فضائح الجيش الأمريكي

The Fort Bragg Cartel

 

 The Fort Bragg Cartel: Drug Trafficking and Murder in the Special Forces by Seth Harp

 الجرح الذي في القلب

كتاب "The Fort Bragg Cartel" للصحفي الاستقصائي سيث هارب هو تحقيق مذهل ومقلق يكشف عن واحدة من أكثر فضائح الجيش الأمريكي إثارة للصدمة في العقود الأخيرة. 

إنه ليس مجرد سرد لجرائم مخدرات وقتل، بل هو غوص عميق في الثقافة السامة، والصدمات غير المعالجة، وانحراف النخبة العسكرية التي يفترض أنها الأكثر انضباطاً وولاءً في الولايات المتحدة: القوات الخاصة. 

يروي هارب قصة كيف تحول أبطال حرب، خدموا بلادهم في أكثر ساحات القتال خطورة، إلى عصارة مخدرات تقتل وتتاجر بالمخدرات في الداخل، وكيف أن النظام الذي كان من المفترض أن يحميهم فشل في اكتشاف انهيارهم الأخلاقي أو منعه.

الإطار الزمني والخلفية: الحروب الطويلة والجروح الخفية

يضع هارب القارئ في السياق التاريخي والنفسي للأحداث، التي بلغت ذروتها بين عامي 2018 و2020. 

لقد عاد جيل كامل من جنود القوات الخاصة، وخاصة من فرقة "الصاعقة" (الوحدة ٣٢٧) والوحدات الخاصة الأخرى في فورت براغ، كارولاينا الشمالية، من عدة تناوبات في حربي العراق وأفغانستان.

 لقد كانوا محطمي النفسية، يعانون من إصابات دماغية رضحية (TBI)، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بمستويات وبائية، وإرهاق من حروب لا نهاية لها.

كان النظام الطبي العسكري غير مجهز بشكل كبير للتعامل مع هذه الموجة من الصدمات. وبدلاً من تقديم الرعاية النفسية الفعالة، لجأ العديد من الجنود إلى العلاج الذاتي. 

هنا، يدخل عنصران رئيسيان: الكحول، ومسكنات الألم الأفيونية التي كانت تُصرف بسهولة للإصابات الجسدية. سرعان ما أصبح الإدمان على المواد الأفيونية وباءً داخل هذه الوحدات. 

وعندما أصبحت هذه الأدوية باهظة الثمن أو صعبة المنال، تحول الجنود إلى بديل أرخص وأقوى: الهيروين، وفي النهاية، الفنتانيل القاتل.

صعود العصابة: من الجنود إلى بارونات المخدرات

يحدد هارب المجموعة الأساسية التي شكلت ما أطلق عليه "عصابة فورت براغ". كان أبرزهم الرقيب الأول توماس "تومي" واتسون، الذي لم يكن مجرد متعاطٍ، بل تحول إلى تاجر رئيسي. انضم إليه آخرون مثل المخضرمين في القوات الخاصة الذين وجدوا في تجارة المخدرات مصدراً للدخل والإثارة حل محل غياب القتال.

لم تكن هذه عملية فردية. يصف الكتاب كيف قامت الشبكة بتهريب المخدرات إلى قاعدة فورت براغ نفسها، مستفيدة من معرفتهم الداخلية بأنظمة الأمن والمراقبة. 

كانوا يستخدمون سياراتهم الشخصية، ويخزنون المخدرات في منازلهم خارج القاعدة، بل ويوزعونها داخل القاعدة نفسها، معتمدين على ثقافة الصمت والثقة العمياء داخل مجتمع القوات الخاصة.

كانت الجرائم لا تقتصر على التوزيع. لقد ارتكب أفراد العصابة سلسلة من السرقات المسلحة، بما في ذلك سرقة متجر للأسلحة النارية، للحصول على أموال لتمويل مشترياتهم من المخدرات.

 لقد انغمسوا تماماً في عالم الجريمة، حيث طغت هويتهم كمجرمين على هويتهم كجنود.

جريمة القتل التي هزت الأساسات: مقتل الرقيب الأول ماتوكس

في صيف عام 2020، وصلت الأزمة إلى ذروتها المأساوية. اختفت زوجة أحد أفراد القوات الخاصة، الرقيب الأول تيموثي "تيم" ماتوكس، وهي امرأة شابة تدعى كيلي ماتوكس. كان اختفاؤها غامضاً وأثار شكوكاً فورية.

سرعان ما كشف التحقيق، الذي قاده محققو الجيش بالتعاون مع السلطات المدنية، عن شبكة مروعة من الخيانة والعنف.

 اتضح أن تيم ماتوكس نفسه كان متورطاً بعمق في شبكة المخدرات التي يقودها زميله، تومي واتسون. وكان الدافع وراء الجريمة مزيجاً من الديون المتعلقة بالمخدرات والشكوك غير المؤكدة حول علاقة غرامية بين كيلي وواتسون.

بتفصيل مروع، يروي هارب كيف جرى التخطيط للجريمة وتنفيذها. قام تيم ماتوكس، بدوافع يبدو أنها مالية وشخصية معقدة، بقتل زوجته كيلي بدم بارد. 

ثم استدعى شريكه في الجريمة، واتسون، للمساعدة في التخلص من الجثة. قام الاثنان بنقل الجثة إلى موقع نائي في غابة محلية وحرقها في محاولة بشعة لإخفاء الأدلة. كانت وحشية الفعل وبرود أطرافه صادمة حتى للمحققين القدامى.

الشبكة الممتدة: روابط مع عصابات الموت والمخدرات المكسيكية

أحد أكثر جوانب الكتاب إثارة للقلق هو اتصال عصابة فورت براغ بعالم الجريمة المنظمة الأوسع. لم يكن هؤلاء الجنود مجرد متعاطين أو موزعين صغار. لقد كانوا يتعاملون مباشرة مع أعضاء من عصابة "المافيا المكسيكية" (Mexican Mafia)، وهي منظمة إجرامية عنيفة لها نفوذ في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

بل إن الكتاب يذكر أن أحد أفراد العصابة، وهو أيضًا من مخضرمي القوات الخاصة، قد سافر بالفعل إلى المكسيك في رحلة لشراء كميات كبيرة من المخدرات مباشرة من كارتيل مخدرات مكسيكي. هذا التفصيل وحده يغير طبيعة القصة من قضية فساد محلي إلى قضية أمن قومي، حيث استخدمت الجماعات الإجرامية الأجنبية جنود أمريكيين من النخبة لتهريب المخدرات وتوسيع نفوذها.

الثقافة والفشل المؤسسي: لماذا سُمح بحدوث هذا؟

هنا يتحول كتاب هارب من مجرد سرد للجرائم إلى نقد لاذع للثقافة المؤسسية داخل الجيش الأمريكي ووحداته الخاصة. فهو يجادل بأن الجريمة كانت نتيجة حتمية لعدة إخفاقات نظامية:

  1. ثقافة الصمت ("الستائر الخضراء"): الثقافة التي تمنع الجنود من "وشاية" زملائهم، حتى عندما يكونون على علم بسلوكهم المنحرف أو الإجرامي. هذا الحاجز من السرية، الحيوي في ساحة المعركة، أصبح ساماً وقاتلاً في الداخل.

  2. إهمال الصحة العقلية: فشل القيادة والهيئات الطبية في التعرف على حجم مشاكل الصدمات النفسية والإدمان بين قواتها، وتقديم العلاج الفعال والملائم بدلاً من الوصم الذي يمنع الجنود من طلب المساعدة.

  3. انعدام المساءلة: شعور بعض أفراد القوات الخاصة بأنهم "غير قابلين للمساءلة" بسبب مكانتهم كأبطال. أدى هذا إلى إحساس بالاستحقاق والحصانة، مما سمح لهم بالاعتقاد أن القواعد العادية لا تنطبق عليهم.

  4. فشل القيادة: يوجه هارب انتقادات مباشرة للقادة في فورت براغ، متسائلاً كيف فشلوا في ملاحظة التدهور الأخلاقي والسلوكي الواضح بين مرؤوسيهم، ولماذا لم تكن هناك آليات مراقبة ورقابة فعالة داخل الوحدات.

الانهيار والعواقب: سقوط الأبطال

لم تستمر الشبكة طويلاً بعد جريمة القتل. أدى التحقيق المطرد إلى تفكيكها بسرعة. تم اعتقال تيم ماتوكس وتومي واتسون وآخرين متورطين. 

ووجهت إليهم تهم  تشمل القتل من الدرجة الأولى، والتآمر، وحيازة المخدرات بقصد التوزيع.

في المحكمة، بدت الصورة مأساوية. جنود سابقون، كان من الممكن أن يكونوا رموزاً للشرف، يقفون مقيدين بالأغلال ويعترفون بجرائمهم. في النهاية، حُكم على تيم ماتوكس بالسجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج المشروط، بينما حصل واتسون على عقوبة طويلة أيضاً. كانت نهاية مأساوية لمسيرات كان من الممكن أن تكون مبهرة.

الخاتمة: الدروس والتداعيات المستمرة

يختتم سيث هارب كتابه بتأملات حول التداعيات الأوسع للفضيحة. إنها ليست مجرد قصة عن "بضعة تفاحات فاسدة"، بل هي عرض لأعراض خلل أعمق.

  • أزمة الصحة العقلية: سلطت القضية ضوءاً ساطعاً على الكيفية التي تخذل بها الأمة جنودها العائدين. أصبح من الواضح أن علاج الصدمات والإدمان ليس رفاهية، بل هو ضرورة أمنية وطنية.

  • تآكل الثقة: اهتزت ثقة الجمهور بمؤسسة عسكرية كانت تُعتبر دوماً فوق الشبهات. طرح الكتاب سؤالاً مزعجاً: إذا كان بإمكان هذا الانحراف أن يحدث في صفوف النخبة، فما مدى انتشاره في بقية الجيش؟

  • التهديد الأمني الداخلي: كشف التعاون مع عصابات الموت والمكسيكيين عن ثغرة خطيرة في الأمن الداخلي، حيث يمكن للمهارات القتالية المتطورة أن تنقلب ضد الدولة نفسها إذا وقعت في الأيدي الخطأ.

إن "The Fort Bragg Cartel" وثيقة تاريخية مهمة، وكتحذير صارخ. إنه يذكرنا بأن البطولة في ساحة المعركة لا تعفي من الضعف البشري أو المسؤولية الأخلاقية.

 وأن أعظم تهديد للجيش قد لا يأتي من عدو خارجي، بل من الشياطين الداخلية التي لا يتم مواجهتها، والثقافة التي تسمح لها بالازدهار. 

الكتاب هو قصة مأساوية عن كيف يمكن للحرب أن لا تقتل الجسد فحسب، بل يمكن أن تقتل الروح أيضاً، وكيف أن إهمال هذه الأرواح المصابة يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على الجنود أنفسهم والمجتمع الذي تعهدوا بحمايته.

إرسال تعليق

0 تعليقات