علم ما بين النجوم

علم ما بين النجوم - Interstellar

 

 "علم ما بين النجوم" (The Science of Interstellar) لكيب ثورن



 التقاء العلم والسينما

يُمثل كتاب "علم ما بين النجوم" (2014) للفيزيائي الحائز على جائزة نوبل كيب ثورن تحفةً فريدة تجمع بين النظريات الفيزيائية المتقدمة وصناعة الأفلام.

نشأ الكتاب من تعاون ثورن مع المخرج كريستوفر نولان أثناء إنتاج فيلم "بين النجوم" (Interstellar)، حيث كان ثورن المستشار العلمي والمنتج التنفيذي.

 يهدف الكتاب إلى تفسير الأسس العلمية وراء مشاهد الفيلم المذهلة، مع الحفاظ على الدقة دون التضحية بالدراما.

 اعتمد ثورن على مبدأ أساسي:

"لا شيء في الفيلم ينتهك القوانين الفيزيائية الراسخة، وأي خروج عن العلم قائم على تخمينات معقولة".


العقل العلمي وراء الفيلم

  • الخلفية العلمية: حصل ثورن على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2017 لاكتشافه موجات الجاذبية عبر مرصد LIGO، وكان أستاذاً في جامعة كالتك متخصصاً في الثقوب السوداء والنسبية العامة.

  • دوره في الفيلم: بدأ التعاون عندما طلبت منه صديقته ليندا أوبست (منتجة الفيلم) المساعدة في تطوير قصة علمية مقنعة. تحولت الفكرة الأولية إلى فيلم بعد انضمام نولان، حيث وضع ثورن "قواعد فيزيائية" للسيناريو.

  • الكتاب كجسر علمي: كتب ثورن الكتاب لشرح المفاهيم المعقدة لجمهور غير متخصص، قائلاً:

"أردت استخدام الفيلم كبوابة لإثارة فضول الناس حول العلم".


المفاهيم العلمية الأساسية في الفيلم

1. الثقوب السوداء: وحوش الزمكان المنحني

يشرح ثورن أن الثقوب السوداء ليست "ثقوباً" بل مناطق من الزمكان المشوه بفعل الجاذبية الهائلة. في الفيلم، يُصوَّر الثقب الأسود "غارغانتوا" بدقة غير مسبوقة:

  • الأفق الحدثي (Event Horizon): حدود لا عودة، حيث لا يمكن حتى للضوء الهروب.

  • قرص التراكم (Accretion Disk): حلقة من الغاز والغبار تدور حول الثقب، مصدرةً ضوءاً وحرارة.

  • عدسة الجاذبية (Gravitational Lensing): انحناء الضوء حول الثقب، مما يشوه المنظر خلفه.

مفارقة مثيرة: عندما التقط تلسكوب أفق الحدث أول صورة حقيقية لثقب أسود عام 2019، تشابهت بشكل مذهل مع تصوير "غارغانتوا" في الفيلم (2014)، رغم اختلاف طفيف في سطوع جوانب القرص لأسباب فنية.

2. الثقوب الدودية: ممرات كونية

يُعرِّف ثورن الثقب الدودي كنفق يصل بين نقطتين بعيدتين في الكون عبر "طيّة" في الزمكان. لكنه يوضح أن:

"الثقوب الدودية ليست ظواهر طبيعية، بل تحتاج إلى مادة غريبة (Exotic Matter) ذات طاقة سلبية لتبقى مفتوحة".
في الفيلم، يُستخدم الثقب الدودي قرب زحل كبوابة للسفر إلى مجرة أخرى، وهو فكرة مستمدة من معادلات أينشتاين-روزين.

3. تمدد الزمن: تأثير الجاذبية على الزمن

يُبرز الفيلم ظاهرة تمدد الزمن النسبي، حيث يمر الزمن ببطء في مجال جاذبية قوي. على كوكب ميلر، تعادل ساعة واحدة 7 سنوات على الأرض بسبب قربها من "غارغانتوا". يستند هذا إلى نظرية أينشتاين للنسبية العامة، والتي تؤكد أن:

"كل شيء يميل إلى العيش حيث يتقدم العمر ببطء، والجاذبية تسحبه إلى هناك".
تطبيقات واقعية: تظهر هذه الظاهرة في أقمار GPS، التي تضبط ساعاتها بسبب تمدد الزمن.

4. الأبعاد الأعلى: العالم الجوهري (The Bulk)

يقدم الفيلم فكرة البعد الخامس كفضاء يضم أبعادنا الثلاثة المعروفة. يشرح ثورن أن "الكائنات الجوهرية" (Bulk Beings) قد ترى الزمن كبعد فيزيائي، مما يسمح لها بالتجول عبر الماضي والمستقبل. هذه الفكرة مستوحاة من:

  • نظرية الأوتار: التي تقترح وجود 10 أبعاد مكانية.

  • نظرية الغشاء (Brane Theory): التي تصف كوننا كغشاء يطفو في فضاء أعلى.
    في المشهد الأخير، يجد كوبر نفسه في "الفسيفساء الزمنية" (Tesseract)، وهي تمثيل ثلاثي الأبعاد للبعد الخامس، حيث يستطيع التأثير على الجاذبية عبر الزمن.

5. الشذوذ الجذبي: حل لغز الجاذبية

تدور أحداث الفيلم حول محاولة البروفيسور براند حل معادلة تتحكم في الشذوذ الجذبي (تقلبات جاذبية غير مفسرة). يربط ثورن هذا بالسعي العلمي الحقيقي نحو "نظرية كل شيء" توحد النسبية العامة مع ميكانيكا الكم.

 المفاهيم العلمية وتجسيدها في الفيلم:

المفهوم العلميالأساس النظريتمثيله في الفيلمدقته العلمية
الثقب الأسود (غارغانتوا)النسبية العامةقرص تراكمي، عدسة جاذبية95% (مطابق للصور الحقيقية)
الثقب الدوديمعادلات أينشتاين-روزينبوابة بالقرب من زحلنظرية بحتة (غير مثبتة)
تمدد الزمننسبية أينشتاينساعة على ميلر = 7 سنوات على الأرضدقيق (مثبت بتجارب)
الأبعاد الأعلىنظرية الأوتار، الأغشيةفسيفساء زمنيةتخميني (غير مؤكد)
الشذوذ الجذبيسعي لتوحيد النسبية والكممعادلة البروفيسور برانداستعارة فنية

صناعة الفيلم - بين الدقة العلمية والرخصة الفنية

التحدي البصري: تصوير ما لا يُرى

تعاون ثورن مع فريق المؤثرات المرئية برئاسة بول فرانكلين لتحويل المعادلات إلى صور. استخدموا برامج حاسوبية مثل "Double Negative" لمحاكاة:

  • انحناء الضوء حول غارغانتوا بحسابات تستند إلى 500,000 شعاع ضوئي.

  • حركة القرص التراكمي بدقة تسبق الصور الواقعية بسنوات.
    التسوية الفنية: غيَّر الفريق سطوع جوانب القرص (جعل الجانب البعيد ألمع) لتحسين الوضوح البصري، رغم أن الواقع يعكس العكس.

التأثيرات العلمية على السرد

  • مستعمرات أونيل (O’Neill Cylinders): المستعمرات الفضائية في نهاية الفيلم مستوحاة من تصاميم الفيزيائي جيرارد أونيل، التي تقترح أسطوانات دوارة تُنشئ جاذبية اصطناعية.

  • دراسة جوناثان نولان: كاتب السيناريو درس النسبية في كالتك لمدة 4 سنوات لفهم العلم العميق.


 الكتاب والفيلم في العلم والثقافة

الإشادة العلمية

حظي الفيلم بتقدير علماء مرموقين مثل نيل ديجراس تايسون، الذي قال:

"دقة 'بين النجوم' في تصوير انحناء الزمكان حول الثقب الأسود تفوق حتى '2001: أوديسا الفضاء'".
كما أشاد ستيفن هوكينج بالتمثيل العلمي، خاصة مشهد تمدد الزمن.

نقد وتعديلات

انتقد بعض العلماء:

  • استدامة الثقب الدودي: يحتاج إلى "مادة غريبة" غير مكتشفة.

  • هبوط على كوكب بالقرب من ثقب أسود: التيارات المدية ستفتت الكوكب.
    رد ثورن: هذه تخمينات قائمة على نظريات موجودة، وليست انتهاكاً للقوانين.

إرث تعليمي

  • الكتاب كمرجع تعليمي: يُستخدم في جامعات مثل كالتك وMIT لتدريس النسبية عبر أمثلة بصرية.

  • تأثير على البحث العلمي: ألهم تصوير الثقوب السوداء بحوثاً في بصريات الجاذبية.


 العلم كقصة إنسانية

يختتم ثورن كتابه بالتأكيد على أن "بين النجوم" ليس مجرد فيلم خيال علمي، بل احتفاء بالفضول البشري. فشخصيات مثل كوبر ومورفي تجسد الجهد الإنساني لفهم الكون، بينما يذكرنا العلم بأن:

"أعظم الاكتشافات تُبنى على أكتاف عمالقة سبقونا".
الكتاب، مثل الفيلم، يُعدّ جسراً بين مجتمع العلم والجمهور، يثبت أن الفيزياء المتقدمة يمكن أن تكون مصدر إلهام درامي وعلمي معاً.


 اقتباسات جوهرية من الكتاب

  1. "الثقوب السوداء مصنوعة من الزمكان المنحني. لا شيء آخر".

  2. "الحادث هو لبنة التطور الأولى" (في إشارة إلى تطور البشرية عبر الأزمات).

  3. "آخر من يجوع سيكون أول من يختنق" (عن ترابط الأنظمة البيئية).

جدول تطور التصور البصري للثقب الأسود:

السنةالمصدرالسمات الرئيسيةالتأثير على الفيلم
2014فيلم "بين النجوم"قرص تراكمي، عدسة جاذبية، أفق حدثيأول تصوير علمي دقيق
2019تلسكوب أفق الحدث (M87*)حلقة ضوئية غير متماثلة، ظل مركزيتأكيد دقة نموذج "غارغانتوا" 95%

المراجع العلمية الأساسية:

إرسال تعليق

0 تعليقات