الجنس الآخر، الجزء الأول

 

 "الجنس الآخر، الجزء الأول" لسيمون دي بوفوار

 الإطار الفلسفي والتاريخي للكتاب

الكتاب يعد عملًا تأسيسيًا في الفلسفة النسوية، حيث تحلل دي بوفوار وضع المرأة عبر التاريخ من خلال عدسة الوجودية. تسأل: "ما هي المرأة؟" وتجيب بأنها "الآخر" (L'Autre) في مجتمع يُعرِّف الذكر كمعيارٍ مطلق. فالإنسانية، حسب دي بوفوار، مُصمَّمة ذكوريًا، والمرأة تُعرَّف دائمًا نسبيًا للرجل، لا ككيان مستقل .


الجزء الأول: التحليل العلمي والمقولات الزائفة عن المرأة

1. النقد البيولوجي:

  • تفنِّد دي بوفوار فكرة "التفوق الذكوري البيولوجي"، مؤكدة أن اختلاف الوظائف الجنسية (كالحيض والحمل) جعل المرأة تُختزل في "عبودية الأنواع" (عبودية للتكاثر).

  • لكنها ترفض ربط القيمة الإنسانية بالفسيولوجيا: "لا يمكن بناء القيم على الحقائق البيولوجية"، لأن العوامل الاقتصادية والاجتماعية هي التي حوَّلت الاختلاف إلى تبعية .

2. تفكيك التحليل النفسي (فرويد وأدلر):

  • ترفض تفسير فرويد للأنثوية عبر "حسد القضيب"، وترى أن نظريته تجعل المرأة "رجلًا ناقصًا".

  • كما تنتقد أدلر الذي يختزل صراع المرأة في "الرغبة في التشبه بالرجل"، مُغفلاً دور البنى الاجتماعية في تشكيل الوعي .

3. نقد المادية التاريخية (إنجلز):

  • رغم اتفاقها مع إنجلز أن ظهور الملكية الخاصة عزَّز هيمنة الذكر، إلا أنها تُشكك في ادعائه أن اختراع البرونز كان سببَ "هزيمة الأنثى التاريخية" لغياب الأدلة.

  • تُؤكد أن تحرر المرأة مرهون بـ شرطين: مشاركتها في الإنتاج، وتحررها من "العبودية الإنجابية" .

جدول يلخص مقاربات دي بوفوار للمقولات العلمية:

المقاربةأبرز الانتقاداتالبديل الذي تقدِّمه
البيولوجيااختزال المرأة في جسدها الإنجابيالفسيولوجيا لا تحدد المصير الإنساني
التحليل النفسيتفسير المرأة كـ"ذكر مُخصى"البنى الاجتماعية تُشكّل الهوية
المادية التاريخيةإغفال دور العوامل الثقافية والدينيةالتحرر عبر المشاركة الاقتصادية والإنجابية

الجزء الثاني: تشريح تاريخ اضطهاد المرأة

1. من الأمومة إلى الاستلاب:

  • الأمومة جعلت المرأة "مرتهنةً لجسدها" كالحيوان، فسيطر الرجل عليها وعلى الطبيعة معًا.

  • في المجتمعات البدائية، تمتعت المرأة بقوة عبر عبادة "الإلهة الأم" (كما في آثار سوسا)، لكن الذكورة حوَّلتها إلى أداةٍ للاستلاب .

2. المقارنة بين الحضارتين اليونانية والرومانية:

  • اليونان: عُوملت المرأة كـ"أمةٍ منزلية" (عدا إسبرطة التي منحتها حرية نسبية).

  • روما: تمتعت بحقوقٍ قانونية أكبر (كالميراث)، لكن حريتها ظلت "فارغة" لأن النظام بقي ذكوريًا .

3. الدين والأخلاق: أدوات تهميش:

  • المسيحية (خاصةً خارج التقليد الجرماني) كرَّست دونية المرأة عبر ربطها بـ"الخطيئة الأصلية".

  • كما أن مفاهيم مثل "العفّة" و"الطهارة" حوَّلت جسد المرأة إلى ملكية رمزية للرجل .

4. الثورة الصناعية والتحول الناقص:

  • أتاحت المصانع للمرأة الهروب من المنزل، لكن الأجور الزهيدة وغياب الحقوق جعلا عملها استغلالًا مزدوجًا.

  • حتى الحركات التحررية (كالاقتراع) لم تحقق المساواة، لأن "التفوق الذكوري" بقي مُتجذرًا في الوعي الجمعي .


الجزء الثالث: الأساطير المؤسِّسة لصورة المرأة

تحلل دي بوفوار كيف صاغ الأدب والفكر صورة المرأة كـ"لغز":

  • في الشعر: تصويرها كـ"عذراء طاهرة" (فيرلين) أو "امرأة قاتلة" (بودلير).

  • في الرواية: تقديمها كـ"أنثى حيوانية" (لورانس) أو "شقيقة روحية" (كلاوديل).
    لكنها تؤكد أن هذه الصور "لا تعبِّر عن المرأة، بل عن رغبة الرجل في تشكيلها كـ'آخر' يكشفه لنفسه" .

خرافة "الغموض الأنثوي":

  • الغموض ليس صفةً أنثوية جوهرية، بل نتاج وضعية العبودية: "العبيد يبدون غامضين لأنهم مجبرون على إخفاء أفكارهم".

  • هذه الصور تختفي حين يُعامل الرجل المرأة كندٍّ، كما حدث مؤقتًا في عصر التنوير .


الجزء الرابع: إسقاطات الوضع الأنثوي على الثقافة

1. الزواج مؤسسة استلابية:

  • "الزواج يدمر المرأة دائمًا تقريبًا" لأنه يحولها إلى خادمة منزلية وجسدية.

  • حتى الزوجات في الطبقات العليا (كالنبيلات الإيطاليات في القرن ١٥) كنَّ يعانين من "الحرية الفارغة" لانعدام الاستقلال الاقتصادي .

2. الأمومة بين التقديس والاستغلال:

  • الحمل يُصوَّر كـ"هبة إلهية"، لكنه يجعل المرأة "أداةً سلبية" تُذوب هويتها في خلق حياة جديدة.

  • دي بوفوار تدعو لتفكيك "أسطورة الغريزة الأمومية": "المرأة لا تولد أمًا، بل تُصبح كذلك" .

3. الجسد الأنثوي ساحة صراع:

  • منع الإجهاض ليس قضية أخلاقية بل "تعبير عن السادية الذكورية"، وفقًا لوصف مجلة طبية بريطانية (١٨٧٨) اعتبرت أن لمس المرأة الحائض "يفسد اللحم" .

  • الدعارة نتاج نظام يختزل المرأة في جسدها، بينما "الهيتيرا" (المحظيات المثقفات) تمثلن محاولة للتحرر عبر استغلال الصورة النمطية .


 إرث الكتاب وتأثيره

  • ثوريته: كان أول كتاب يربط اضطهاد المرأة بالبنى الفلسفية والتاريخية، لا بالظرفية الاجتماعية.

  • جدله: مُنع من قِبل الفاتيكان، وأثار غضب اليمين المحافظ واليسار الذكوري.

  • أهميته المعاصرة: رغم مرور ٧٥ عامًا، تبقى فكرة "المرأة كآخر" أساسية لفهم أشكال الاضطهاد الحديثة، كما يتجلى في نقاشات الأجور والجسد والإنجاب .

"لا تُولَد المرأة امرأة، بل تُصبح كذلك" — هذه العبارة التي صاغتها دي بوفوار تُلخص جوهر الكتاب: الأنوثة ليست حتمية بيولوجية، بل بناءً ثقافيًا يُعيد إنتاج التبعية. تحرر المرأة، وفقًا لها، يبدأ برفض وضع "الآخر" والمطالبة بالمشاركة في "الوجود المشترك" (Mitsein) للإنسانية

إرسال تعليق

0 تعليقات