيفةالتسليةالتوعية والتغيير
المصادرالتراث العربيالتجربة الإنسانية المباشرة
  • يقدم برنارد شو نموذجًا للأديب الملتزم بقضايا المجتمع، حيث ينتقد حتى "النظريات الطبية".

  • يشير موسى إلى أن الأدب الإنجليزي "يدعو إلى الإيمان بدين جديد"، في إشارةٍ لقدرته على تجديد القيم.


 إشكالية اللغة والصراع مع التقليديين

يناقش الكتاب معركتين متصلتين:

  1. معركة العامية والفصحى:

    • دعا موسى لاعتماد العامية لتقريب الأدب من الشعب، لكنه لم يطبق ذلك عمليًا.

    • هاجمه التقليديون (كالعقاد وطه حسين) باعتبار ذلك تهديدًا لهوية الأمة.

  2. الصدام مع المؤسسة الأدبية:

    • وصف أنصار القديم (مثل العقاد) بأنهم "انغمسوا في دراسة الأدب العربي وكأنه أدب إعجازي".

    • اتهمهم بتقديم القديم على أنه "أسمى الآداب"، مما يُعيق تطور الثقافة.


 التطبيقات العملية للأدب الشعبي

يقدم موسى نماذج عملية:

  • الأدب الواقعي:

    • توثيق حياة الفلاحين والعمال، كما في أدب غوركي الروسي.

  • الأدب التحرري:

    • تمجيد دور المرأة في التغيير، مستلهمًا هنريك إبسن في مسرحية "بيت الدمية".

  • الأدب العلمي:

    • دمج المعرفة العلمية (كنظرية داروين) في النصوص الأدبية.


الفصل السابع: تقييم الكتاب وتأثيره

الإسهامات الرئيسية:

  • تأسيس مفهوم "الأدب الملتزم" في الثقافة العربية قبل جان بول سارتر.

  • ربط الأدب بالاشتراكية كأداة لمكافحة الاستغلال.

  • تحرير الأدب من سلطة النخبة الدينية والسياسية.

الانتقادات الموجهة له:

  • تناقضه في الدعوة للعامية مع التزامه الفصحى.

  • إغفاله لجوانب إنسانية في الأدب القديم (كالتجارب الصوفية).

  • تبسيطه المفرط لدور الأدب كـ"أداة تغيير سياسي".

التأثير اللاحق:


 الأدب للشعب كفلسفة حياة

يظل "الأدب للشعب" نصًا تأسيسيًا في النقد الثقافي العربي، رغم تناقضاته.

 لم يكن مشروعًا أدبيًا فحسب، بل جزءًا من رؤية موسى الشاملة لـ"فن الحياة" التي طرحها في كتب لاحقة، حيث دعا إلى تحويل الوجود البشري من "المستوى البيولوجي" (الأكل والشرب) إلى "المستوى الفني" الذي يدمج الجمال بالعدالة.

 الكتاب يمثل بيانًا ثوريًا ضد أدب البرج العاجي، وصرخةً لاستعادة الأدب كسلاحٍ في معركة الإنسان من أجل كرامته.

"ليست الحياة سوى الحياة، وكل ما عداها وسائل لها. والأدب يجب أن يكون أحد هذه الوسائل لترقيتها".

 تطور أفكار سلامة موسى حول الأدب

العامالحدث / المؤلفالتأثير على "الأدب للشعب"
1934كتاب "الأدب الإنجليزي الحديث"التأسيس الأول لفكرة "الأدب في خدمة المجتمع"
1952مقال "الأدب للشعب"إثارة الجدل الذي دفع لتأليف الكتاب
1956نشر "الأدب للشعب"تطوير الأفكار وتوسيعها
1953كتاب "هؤلاء علموني"تعميق النموذج الأوروبي (إبسن، شو، داروين)

إرسال تعليق

0 تعليقات