"شجرة البؤس" لطه حسين
السياق التاريخي والأدبي للرواية
صدرت رواية "شجرة البؤس" لأول مرة في 1 يونيو 1943 عن دار المعارف بالقاهرة، وهي تُعد من أبرز الأعمال الواقعية الاجتماعية لعميد الأدب العربي طه حسين (1889–1973). تأتي الرواية في 148-188 صفحة حسب الطبعات المختلفة، وتنتمي إلى المدرسة الواقعية النقدية التي تعكس تشريحاً دقيقاً للمجتمع المصري في أوائل القرن العشرين، لا سيما في الأرياف والمدن الثانوية. تجمع بين العمق الفلسفي والبساطة السردية، وتُظهر تأثير طه حسين التنويري في فضح الظلم الاجتماعي والقمع الأبوي .
الحبكة المركزية: شجرة البؤس وجذور المعاناة
تدور الرواية حول صداقة تجاريتين بين علي (تاجر من إقليم مصري) وعبد الرحمن (تاجر من القاهرة)، تقودهما رغبتهما في توثيق العلاقة عبر مصاهرة أبنائهما. يُجبر خالد (ابن علي) على الزواج من نفيسة (ابنة عبد الرحمن)، رغم تحذيرات أم خالد:
"إنك إن أتممت هذا الزواج لم تزد على أن تغرس في دارك شجرة البؤس" .
نفيسة، التي توصف بـ"الوجه الدميم"، تُعاني منذ البداية من نبذ المجتمع وحتى أقرب الناس إليها. رغم بداية زواج سعيد، ينهار الوئام مع ولادة ابنتيهما:
سميحة: جميلة المظهر، مما يدفع خالد لمقارنة زوجته بها وإذلالها.
جلنار: قبيحة كأمها، فتصبح هدفاً للاضطهاد المتوارث .
تتفاقم أزمة نفيسة نفسياً حتى تُصاب بجنون، بينما يتزوج خالد من منى ابنة التاجر الثري مسعود، تنفيذاً لوصية شيخ القرية، مما يكرس دورة جديدة من البؤس .
الشخصيات: تمثيلات للظلم الاجتماعي
نفيسة وجلنار: تجسدان معاناة المرأة في مجتمع يقيس قيمتها بجمالها. تُورث دمامة الأم لبنتها، لتصبحا ضحيتين لـ"شجرة البؤس" المتجذرة في العائلة .
خالد: شخصية انقيادية تتحول من ضحية (لإجباره على الزواج) إلى جلاّد (بعد إيذائه نفيسة). يمثل الصراع بين الواجب الاجتماعي والرفض الإنساني .
الشيخ والإقطاع الديني: سلطته المطلقة في تزويج الناس وتفكيك أسرهم ترمز إلى هيمنة رجال الدين على الحياة الخاصة، كما في إجبار خالد على الزواج بمنى .
علي وعبد الرحمن: يمثلان الجشع التجاري الذي يحوّل البشر إلى أدوات لترسيخ النفوذ المادي .
الثيمات الرئيسية: أكثر من مجرد حكاية عائلية
البؤس المتوارث: تُصوّر الرواية البؤس كـ"شجرة" تُغذّيها القيم الاجتماعية الفاسدة، وثمارها من "الشوك" تُلازم الأجيال. فجلنار ترث معاناة أمها، وسميحة تعيش زواجاً تعيساً رغم جمالها .
صراع الوعي والجهل: يطرح طه حسين إشكالية فلسفية: هل الجهل بالسعادة خير من معرفة البؤس؟ خالد كان سعيداً بزواجه حتى ولادة سميحة التي جعلته يدرك قبح نفيسة، فيقول:
"وكأن جمال الطفلة كشف الغطاء عن عقل أبيها" .
الظلم الطبقي والجندري: تفضح الرواية اضطهاد المرأة وتهميشها بسبب المظهر، كما تكشف استغلال الإقطاعيين للفقراء، مثل إفلاس عبد الرحمن بعد إرغامه على إنفاق ثروته لاستضافة الشيخ .
التغيير الاجتماعي: يظهر عبر تحوّل خالد من تقليد أبيه (في منع التعليم) إلى إلحاق أبنائه بالمدارس، بيعاً لأثاث بيته لتمويل دراستهم .
الأسلوب الأدبي: لغة طه حسين بين الشعرية والواقعية
الرمزية: "شجرة البؤس" مجاز مركزي يعكس استمرارية المعاناة.
اللغة: تجمع بين الفصاحة البليغة وبساطة الوصف، مثل وصف نفيسة:
"كأنها الشيطان" .
البنية السردية: تتبع تيار الوعي لنقل الصراعات النفسية، خاصة في مشاهد جنون نفيسة .
الوصف المكاني: ثنائية الريف (المدينة الأولى) والقاهرة تعكس التمايز الطبقي، بينما الأماكن المغلقة (الغرفة) ترمز للحبس النفسي .
التأثير الأدبي والسياق النقدي
مصدر إلهام لنجيب محفوظ: أشارت مصادر إلى أن الثلاثية الشهيرة لمحفوظ استلهمت بنية "شجرة البؤس" في تصوير الأجيال المتعاقبة .
نقد التقاليد الدينية: هاجم بعض الإسلاميين الرواية لفضحها توظيف الدين في إخضاع المجتمع، بينما أشاد التنويريون بجرأة طه حسين .
التقييم النقدي: حصلت على تقييم 3.6/5 على "غود ريدز"، حيث أشاد القراء بعمقها الإنساني، بينما انتقد البعض تكلف الأسلوب أحياناً .
لماذا تظل "شجرة البؤس" نصاً خالداً؟
رواية طه حسين ليست مجرد سرد لمأساة عائلة، بل هي مرآة لمجتمعاتنا اليوم:
إدانة لتجارة الجمال: تُعاني النساء من التمييز بسبب المظهر في عصر وسائل التواصل.
نقد السلطات الدينية المُزيّفة: لا تزال بعض الخطابات تستغل الدين لترسيخ الهيمنة.
رسالة أمل: تحرر خالد من انقياده الأعمى يُظهر إمكانية كسر "شجرة البؤس" بالوعي والتعليم .
"لكأن للبؤس شجرة تضرب بجذورها في أرواحنا... ثم تطرح ثمارها من حسك وشوك نلوكها مرغمين" .
هذه العبارة التأسيسية تختصر فلسفة الرواية: البؤس ليس قدراً محتوماً، بل نتاج منظومة اجتماعية قابلة للتغيير. بهذا العمق، تظل "شجرة البؤس" نصاً تأسيسياً في الأدب العربي الحديث
أقرأ أيضاَ
ملخصات كل أعمال الاديب والمفكر طة حسين
0 تعليقات