أحب وأكره

 

أحب و أكره

"أحب وأكره" لأنيس منصور: رحلة في دهاليز النفس البشرية

يعد كتاب "أحب وأكره" للكاتب والفيلسوف المصري العبقري أنيس منصور أكثر من مجرد مجموعة من المقالات أو الخواطر؛ إنه رحلة عميقة وغوص جريء في أغوار النفس الإنسانية بكل تعقيداتها وتناقضاتها.

 لا يقدم أنيس منصور في هذا الكتاب إجابات جاهزة أو نصائح أخلاقية مباشرة، بل يصحب القارئ في رحلة استكشافية لفهم مشاعر الحب والكره، تلك القوتان الأساسيتان اللتان تتحكمان في سلوكنا وتفكيرنا وعلاقاتنا.

فلسفة الكتاب والمنهجية الأنيسية

السمة الأبرز في "أحب وأكره" هي المنهجية التحليلية الساخرة التي يمتلكها أنيس منصور. لا يأخذ المشاعر كمسلّمات، بل يحللها كما يحلل عالم كيميائي عناصر مركّب معقد. يستخدم منصور أسلوبه السلس الساحر، الممزوج بالفكاهة العميقة والحكمة الفلسفية، ليقترب من هذه المشاعر من زوايا غير متوقعة.

الكتاب ليس قائمًا على الثنائيات البسيطة (هذا جيد فأحبه، وهذا سيء فأكرهه)، بل هو استعراض لـ التناقض الإنساني الجميل.

 فغالبًا ما نكره في الشخص نفسه ما نحبه، ونحب فيه ما نكره. قد نحب فكرة ونكره تطبيقها، أو نكره صفة في أنفسنا ثم نجدنا نحبها في غيرنا. هذا التداخل والتمازج هو لبّ الرسالة التي يريد أنيس منصور إيصالها: الإنسان كائن معقد، ومشاعره ليست أبيض وأسود.

ما الذي أحبه أنيس منصور وما الذي يكرهه؟

يستعرض الكاتب عشرات، بل مئات، الأشياء والأفكار والصفات التي يقع عليها حكم "أحب" أو "أكره"، ويمكن تصنيفها في عدة محاور:

1. الحب والكره في العلاقات الإنسانية:

  • يحب الصداقة الحقيقية، الصامتة التي لا تحتاج إلى كلمات، الصديق الذي يفهمك من نظرة واحدة.

  • يكره الوحدة القسرية، ولكن يحب الوحدة الاختيارية التي يكون فيها المرء مع نفسه.

  • يكره الأشخاص المتفاخرين، المتكبرين، الذين يتحدثون عن أنفسهم طوال الوقت.

  • يحب الإنسان المتواضع، صاحب الروح البسيطة الذي يجد السعادة في أبسط الأشياء.

  • يكره النميمة والنمامين، الذين يسممون العلاقات بكلمة.

2. الحب والكره في الأفكار والسلوكيات:

  • يحب الحرية بكل أشكالها: حرية الفكر، حرية التعبير، حرية الاختيار. يعتبرها الأساس الذي تقوم عليه الحياة الكريمة.

  • يكره الروتين القاتل، الذي يحول الحياة إلى سلسلة من الأفعال المكررة التي تفقدها بهاءها.

  • يحب الأسئلة أكثر من الإجابات، والشك أكثر من اليقين، لأنه باب المعرفة الحقيقية.

  • يكره الجهل والتزمت الفكري، ورفض الآخر لمجرد أنه مختلف.

  • يحب القراءة والسفر، باعتبارهما وسيلتين لتوسيع الأفق واكتشاف العالم والعودة بنظرة مختلفة.

  • يكره الخوف الذي يقيد الإنسان، خاصة الخوف من المجهول أو الخوف من آراء الآخرين.

3. الحب والكره في الحياة اليومية:

  • يحب الصباح الباكر، هدوءه وأمل الجديد الذي يحمله.

  • يكره الضوضاء والصخب غير الضروري الذي يطمس جمال الوجود.

  • يحب الفن بكل أشكاله، الموسيقى التي تلامس الروح، واللوحة التي تحكي قصة.

  • يكره الادعاء والتكلف، الشخص الذي لا يكون على طبيعته.

لماذا لا يزال هذا الكتاب حديثًا؟

رغم مرور سنوات طويلة على صدور "أحب وأكره"، إلا أنه لا يزال يحتفظ براهنيته وأهميته. السبب هو أن أنيس منصور لم يتحدث عن قضايا عابرة أو موضة ثقافية، بل تناول مشاعر إنسانية أزلية. الحب والكره، الخوف والحرية، الوحدة والصحبة، هذه هي مواضيع لا تشيخ.

في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت المشاعر أحيانًا سريعة وسطحية، يذكرنا الكتاب بأهمية العمق. عمق المشاعر، عمق العلاقات، وعمق التفكير في ما نحمله في قلوبنا من حب وكره ولماذا.

 أكثر من مجرد قائمة تفضيلات

"أحب وأكره" ليس قائمة غرائز شخصية لأنيس منصور فحسب، بل هو مرآة يضعها أمام قارئه. أثناء قراءتك لِما يحبه ويكرهه أنيس، ستجد نفسك تطرح الأسئلة ذاتها: وماذا أنا؟ ماذا أحب؟ ماذا أكره؟ ولماذا؟

الكتاب دعوة مفتوحة لل** الأستبطان**، للتأمل الذاتي والتفكير في دوافعنا ومشاعرنا. هو إعادة تعريف لهذه المشاعر التي نعيشها كل يوم ولكننا قد لا نتوقف لتحليلها بهذا العمق.

بعبارة أخرى، "أحب وأكره" هو خريطة غير مكتملة لأعماق النفس البشرية، رسمها لنا دليل حكيم ومُسلٍّ، يترك للقارئ مساحة ليكملها بنفسه، مكتشفًا عالمه الداخلي من خلال استفزاز أفكار أنيس منصور العميقة والساحرة.

 إنه كتاب لا يُقرأ مرة واحدة ويوضع على الرف، بل هو رفيق دائم، يمكن العودة إليه في أوقات مختلفة من الحياة، لنجد فيه كل مرة معنى جديدًا ينطبق على حالتنا

إرسال تعليق

0 تعليقات