وجهك ملك لنا: سعي شركة ناشئة سرية لإنهاء الخصوصية كما نعرفها
"Your Face Belongs to Us: A Secretive Startup's Quest to End Privacy as We Know It" لكاشمير هيل
نهاية الخصوصية كما نعرفها
في عالم يتجه بسرعة نحو الرقمنة والتقنيات الذكية، يبرز كتاب "Your Face Belongs to Us: A Secretive Startup's Quest to End Privacy as We Know It" للصحفية المتخصصة في التقنية والخصوصية كاشمير هيل (Kashmir Hill) كتحذير صارخ من مخاطر تقنية التعرف على الوجه.
الكتاب، الذي صدر في سبتمبر 2023، يحقق في صعود شركة Clearview AI السرية، التي طورت تطبيقًا قويًا للتعرف على الوجه يمكنه تحديد هوية أي شخص من خلال صورة واحدة فقط، مما يهدد بإنهاء مفهوم الخصوصية كما نعرفه اليوم.
هيل، التي تعمل مراسلة لتقنية والخصوصية في صحيفة نيويورك تايمز، تقدم قصة شاملة ومثيرة للقلق حول كيفية قيام هذه الشركة الناشئة بجمع مليارات الصور من الإنترنت دون موافقة، وبناء أداة مراقبة قوية تم بيعها لأجهزة إنفاذ القانون والمليارديرات والشركات الخاصة .
الكتاب ليس مجرد قصة تحذيرية، بل هو أيضًا استكشاف عميق للتداعيات الأخلاقية والاجتماعية والقانونية لتقنية التعرف على الوجه، وكيف يمكن أن تشكل مستقبلنا الجمعي.
الخلفية التاريخية لتقنية التعرف على الوجه
الجذور القديمة والمفاهيم الفلسفية
يبدأ الكتاب باستعراض الجذور التاريخية لتقنية التعرف على الوجه، والتي تعود إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو، الذي اعتبر أن الوجه يعكس روح الشخصية وطابعها.
هذه الفكرة تطورت عبر القرون، حيث حاول علماء مثل فرانسيس غالتون في القرن التاسع عشر تصنيف الناس بناءً على ملامح الوجه، مما يشير إلى الجذور المشكوك فيها أخلاقيًا لهذه التقنية .
التطورات الحديثة والتقدم التقني
في الستينيات، بدأ التطور الحديث للتعرف على الوجه مع أعمال وودي بليدسو (Woody Bledsoe) لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، التي حاولت أتمتة عملية مطابقة الوجوه. ومع ذلك، كان التقدم بطيئًا حتى التسعينيات، عندما قدم ماثيو تورك (Matthew Turk) تقنية "eigenfaces" في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، والتي مثلت نقلة نوعية في هذا المجال .
ثم تسارع التقدم في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع أحداث مثل "Snooper Bowl" في سوبر بول 2001، الذي رفع الوعي العام والمخاوف حول هذه التقنية.
الثورة الحقيقية: الشبكات العصبية والتعلم العميق
شهد العقد الماضي ثورة حقيقية في تقنية التعرف على الوجه بفضل الشبكات العصبية والتعلم العميق (Deep Learning). أصبحت الخوارزميات قادرة على التعلم الذاتي وتحسين دقتها بشكل كبير، خاصة مع توفر كميات هائلة من البيانات (الصور) وقوة الحوسبة .
أدى هذا إلى تحسينات مذهلة في الدقة، حيث تتجاوز بعض الأنظمة الآن 98% من الدقة.
قصة Clearview AI: النشأة والتطور
الأصول المثيرة للجدل
ينصب التركيز الرئيسي للكتاب على قصة Clearview AI، الشركة الناشئة الغامضة التي تأسست في أجواء سياسية مشحونة خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016. أسسها هوان تون ذات (Hoan Ton-That)، مهندس كمبيوتر أسترالي من أصل فيتنامي، وريتشارد شوارتز (Richard Schwartz)، المستشار السابق لرودي جولياني، وبدعم مبدئي من تشارلز جونسون، وهو مستفز محافظ.
بدأت الشركة كـ "Smartcheckr"، بهدف إنشاء أداة للتدقيق السياسي. ومع ذلك، تحول تركيزها بسرعة إلى تطوير تقنية التعرف على الوجه .
كان الإنجاز التقني الرئيسي لـ Clearview هو جمع مليارات الصور من وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت دون إذن، ومزجها مع خوارزميات متقدمة للتعرف على الوجه، مما سمح لهم بإنشاء نظام يمكنه تحديد هوية أي شخص تقريبًا من صورة واحدة.
القفزة التكنولوجية والابتكار الأخلاقي المشبوه
كما توضح هيل، لم تكن قفزة Clearview التقنية breakthrough تكنولوجيًا بحتًا، بل كانت "مراجحة أخلاقية" (ethical arbitrage)
. الأدوات اللازمة لبناء such a system كانت متاحة بشكل مفتوح على الإنترنت لسنوات (مثل أكواد الشبكات العصبية). ما ميز Clearview هو استعدادها لفعل ما امتنعت عنه الشركات الكبرى مثل Google و Facebook due to ethical and legal concerns
. لقد كانوا على استعداد للعمل في المنطقة الرمادية القانونية، مشابهين في ذلك نماذج أعمال مثل Uber و Airbnb.
التمويل وبناء القاعدة العملية
حصلت الشركة على تمويل مبكر من بيتر ثيل (Peter Thiel)، الملياردير المؤيد لترامب، والذي قدمه له جونسون .
بشكل ذكي، قام تون ذات بجلب صور من Crunchbase (قاعدة بيانات لرواد الأعمال والمستثمرين) لضمان عمل نظام التعرف على الوجه بشكل مثالي عند اختباره على وجوه المستثمرين المحتملين.
أدرك مؤسسو Clearview أن السوق الأكثر ربحًا لهذه التكنولوجيا هو وكالات إنفاذ القانون. قدموا التطبيق لهذه الوكالات بأسعار معقولة (بضعة آلاف من الدولارات في السنة)، مما ساعدهم على الانتشار بسرعة.
الجدل الأخلاقي والاجتماعي: الموازنة بين الخصوصية والأمن
مخاوف advocates الخصوصية
يستكشف الكتاب بعمق المخاوف الأخلاقية الخطيرة التي تثيرها تقنية التعرف على الوجه:
نهاية الخصوصية والاستقلالية: يمكن أن تؤدي هذه التقنية إلى إنهاء فكرة التخفي في الأماكن العامة، وهو أمر كان يُعتبر دائمًا من الحقوق الأساسية.
إساءة الاستخدام والمراقبة الجماعية: يمكن استخدام الأداة للملاحقة والمضايقة من قبل الأفراد (المطاردين، الشركاء المسيئين) أو الحكومات لقمع المعارضين، كما هو الحال في الصين ضد الأويغور.
التأثير المبرد على حرية التعبير والتجمع: إذا علم الناس أنهم يمكن التعرف عليهم وتتبعهم في أي مكان، فقد يمتنعون عن المشاركة في الاحتجاجات أو المناقشات الحساسة.
منظور إنفاذ القانون والفوائد المحتملة
من ناحية أخرى، يقدم الكتاب أيضًا حجة مؤيدي التقنية، خاصة في مجالات إنفاذ القانون:
- مكافحة الجريمة: يمكن استخدام التعرف على الوجه لتحديد المجرمين، العثور على الأطفال المختطفين، أو ضحايا الاعتداء الجنسي .تذكر هيل حالة ساعد فيها Clearview في إنقاذ طفل من خلال تحديد المعتدي من صورة ضبابية.
الكفاءة والأمن: في المطارات أو الحدود، يمكن أن تسرع هذه التقنية من عمليات التدقيق وتعزز الأمن.
التحيز والدقة: إشكالات مستمرة
يكشف الكتاب أن هذه التقنيات ليست معصومة من الخطأ:
مشاكل الدقة: لا تزال أنظمة التعرف على الوجه تواجه تحديات في الدقة، خاصة مع النساء وأصحاب البشرة الداكنة بسبب بيانات التحيز.
الاعتقالات الخاطئة: تورد هيل حالات صادمة لاعتقال أشخاص أبرياء بسبب مطابقة خاطئة، مثل رجل في ديترويت تم اعتقاله بسبب سرقة لم يرتكبها.
إيجابيات وسلبيات تقنية التعرف على الوجه بناءً على الكتاب:
الجوانب الإيجابية (المنافع) | الجوانب السلبية (المخاطر) |
---|---|
مساعدة إنفاذ القانون في حل الجرائم وتحديد المجرمين | انتهاك الخصوصية الفردية والجماعية |
تعزيز الأمان في المطارات والأماكن العامة | إساءة الاستخدام من قبل الحكومات الاستبدادية للقمع |
تسهيل العمليات اليومية (مثل فتح الهواتف) | التحيز الخوارزمي والتمييز ضد بعض الفئات |
العثور على الأشخاص المفقودين أو ضحايا الجرائم | الاعتقالات الخاطئة بسبب المطابقة غير الدقيقة |
التأثير المبرد على الحريات المدنية (التعبير، التجمع) |
الإطار التنظيمي المعارك
الفوضى التنظيمية في الولايات المتحدة
يبرز الكتاب الفراغ التنظيمي الخطير في الولايات المتحدة فيما يتعلق بالبيومترية. لا يوجد قانون اتحادي شامل يحكم استخدام التعرف على الوجه، مما يترك الأمر للولايات والمدن الفردية.
نجاحات نادرة: قانون إلينوي BIPA
يكون القانون الذي تم وضعه في إلينوي (Illinois Biometric Information Privacy Act - BIPA) هو البطل غير المتوقع في هذه القصة. هذا القانون، الذي تم تمريره في 2008، يتطلب الموافقة الصريحة من الأفراد قبل جمع بياناتهم البيومترية (بما في ذلك الوجه) .
نتيجة لذلك:
تواجه Clearview AI دعاوى قضائية كبيرة في إلينوي.
- توقف Google عن تقديم ميزة التعرف على الوجه في كاميرات في إلينوي.هذا يثبت أن "القوانينية تعمل بالفعل".
المقارنات الدولية: الاتحاد الأوروبي ضد الصين
يقدم الكتاب مقارنات دولية مثيرة للاهتمام:
الاتحاد الأوروبي: لديه قوانين خصوصية صارمة (مثل GDPR) أجبرت Clearview على الانسحاب فعليًا من السوق الأوروبية.
الصين: تتبنى نهجًا مختلفًا تمامًا، حيث تستخدم التقنية على نطاق واسع للمراقبة العامة والتحكم الاجتماعي، خاصة ضد أقلية الأويغور.
التوجهات والتوصيات
إعادة تنظيم العالم حول البيانات البيومترية
تحذر هيل من أن العالم على وشك إعادة تنظيم نفسه حول هوياتنا البيومترية. سيصبح وجهنا هو المفتاح الرئيسي لجميع معلوماتنا على الإنترنت، مما يغير بشكل جذري ما يعنيه التواجد في الفضاء العام .
تتخيل سيناريوهات حيث يمكن لمالك مطعم أن يمنعك من الدخول بسبب كتابة مراجعة سلبية على ، أو كيف يمكن لأي شخص في مطعم أن يسحب صورتك ويعرف كل شيء عنك أثناء إجراء محادثة خاصة.
الحاجة إلى إعادة التفكير في "الفضاء العام" على الإنترنت
تؤكد الكاتبة على الحاجة إلى إعادة التفكير في مفهوم "الفضاء العام" على الإنترنت. لقد ساهمنا جميعًا في بناء هذه التقنية من خلال تحميل مليارات الصور على وسائل التواصل الاجتماعي، مما وفر البيانات اللازمة لتدريب الخوارزميات .
الآن، أي شيء public يمكن أن يتم "خدشه" (scraped) واستخدامه بطرق لم نتخيلها أبدًا.
توصيات للفرد والمجتمع
على الرغم من أن الكتاب لا يقدم حلًا سحريًا، إلا أنه يقدم توجهاً للتفكير:
الوعي والحذر: يجب أن نكون أكثر وعيًا بما ننشره على الإنترنت. "علينا إعادة التفكير في ما نجعله متاحًا للعامة".
الدعوة إلى regulation: يجب على المجتمعات أن تقرر بشكل جماعي كيفية تنظيم هذه التقنية. النجاحات في إلينوي والاتحاد الأوروبي تثبت أن القوانين يمكن أن تكون فعالة.
النقاش الأخلاقي المستمر: يجب أن يستمر النقاش حول الموازنة بين الأمن والخصوصية، والفائدة العامة مقابل المخاطر الجماعية.
تحذير وقصة cautionary
"Your Face Belongs to Us" هو أكثر من مجرد تقرير استقصائي؛ إنه قصة تحذيرية (cautionary tale) عن عصرنا. إنه يذكرنا بأن التقدم التكنولوجي ليس حتميًا ولا محايدًا، بل هو تتشكل من خلال اختيارات عدد قليل من الناس، والتي غالبًا ما تكون مدفوعة بالربح أو الأيديولوجية، مع القليل من المساءلة.
كاشمير هيل لا تقدم إجابات سهلة، ولكنها تنجح في تسليط الضوء على الخطر الوجودي الذي تشكله تقنية التعرف على الوجه غير المنضبطة على الخصوصية والحريات المدنية. الكتاب هو دعوة للاستيقاظ واليقظة، ودعوة للمجتمع للاستيقاظ قبل فوات الأوان، والمناقشة والتشريع للمستقبل الذي نريد أن نعيش فيه: مستقبل يتم فيه تحقيق التوازن بين الابتكار والقيم الإنسانية الأساسية.
في النهاية، يترك الكتاب القارئ مع سؤال أساسي: هل نريد حقًا العيش في عالم حيث ينتمي وجهنا للجميع، أم يجب أن ينتمي إلينا نحن؟
0 تعليقات