التوت البري: العطاء والتبادلية في الطبيعة

 


التوت البري: العطاء والتبادلية في الطبيعة

لـ روبن وال كيميرير

في كتابها الجديد The Serviceberry: Abundance and Reciprocity in the Natural World، تواصل الكاتبة وعالمة البيئة روبن وال كيميرير (عضو في قبيلة البوتاواتومي والحائزة على زمالة ماك آرثر) استكشافها للعلاقة بين الحكمة الأصلية والعلم الحديث، مبنيةً على نجاح كتابها السابق Braiding Sweetgrass. الكتاب، الذي يقع في حوالي 128 صفحة مع رسومات توضيحية لـ جون بورغوين، يقدم رؤيةً ملهمةً لإعادة تخيل الاقتصاد البشري عبر دروس الطبيعة، مركزاً على شجرة التوت البري (Serviceberry) كمثالٍ حي للتبادلية والوفرة.


الفصل الأول: التوت البري كنموذج للتبادلية

تُعتبر شجرة التوت البري (المعروفة أيضاً باسم Saskatoon أو Juneberry) رمزاً للعطاء في الثقافات الأصلية. تشرح كيميرير كيف توزع الشجرة ثمارها بلا حساب، ليس كمواردٍ تُستَغل، بل كـهدايا تُغذي الطيور والحشرات والثدييات، بما في ذلك البشر. هذا التوزيع ليس عملاً تضحوياً، بل ضماناً لبقائها: فالبذور التي تنتشر عبر فضلات الكائنات تُنبت أشجاراً جديدة، مما يعزز التنوع البيئي.

في لغة البوتاواتومي، يُسمى التوت البري Bozakmin، حيث يشير الجزء "min" إلى "التوت" و"الهدية" في الوقت نفسه. هذا الربط اللغوي يعكس نظرةً عالميةً ترى الطبيعة كشبكة من العلاقات المتبادلة، لا كمخزنٍ للموارد.


الفصل الثاني: اقتصاد الندرة مقابل اقتصاد الهبة

تعرض كيميرير نقداً لاذعاً للنظام الاقتصادي الحديث القائم على الندرة والمنافسة، الذي يدفع إلى الاحتكار وتدمير البيئة. تقارن هذا بــاقتصاد الهبة الذي تعيشه النظم البيئية، حيث يُقاس الثراء بجودة العلاقات، لا بتراكم الماديات.

مثال من الطبيعة:

عندما يحصل صياد في غابة الأمازون على فريسةٍ كبيرة، لا يُخزن اللحم، بل يدعو الجيران لوليمةٍ تُستهلك فيها كل القطع. هذا النموذج، الذي يبدو "غير عقلاني" للاقتصاد الغربي، يُظهر ثقةً في أن الوفرة ستُعاد عندما يحتاج الآخرون.

مثال بشري:

تذكر الكاتبة مبادرات مثل المكتبات المجانية الصغيرة أو تبادل المنتجات الزراعية، والتي تعكس بقايا اقتصاد الهبة في المجتمعات المعاصرة. ومع ذلك، تشير إلى أن هذه المبادرات تواجه تحديات في الحفاظ على الاستدامة، خاصةً في ظل هيمنة الثقافة الفردية.


الفصل الثالث: الامتنان والمسؤولية

الامتنان، في منظور كيميرير، ليس مجرد كلمة شكر، بل التزام أخلاقي بالمشاركة والعناية. عندما تقطف التوت البري، تشعر بأنها جزء من دائرة العطاء: تقدم الماء للأشجار، أو تتبرع لدعم حماية الأراضي، أو تُشارك الثمار مع الجيران. هذه الأفعال تُعزز الانتماء إلى المجتمع الطبيعي والإنساني.

قصة شخصية:

بينما كانت كيميرير تجمع التوت مع الطيور، لاحظت أن الثمار التي تتركها للطيور تُسهم في تلقيح البذور ونمو غابات جديدة. هذا التفاعل البسيط يختزل فلسفة الكتاب: "الازدهار المتبادل".


الفصل الرابع: تحديات تطبيق اقتصاد الهبة

رغم جمال الرؤية، تعترف الكاتبة بصعوبة تبني نموذج التبادلية في عالمٍ تسيطر عليه الرأسمالية. على سبيل المثال، أثناء قراءتها للكتاب في مطارٍ تعطلت رحلته، تساءلت: كيف يمكن الحديث عن الوفرة عندما يكون هناك نقصٌ في مقاعد الطائرات؟.

نقاط الضعف:

  1. المثالية vs. الواقع: قد تفشل مبادرات مثل المكتبات المجانية إذا تحولت إلى مكانٍ للتخلص من الكتب التالفة.

  2. القياس: كيف ننقل نموذجاً محلياً إلى مستوى عالمي معقد؟

  3. الصراع الثقافي: هيمنة قيم الفردية والاستهلاك تعيق تبني مفاهيم "الكفاية" و"المشاركة".


الفصل الخامس: الحلول المقترحة

1. إعادة تعريف الثراء:

الثراء الحقيقي يكمن في جودة العلاقات، لا في امتلاك الأشياء. تقترح كيميرير أن نتعلم من النباتات التي تتعاون بدلاً من التنافس، مثل أشجار الغابة التي تتشارك المغذيات عبر الجذور.

2. الاقتصاد البيئي:

تستشهد بـالاقتصاد البيئي، الذي يدمج النظم الطبيعية في الحسابات الاقتصادية، كخطوة نحو الاعتراف بقيمة الهدايا الطبيعية مثل الهواء النقي والماء.

3. العدالة البيئية:

تبرعت كيميرير بكل عائداتها المادية من الكتاب لدعم مشاريع حماية الأراضي واستعادتها، كمثالٍ عملي على التبادلية.


الخاتمة: دعوة للانضمام إلى دائرة العطاء

الكتاب ليس مجرد تحليلٍ اقتصادي أو بيئي، بل دعوة روحية لإعادة اكتشاف انتمائنا إلى الأرض. عبر قصص التوت البري والطيور والصيادين، تذكّرنا كيميرير بأن "التكديس لن ينقذنا، فالازدهار دائماً متبادل".

في عالمٍ يعاني من أزمات المناخ والتفاوت الاجتماعي، يقدم The Serviceberry بديلاً متفائلاً: اقتصاداً قائماً على الامتنان، حيث يكون لكل فرد دور في الحفاظ على دورة الحياة. وكما تقول الكاتبة: "عندما نسمي العالم هدية، نصبح مسؤولين عن حمايته".


التقييم النهائي والأثر

حصل الكتاب على تقييماتٍ عالية من نقادٍ مثل واشنطن بوست والتايمز، ووصفته أوبرا ديلي بأنه "نشيدٌ للحب تجاه العالم". رغم تحفظات بعض القراء على واقعية أفكاره، يبقى الكتاب مرجعاً أساسياً لكل من يسعى إلى فهمٍ أعمق لعلاقة الإنسان بالطبيعة.


إرسال تعليق

0 تعليقات