خسارة الحرب - سقوط طالبان وصعودها

خسارة الحرب - سقوط طالبان وصعودها

 

خسارة الحرب: سقوط طالبان وصعودها

 'To Lose a War: The Fall and Rise of the Taliban' لجون لي أندرسون

 تحليل شامل للأسباب والتداعيات

تمهيد

"To Lose a War: The Fall and Rise of the Taliban" هو عمل توثيقي عميق للصحفي المخضرم جون لي أندرسون، يجمع بين دفتيه تقارير ميدانية كتبها على مدى أكثر من عقدين من التغطية الإعلامية لأفغانستان. 

يعتبر أندرسون أحد أبرز المراسلين الحربيين في جيله، حيث عمل ككاتب في مجلة The New Yorker وتخصص في تغطية مناطق الصراع والحركات الثورية حول العالم من أفغانستان والعراق إلى سوريا وأمريكا اللاتينية.

 يمثل هذا الكتاب تجميعًا لمعظم تقاريره المنشورة في المجلة، مع إضافة بعض المواد الجديدة التي تسلط الضوء على رحلة الولايات المتحدة الطويلة والمؤلمة في أفغانستان.

يغطي الكتاب الفترة من عام 2001، بعد اغتيال القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود مباشرة، وحتى أواخر عام 2021 بعد انسحاب القوات الأمريكية واستعادة طالبان للسلطة

عبر هذه المادة الغنية، يحاول أندرسون الإجابة على سؤال مركزي: كيف تمكنت الولايات المتحدة، القوة العظمى الأكثر تطورًا في العالم، من "خسارة" الحرب أمام حركة طالبان التي بدت بدائية بالمقارنة؟

 الهيكل والمحتوى الرئيسي 

الخلفية التاريخية والسياق

يبدأ أندرسون كتابه بوضع أفغانستان في إطارها التاريخي الأوسع، واصفًا إياها ليس كـ"أمة" بالمعنى الحديث، بل كـ"ساحة معركة للتاريخ"

هذه الرؤية التأسيسية مهمة لفهم كيفية تعامل القوى الخارجية مع البلاد وتكرار أخطاء الماضي. يشير إلى أن التدخل السوفيتي في الثمانينيات وماترلاه من انسحاب أمريكي بعد هزيمة السوفيت، خلق فراغًا سياسيًا وأمنيًا مهد لصعود طالبان في التسعينيات.

الغزو الأمريكي والأيام الأولى (2001-2002)

يخصص أندرسون جزءًا كبيرًا من الكتاب للفترة التالية مباشرة لهجمات 11 سبتمبر 2001، حيث كان حاضرًا في كابول عند نقطة التحول تلك. 

يصف الأجواء المتفائلة نسبيًا تلك الأيام، حيث فرت طالبان إلى الجبال، وبدا أن البلاد على أعتاب مستقبل جديد. يقتبس من غلام سرور أكبرادي، الشيوعي الأفغاني السابق، الذي انتقد بشدة انسحاب الولايات المتحدة بعد هزيمة السوفيت: "بعد أن غادر السوفيت، وانتصر المجاهدون، بدلاً من مساعدتهم في إنشاء حكومة جيدة، نسيَت أمريكا أفغانستان. لا ينبغي لأمريكا أن تكون قد فعلت هذا".

 الجدول الزمني للأحداث الرئيسية في أفغانستان 

العامالحدث الرئيسيالملاحظات حسب أندرسون
1980sالحرب السوفيتية الأفغانيةتدخل سوفيتي دموي، تلاها انسحاب أمريكي وإهمال
1996-2001حكم طالبان الأولفرضت تفسيرًا متشددًا للشريعة، استضافة بن لادن
2001الغزو الأمريكيإسقاط سريع لطالبان، تفاؤل حذر بالمستقبل
2002-2014الاحتلال والتمردتدهور تدريجي للأوضاع، عودة طالبان تدريجيًا
2014-2021انسحاب القوات القتاليةانتقال إلى دور استشاري، لكن استمرار القتال
2021الانسحاب الأمريكي الكاملعودة طالبان للسلطة، مشاهد فوضى في كابول

سنوات الاحتلال والتدهور التدريجي (2003-2014)

ينتقل أندرسون بعدها إلى وصف التدهور التدريجي للأوضاع خلال العقد الأول من الاحتلال. من خلال تقارير ميدانية مفصلة، يرصد كيف تحولت البعثة الأمريكية من عمليات "مكافحة الإرهاب" إلى حرب وجود ضد تمرد متجذر ومتزايد.

 فصل رئيسي في هذا الجزء هو "يوم الوادي السوبر" (The Day of the Superwadi) من عام 2010، والذي رفض أندرسون في البداية نشره لأنه شعر أنه يصور "قوة عسكرية عالقة في عدم جدوى مميتة".

في هذا التقرير، الذي كتبه بعد مع سرب فرسان في مايواند بجنوب أفغانستان، يصور أندرسون وفاة جنود أمريكيين شباب في انفجارات عبوات ناسفة، معبرًا عن الشعور بالاغتراب والانفصال عن الواقع الأفغاني.

 يقول: "لقد كرهت حقًا عملية ال. شعرت باغتراب لا يصدق، انفصال. كان بالضبط في نفس المنطقة التي كنت أغطيها في أواخر الثمانينيات، ومع ذلك كنت منفصلاً حتى عن ذلك. غادرت أفغانستان وأنا أشعر بالحيرة".

 تصنيف العوامل خلف فشل الولايات المتحدة في أفغانستان حسب أندرسون

  1. العوامل الهيكلية والإستراتيجية:

    • الفشل في فهم الطبيعة المعقدة للمجتمع الأفغاني: نظرت الولايات المتحدة إلى أفغانستان كدولة حديثة قابلة للتشكيل، بينما هي في واقع الأمر مجتمع قبلي معقد ذو جذور قبلية عميقة.

    • الاستراتيجية العسكرية الخاطئة: تركزت على القوة النارية والعمليات الكبيرة بدلاً من كسب الثقة والتعاون مع السكان المحليين.

  2. العوامل السياسية والقيادية:

    • الفساد داخل الحكومة الأفغانية: دعمت الولايات المتحدة حكومة كارزاي التي بنيت على تحالفات هشة واستوعبت "مجموعة من أمراء الحرب والمسؤولين الفاسدين".

    • تغيير الأولويات: تحول التركيز من أفغانستان إلى العراق في عام 2003، مما أدى إلى نَقص في الموارد والاهتمام.

  3. العوامل الاجتماعية والثقافية:

    • الانفصال عن المجتمع الأفغاني: عاشت القوات والمدنيون الأمريكيون في "قواعد عائمة" منعزلة عن الواقع الأفغاني، مما منعهم من بناء جسور حقيقية.

    • إهمال البعد الثقافي: أدى الفشل في فهم العادات والتقاليد المحلية إلى الاستياء والمقاومة بين السكان.

الانسحاب والعودة الطالبان (2021)

يختتم أندرسون كتابه بتغطية مثيرة للفترة التي أعقبت الانسحاب الأمريكي الكارثي في أغسطس 2021. يعود إلى كابول ليجد نفسه أحد الأجانب القلائل في العاصمة

 بينما تسيطر طالبان مرة أخرى على مقاليد الحكم. يصف المشهد بأنه "محير"، حيث يحاول سكان كابول تجنب عقاب طالبان من خلال طلاء الوجوه على اللافتات وارتداء النساء للحجاب تحسبًا لأي قرار متشدد.

لكن الأمل في نسخة "جديدة ودافئة" من طالبان يتبدد سريعا. من خلال مقابلات مع مسؤولين طالبان، يشك أندرسون في صدق نواياهم: "لم أشعر أنهم تعاملوا معي بصدق... وهكذا يبقى ذلك دون حل". النتيجة كانت عودة القمع المتشدد، خاصة تجاه النساء، اللاتي منعن من التعليم والعمل وحتى التحدث بصوت عالٍ في الأماكن العامة.

 تحليل أطروحة أندرسون المركزية

لماذا خسرت أمريكا الحرب؟

جوهر أطروحة أندرسون يكمن في الفشل الجوهري في الاشتباك مع الواقع الأفغاني. يقارن بين التجربة السوفيتية والأمريكية بشكل مثير للدهشة. على الرغم من الوحشية التي تمتع بها السوفيت (والتي أسفرت عن مقتل مليوني أفغاني على الأقل وتدمير واسع النطاق)، إلا أنهم تركوا وراءهم بنية تحتية وتعليمية ملموسة - مساكن اجتماعية ومستشفيات ومدارس.

في المقابل، كما يلاحظ أندرسون، فإن الإرث الأمريكي هو إرث من القواعد العسكرية والفساد واقتصاد المخدرات. لم تبنِ الولايات المتحدة أي شيء دائم يمكن للناس الإشارة إليه والقول: "الأمريكيون فعلوا هذا". بدلاً من ذلك، يشير إلى: "شاهدت قصور حفلات الزفاف الصاخبة. 

كانت هناك قصور ناركو لأمراء المخدرات - الذين سمح لهم بالازدهار، بصراحة، في الجزء الأول من المشاركة هناك لأنهم انحازوا إلى الغرب في محاربة طالبان - والكثير من السيارات. 

ولكن لا توجد مجموعة من المباني، والإسكان، والمستشفيات أوغير ذلك الكثير من حيث البنية التحتية الحديثة التي يمكن للناس الإشارة إليها والقائلة إن الأمريكيين فعلوا ذلك. إنه أمر محزن جدًا، في رأيي".

هذه العزلة عن الأرض الأفغانية، هذه الفقاعة الأمريكية التي طافت فوق الواقع ولكنها لم تلمسه أبدًا، هي التي حددت مصير الحرب.

 الجنود الأمريكيون، رغم إخلاصهم ومثابرتهم (ويقدم أندرسون صورًا إنسانية عميقة لضباط مثل المقدمين بريان ديني وستيفن لوسكي)، كانوا يحاربون في صراع فقد معناه واستمراريته منذ فترة طويلة.

 ردود الفعل النقدية على الكتاب

تلقى الكتاب ثناءً كبيرًا من معظم النقاد لصدقه وتفاصيله الغنية. وصفه Kirkus Reviews بأنه "أساسي لفهم عدم جدوى أطول حرب في أمريكا".

 ومع ذلك، هناك بعض الانتقادات، خاصة من اليسار، التي تشعر أن أندرسون لم يذهب بعيدًا كافيا في انتقاده للإمبريالية الأمريكية.

إحدى المراجعات على Storygraph تشير إلى أن الكتاب "يعلن في الأصل عن تشكك صحي تجاه الغزو الأمريكي لأفغانستان ولكن في النهاية يتحاشى الانتقادات الأكثر قوة التي انفصال الآثار الوحشية للإمبريالية في الشرق الأوسط".

 وتشير المراجعة إلى أن أندرسون يقدم أحيانًا سياقًا سطحيًا يخفي الحقائق غير المريحة، مثل الدعم الأمريكي لأمراء الحرب والمجاهدين الذين ارتكبوا فظائعهم الخاصة.

 الدروس المستفادة والتأثير الأوسع

الدورة التاريخية المأساوية

يرسم أندرسون أوجه تشابه مقلقة بين الانسحاب الأمريكي بعد هزيمة السوفيت في الثمانينيات والانسحاب الحالي. في كلتا الحالتين، تخلت الولايات المتحدة عن أفغانستان، مما خلق فراغًا سمح للأصولية والتطرف أن يزدهرا.

 هذا النمط من التدخل ثم التخلي هو موضوع متكرر في السياسة الخارجية الأمريكية، كما لخصه تشارلي ويلسون في فيلم "حرب تشارلي ويلسون": "هذا ما نفعله دائمًا. نحن دائمًا ندخل بمُثُلنا ونغير العالم ثم نغادر. نحن دائمًا نغادر. لكن تلك الكرة تستمر في الارتداد".

مصير المرأة الأفغانية

يقيم أندرسون وضع المرأة كمعيار مركزي للفشل. لقد كانت الوعود بتحرير المرأة إحدى المبررات الرئيسية للغزو، لكن النتيجة كانت عودة إلى عصر أكثر 

قتامة. يروي كيف أن "كل امرأة تقريبًا قابلتها والقادرة على التحدث معي بمفردها طلبت مني المساعدة في الخروج من البلاد". إن إغلاق المدارس والجامعات أمام الفتيات، ومنع النساء من العمل أو حتى التحدث في الأماكن العامة، هو نفي كامل لوعود التحرير التي قطعها المجتمع الدولي.

مستقبل أفغانستان: التحديات والتوقعات

من خلال عيون أندرسون، يبدو مستقبل أفغانستان قاتمًا. البلاد تواجه مجاعة جماعية، مع قطع المساعدات الإنسانية، وتواصل طالبان في الحكم عبر القمع بدلاً من التوافق. 

الصراعات الداخلية داخل طالبان نفسها، وكذلك تهديد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) - الذي يسميه أندرسون "فرانكشتاين داعش" - تشير إلى أن مرحلة جديدة من العنف قد تكون على الأبواب.

يخلص أندرسون إلى أن أفغانستان لم تصل أبدًا إلى مرحلة جديدة بدون إراقة الدماء. "هذا الغرور الذي لدينا في الغرب، بأنه يمكنك فقط الوصول إلى العتبة التالية من التاريخ melalui مفاوضات السلام أو نوع من الميثاق المدني... لا يحدث في العالم القديم. لا يحدث في هذا المكان. يتم الوصول إلى المراحل الجديدة دائمًا melalui إراقة الدماء".

 ملخصا

"To Lose a War" هو أكثر من مجرد مجموعة من التقارير الميدانية؛ هو سرد مؤرخ وشاهد على عصر. قوة أندرسون تكمن في قدرته على الجمع بين التفاصيل الدقيقة للوجود البشري خلال الحرب (ذبح الحملان، هندسة الجدران الواقية من الانتحار في كابول) مع التحليل الجيوسياسي واسع النطاق.

الكتاب ليس إدانة بسيطة للتدخل الأمريكي، بل هو تحليل دقيق للغاية للأسباب الجذرية للفشل: الغرور، والجهل بالتعقيدات المحلية، والفساد، وقصر النظر السياسي، وفي النهاية، الفشل في بناء جسور حقيقية مع الشعب الأفغاني.

 إنه خدمات كتحذير قوي للقوى الخارجية التي تسعى إلى إعادة تشكيل المجتمعات من خلال القوة العسكرية، وكتذكير مأساوي بالثمن البشري المروع الذي دفعه الشعب الأفغاني في ساحة معركة تاريخيه.

من خلال هذا العمل، يؤكد جون لي أندرسون مكانته كواحد من أبرز المراسلين الحربيين وكتاب التاريخ المعاصر، حيث يقدم مساهمة أساسية لفهمنا ليس فقط للحرب في أفغانستان، ولكن كذللك لطبيعة الصراع الحديث والتعقيدات التي لا تنتهي للتدخل الدولي

إرسال تعليق

0 تعليقات