التثقيف الذاتي

 

التثقيف الذاتي

 "التثقيف الذاتي أو كيف نربي أنفسنا" لسلامة موسى

مقدمة: حياة المؤلف وسياق الكتاب

وُلد سلامة موسى (1887-1958) في قرية بهنباي بالزقازيق، وتشكلت رؤيته الفكرية خلال إقامته في أوروبا (1906-1913)، حيث تأثر بـداروين وماركس وبرنارد شو، وانضم للجمعية الفابية الداعية للاشتراكية .

 بعد عودته إلى مصر، أسس مجلات مثل "المستقبل" و"المجلة الجديدة"، ودعا إلى العلمانية وتحرير المرأة وتبسيط اللغة العربية. كتب "التثقيف الذاتي" قبيل وفاته بثلاثة أشهر (مايو 1958)، مُهديًا إياه لأبنائه شكرًا "للعذاب الحلو" في تربيتهم. يندرج الكتاب في سياق مشروعه الإصلاحي لبناء عقلية نقدية قادرة على مواجهة الاستبداد والجهل.


 نقد التعليم التقليدي 

1. محدودية المدرسة والجامعة

  • معارف غير كافية: يرى موسى أن التعليم المدرسي يُقدِّم "مقدارًا صغيرًا" من المعارف لا يكفي لمتطلبات الحياة العملية، مما يترك الفرد عاجزًا أمام التحديات.

  • نموذج "البذلة الموحدة": يشبّه المدارس بمصانع تنتج "قطعًا متشابهة من القماش"، متجاهلة الفروق الفردية والمواهب الخاصة، مما يُنتج أفرادًا بلا تميز.

  • دور المعلم الفاشل: معظم المعلمين لا يُعلّمون الطلاب "خطط الدراسة الذاتية"، بل يقتصرون على الحشو، مما يُعيق استقلاليتهم الفكرية بعد التخرج.

2. مخاطر الجمود الفكري

يحذر موسى من أن الجهل يُمهّد للاستبداد، فـ"الجمهور الجاهل سريع الانقياد"، وهو أداة طيّعة في يد الطغاة الذين يخدعونه بالشعارات البراقة. بالتالي، يصبح التثقيف الذاتي سلاحًا للتحرر وضمان الحقوق.


 أسس التثقيف الذاتي: لماذا؟ وماذا؟

1. الأهداف الفلسفية

  • مواجهة "السأم الوجودي": البشر الذين لا يثقفون أنفسهم يشبهون "البقول"؛ حياتهم خاوية ونموهم خلوي فقط. الثقافة وحدها تُبعِد السأم وتُوسع الآفاق.

  • بناء "الإنسان الكامل": رفض موسى فكرة التخصص الضيق (كقول البعض: "ليس على الطبيب أن يعرف التاريخ")، ودعا لثقافة شاملة تربط بين العلوم والأدب والفلسفة.

2. مجالات المعرفة الضرورية

يحدد موسى أربعة محاور:

  • العلوم التجريبية: لفهم قوانين الطبيعة وتطور المجتمعات.

  • التاريخ: لتحليل التيارات السياسية والاجتماعية المؤثرة في الحاضر.

  • الفنون والأدب: لصقل الذوق وتنمية الوجدان.

  • الفلسفة: لتطوير قدرات نقدية ضد الأفكار الجاهزة.


المنهجية العملية للتربية الذاتية

1. القواعد الذهبية للقراءة

يقدم موسى إرشادات تفصيلية:

  • التصفح الأولي: استعراض فهرس الكتاب لفهم هيكله العام قبل القراءة المتعمقة.

  • التلخيص الكتابي: تدوين الأفكار الرئيسية في كراسة خاصة "كي تعم الفائدة".

  • التوازن المعرفي: تجنب "التخمة الذهنية" بعدم المبالغة في كميات القراءة اليومية.

  • البيئة والانتظام: تخصيص وقت ومكان ثابتَيْن للقراءة لتحويلها إلى عادة.

2. مصادر المعرفة وترتيب أولوياتها

  • الكتب: "القطب الذي تدور عليه الثقافة" (مستشهدًا بوصف الجاحظ). يُفضل البدء بالكتب الواضحة قبل الصعبة.

  • المجلات: تُقدِّم تحليلًا أعمق من الصحف، ويوصي بمجلات رصينة مثل "الهلال" و"المقتطف".

  • الصحف: يجب انتقاؤها بعناية (كصحف تُعنى بالتحليل الثقافي)، وتصنيف مقالاتها في ملفات مواضيعية.

3. استراتيجيات الفهم والاستيعاب

  • القراءة المتعددة المصادر: الجمع بين 3-4 كتب في الموضوع ذاته لإضاءة الزوايا الخفية.

  • التعليق على الهوامش: وضع خطوط تحت الأفكار الرئيسية وترقيمها للعودة السريعة.

  • أخذ فترات راحة: عند مواجهة كتاب صعب، يُفضَّل تركه والعودة إليه لاحقًا بذهن منفتح.


تحديات التثقيف الذاتي وحلولها

1. معوقات ذاتية واجتماعية

  • الانشغال المادي: يعترف موسى بأن البعض يصف المثقفين بـ"ساكني الأبراج العاجية"، لكنه يرد بأن الثقافة "ليست ترفًا".

  • البيئة غير الداعمة: غياب المكتبات العامة وسيطرة الأفكار الرافضة للتنوير.

2. حلول عملية

  • الإنفاق على العقل: "ننفق بسخاء على أذهاننا كما ننفق على الحاجات المادية".

  • بناء المكتبات الشخصية: شراء الكتب تدريجيًا، وتجليدها وحفظها في نظام يسهل الرجوع إليها.

  • المجتمعات الثقافية: إنشاء نوادٍ للنقاش، كما فعل موسى في "جمعية الشبان المسيحيين".


مجتمع مثقف

1. دور الدولة والمجتمع

يؤكد أن المجتمع الراقي هو الذي:

  • يهتم بالمكتبات كما يهتم بالمدارس.

  • يُسن قوانين تشجيع النشر ودعم المؤلفين.

  • يُكافح الأمية عبر تبسيط اللغة (دعمه للعامية المصرية كان في هذا السياق).

2. الثقافة كأداة للتحرر

يربط موسى بين الجهل والاستبداد، وبين المعرفة والحرية. فالثقافة تُعلّم الناس تمييز الزيف السياسي، وتجعلهم أقل انقيادًا للشعارات الرنانة.


 الكتاب وتأثيره

1. إسهامات مبتكرة

  • نموذج "التعلم العضوي": يشبّه التثقيف الذاتي بالجوع الفسيولوجي؛ فكما يطلب الجسم الطعام عند الجوع، يطلب العقل المعرفة عند إدراك الحاجة.

  • الثقافة مدى الحياة: التعليم المدرسي مجرد أساس، أما "نضج الإنسان" فيتحقق خلال 50 سنة بعد المدرسة عبر القراءة المستمرة.

2. انتقادات للكتاب

  • إهمال الجانب الروحي: تجاهل دور الدين كحافز أخلاقي للمعرفة.

  • تبسيط مفرط: ربطه التقدم بالانسلاخ عن "الشرق" والالتحاق بـ"أوروبا" فقط.

  • تناقض مع الذات: دعوته للانفتاح العالمي تتعارض مع تركيزه على الفرعونية كمصدر وحيد للهوية المصرية.

3. التأثير التاريخي

  • تشجيع الأجيال: احتضن الكتاب شبابًا مثل نجيب محفوظ ويحيى حقي في مجلته.

  • مبادئ تحققت لاحقًا: تنبأ بظهور منظمات عالمية (كالصحة العالمية والفاو) كضرورة للتقدم.


القارئ المعاصر

يظل "التثقيف الذاتي" مرشدًا حيويًا في عصر المعلومات، حيث:

  • التحديث: يحتاج القارئ اليوم لتطوير أدوات موسى بتوظيف المنصات الرقمية والكتب الإلكترونية.

  • التمييز: فيضان المحتوى يجعله أكثر خطورة من "الجمود" الذي حذر منه موسى.

  • الاستمرارية: التثقيف الذاتي لم يعد خيارًا بل ضرورة للبقاء في عالم متسارع.

"ليس للإنسان في هذا الكون ما يعتمد عليه سوى عقله، وأن يأخذ مصيره بيده" – سلامة موسى.


أبرز كتب سلامة موسى

اسم الكتابالمحور الرئيسيسنة النشر
مقدمة السوبرماننقد الدين والفكر الغيبي1910
الحرية وأبطالهادفاع عن حرية الفكر1927
المرأة ليست لعبة الرجالتحرير المرأة1955
مصر أصل الحضارةتمجيد الجذور الفرعونية1935
هؤلاء علمونيسيرة ذاتية فكرية1953

إرسال تعليق

0 تعليقات