الأرض الموعودة

 

الارض الموعودة - باراك اوباما

 "الأرض الموعودة" لباراك أوباما

 رحلة الهوية والسلطة والتاريخ

الإطار العام للكتاب وأهميته التاريخية

"الأرض الموعودة" (A Promised Land) هو الجزء الأول من المذكرات الرئاسية لباراك أوباما، صدر في نوفمبر 2020 بعد ثلاث سنوات من العمل الدؤوب. 

يغطي الفترة من طفولته حتى عام 2011، مع نهاية الجزء بعملية قتل أسامة بن لادن . يتميز الكتاب بـ:

  • الحجم والتفاصيل: 768 صفحة (29 ساعة للنسخة الصوتية التي سجلها أوباما بنفسه).

  • الترجمة: نُشرت النسخة العربية عام 2021 بواسطة دار هاشيت أنطوان.

  • الهدف: تقديم رواية صادقة عن تجربة الرئاسة، وكشف آلية صنع القرار في البيت الأبيض، واستكشاف التوتر بين المثل الأمريكية والواقع.


 الجذور والتكوين (الفصول 1-4)

الطفولة والتأثيرات المبكرة

  • التنشئة متعددة الثقافات: نشأ في هاواي وإندونيسيا مع أم أمريكية بيضاء وجدّين من كنساس، وأب كيني غائب. تأثير أمه "آن دونهام" كان محوريًّا: تمردها على الأعراف، تركيزها على العدالة الاجتماعية، وتشجيعها له على القراءة منذ الصغر. كانت تقول له: "اقرأ كتابًا ثم أخبرني بشيء تعلمته".

  • الصراع الهوياتي: شعر بالاغتراب بسبب عرقه المختلط، ووصف نفسه بأنه "ليس من أي مكان ومن كل مكان". وجد ملاذًا في الكتب، حيث كان يقرأ أعمالًا صعبة مثل ماركس وفوكو لمحاولة فهم العالم وإثارة إعجاب الفتيات، كما يذكر بلسان ذي حَدَب.

من الشغف الاجتماعي إلى الساحة السياسية

  • العمل المجتمعي في شيكاغو: بعد تخرجه من جامعة كولومبيا، عمل مع مجتمعات متضررة من إغلاق مصانع الصلب. هنا اكتسب دروسًا أساسية:

    • أهمية الإنصات بدل التنظير.

    • كيفية تحويل الغضب المجتمعي إلى حركة منظمة.

  • الإلهام السياسي: انتخاب هارولد واشنطن، أول عمدة أسود لشيكاغو، زرع فيه فكرة أن التغيير ممكن عبر السياسة.

  • الانتكاسة والانتعاش: خسارته عام 2000 في انتخابات الكونغرس أمام منافس جمهوري مرموق جعلته يشعر بالإفلاس المادي والمعنوي، وكاد ينسحب من السياسة. لكنه قرر العودة بشرط موافقة ميشيل، التي طالبت بالتزام عائلي أكبر.


الجزء الثاني: الصعود إلى الرئاسة (الفصول 5-9)

من خطاب واحد إلى حملة تاريخية

  • الانطلاق الوطني: خطابه المؤثر في المؤتمر الوطني الديمقراطي عام 2004 جعله نجماً سياسيًّا. يقول عن تلك اللحظة: "كانت آخر مرة أدخل فيها غرفة دون أن يعرفني أحد".

  • فلسفة القيادة: تبنى مقولة تيد كينيدي: "القوة لإلهام الآخرين نادرة... أنت لا تختار الزمن، الزمن يختارك".

  • تحديات الحملة:

    • العنصرية: تعرض لانتقادات مثل "ليس أسودًا بما يكفي" أو "أمريكا غير مستعدة لرئيس أسود".

    • الرقابة الدائمة: كل كلمة تُسجل وتُحلل، مما دفعه لتبني إستراتيجية "عدم الإجابة عن السؤال بل تمرير الرسالة" كما نصحه ديفيد أكسلرود.

ميشيل وجو بايدن: شركاء الرحلة

  • الزوجة: تصف علاقتهما بـ"التكامل": "لم نحب بعضنا فقط، بل كنا فريقًا يكمل أحدنا الآخر". كانت تشير إلى نزعته لاختيار "الطريق الأصعب" دائمًا.

  • نائب الرئيس: اختار بايدن لاختلافه الجذري عنه في الطباع (دفء مقابل برودة)، وخبرته في السياسة الخارجية، ونزاهته. قال بايدن له: "أريد أن أكون آخر شخص في الغرفة عند اتخاذك القرارات المصيرية".

الأزمة المالية والانتصار الانتخابي

  • الانهيار الاقتصادي 2008: يصف كيف أن صديقًا له حذره من فقاعة الرهن العقاري قبل سنوات، لكن التحذيرات تجاهلت بسبب جشع وول ستريت.

  • الرد الاستراتيجي: خلال الأزمة، رفض مهاجمة بوش أو الجمهوريين علنًا لإفساح المجال لخطة الإنقاذ، مما كسبه مصداقية كقائد يضع البلاد فوق الحزب.


داخل البيت الأبيض (الفصول 10-24)

التحديات الداخلية: من الركود إلى الرعاية الصحية

  • قانون الرعاية بأسعار معقولة (أوباما كير):

    • المعركة السياسية: واجه معارضة شرسة من الجمهوريين وحركة "حفل الشاي"، واتُهم بـ"تأميم الصحة".

    • الانتصار الهش: مروره بفارق صوت واحد في الكونغرس يعكس الاستقطاب السياسي.

  • فلسفة صنع القرار: يشرح أن 90% من القرارات الرئاسية تعتمد على احتمالات (مثال: 70% فرصة نجاح خطة، 30% فشل). المفتاح ليس "الكمال" بل "التفكير المنهجي" القائم على الحقوق وسماع آراء متنوعة، حتى المخالفة منها.

السياسة الخارجية: بين الدبلوماسية والقوة

  • جائزة نوبل للسلام 2009: تسلمها وهو يقول: "مقابل ماذا؟"، واصفًا المشهد بأن الجماهير كانت "تهتف لوهم" عن قوة فرد لتغيير العالم.

  • عملية قتل بن لادن:

    • المخاطر: احتمال فشل العملية 40%، وتداعيات دبلوماسية لو دُمرت مروحة "بلاك هوك" في باكستان.

    • اللحظة الفاصلة: مشاهدته العملية مباشرة في الغرفة الموقتة كـ"أول عمل عسكري حي أشهده"، ووصفه الصمت الذي ساد الغرفة بعد تأكيد مقتل بن لادن.

  • النقد الذاتي: يعترف بأنه بالغ في الاعتماد على الدبلوماسية مع بوتين، الذي يصفه بأنه "يتباهى بقوته الذكورية كمراهق على إنستغرام".

الجانب الإنساني: التوازن بين السلطة والعائلة

  • دور ماريان روبنسون: والدة ميشيل، التي عاشت معهم في البيت الأبيض، ووفرت الاستقرار لبناتهما ماليا وساشا.

  • الصلاة الليلية: كان يدعو كل ليلة: "شكرًا على النعم، وسامح خطاياي، واحمِ عائلتي والشعب الأمريكي".

  • الندم: تساؤله الدائم إذا كان "الغموض الذي يحاول ملؤه" بالسياسة يستحق التضية بوقت مع بناته.


الموضوعات المركزية والتحليل النقدي

الموضوعات المهيمنة

  1. القيادة كعملية وليس كمالًا:

    • التشديد على "التواضع الفكري" وضرورة وجود "مخالف في الغرفة" لتفادي التفكير الجماعي.

    • الاقتباس المفتاح: "لا توجد مشكلة تصل إلى مكتب الرئيس لها حل كامل بنسبة 100%".

  2. التناقض الأمريكي:

    • الإيمان بـ"فكرة أمريكا" (المساواة، الفرص) مقابل واقع العنصرية والتفاوت. يكتب: "تتشبث بأمريكا الموعودة بعناد يفاجئ حتى نفسي".

  3. ثمن السلطة:

    • العزلة: "كل كلمة تُسجل... كل فعل يُحلل".

    • التضحية العائلية: صراعه مع غيابه عن حفلات بناته المدرسية.

نقاط القوة والضعف في السرد

  • القوة:

    • الصدق في كشف الشكوك (مثل تساؤله "هل أنا مستعد لقيادة العالم؟").

    • وصف حيوي للمشاهد (مثل رائحة العرق في قاعات الحملات، أو توتر غرفة الأزمات خلال عملية بن لادن).

  • الضعف:

    • تجاهل نسبي لانتقادات اليسار (مثل ترحيل المهاجرين أو توسيع العمليات العسكرية).

    • طول التفاصيل أحيانًا يعيق الإيقاع.

التقييم الأدبي والتراث

  • الأسلوب: يدمج السرد القصصي مع التحليل السياسي، مستخدمًا استعارات شعرية (مثل "الركض وراء قطار التاريخ").

  • الإرث: الكتاب ليس سيرة ذاتية فقط، بل دراسة عن كيفية عمل الديمقراطية تحت الضغط. كما يقول: "الديمقراطية ليست هبة من السماء، بل تُبنى يومًا بعد يوم".


ماذا تبقى من الوعد؟

"الأرض الموعودة" ينتهي بسؤال ضمني: هل يمكن لأمريكا أن تحقق وعدها؟ أوباما يترك القارئ مع إيمانه بـ"إمكانية التقدم" رغم الصعوبات.

 الجزء الثاني المتوقع سيتناول الفترة الأصعب: إعادة الانتخاب عام 2012، أزمة سوريا، وصول ترامب، وتحدي الحفاظ على الأمل في زمن الانقسام.

 الكتاب ليس فقط توثيقًا لتاريخ شخصي، بل مرآة لتاريخ أمريكا في حقبة مضطربة، ودليلًا على أن القيادة الحقيقية تعترف بالهشاشة البشرية.

"الناس يتحركون بالمشاعر، ليس بالحقائق. مهمتي كانت استثارة أفضل ما في مشاعرهم" — باراك أوباما

إرسال تعليق

1 تعليقات