"مستقبل الثقافة في مصر" لطه حسين
السياق التاريخي والفكري للكتاب
الخلفية السياسية: صدر الكتاب عام ١٩٣٨م بعد توقيع معاهدة ١٩٣٦ (معاهدة الشرف والاستقلال) بين مصر وبريطانيا، والتي أثارت آمالًا ببناء دولة مصرية حديثة مستقلة .
الهدف من التأليف: سعى طه حسين إلى وضع رؤية لمستقبل الثقافة المصرية في مرحلة ما بعد الاستقلال، معتمدًا على تحليل تاريخي وفلسفي لعلاقة مصر بالحضارات الأخرى .
الأطروحة المركزية: انتماء مصر للحضارة المتوسطية
يرى طه حسين أن الهوية الثقافية لمصر تنتمي إلى الحضارة الغربية المتوسطية وليست شرقية، مستندًا إلى الحجج التالية:
الجذور التاريخية:
مصر هي مهد الحضارة التي أثرت في اليونان وروما، وتشترك مع دول البحر المتوسط في الإرث الثقافي والقانوني والفلسفي .
العقل المصري "ليس عقلاً شرقيًا" بالمعنى الهندي أو الصيني، بل هو متصل عضوياً بحضارة البحر الأبيض المتوسط منذ العصور القديمة .
الانتماء الجغرافي-الثقافي:
رغم الروابط اللغوية والدينية مع الشرق الأدنى (العالم العربي)، فإن التشابه الثقافي مع أوروبا (خاصة في الفنون، العلوم، والقانون) يفوق أي تقارب مع الشرق الأقصى .
نقد التصنيف الشرقوي:
يعتبر الربط بين مصر والشرق نتيجةً للاستعمار والتخلف المشترك، وليس بسبب هوية أصيلة .
الجدل حول الهوية والانتقادات
أثار الكتاب موجة انتقادات حادة، أهمها:
تجاهل الروابط الشرقية: اتهمه نقاده بإغفال التقارب الثقافي مع الشرق الأدنى (العرب) والتأثير المتبادل في الأدب والعمارة والفقه .
التماهي مع الغرب: رأى البعض أن طرحه يُعزز التغريب ويهدد الخصوصية الثقافية .
المقارنة بكتاب "في الشعر الجاهلي": شُبِّهت الضجة النقدية حول الكتاب بتلك التي واجهتها أفكاره في كتابه السابق حول انتحال الشعر الجاهلي .
رؤية طه حسين لتطوير التعليم والثقافة
يقدم الكتاب مشروعًا لإصلاح التعليم كأداة لتحقيق النهضة:
التعليم كأساس للتنوير:
دعا إلى مجانية التعليم الإلزامي، واعتبره حقًّا لكل مواطن لمواجهة التخلف .
النموذج الأوروبي:
اقترح الاستفادة من الأنظمة التعليمية الأوروبية (خاصة في اليونان وفرنسا) لتطوير المناهج المصرية، مع الحفاظ على التراث العربي الإسلامي .
مكافحة العامية:
رفض استبدال الفصحى بالعامية، ووصف الأخيرة بأنها "لهجة فاسدة" يجب أن تندمج في الفصحى عبر التعليم .
حذّر من أن التخلي عن الفصحى يعني قطع الصلة بتراث عظيم .
اللغة والهوية: دفاع عن الفصحى
موقف صارم من العامية:
"إني من أشد الناس إزورارًا عن الذين يفكرون في اللغة العامية... لأني لا أستطيع أن أتصور التفريط في هذا التراث العظيم الذي حفظته لنا اللغة العربية الفصحى" .
دور التعليم: دعا إلى تبسيط قواعد الفصحى وتيسير تعلمها بدلاً من تبني العامية .
طبعات الكتاب وتأثيره المستمر
السنة | الناشر | الملاحظات |
---|---|---|
١٩٣٨ | دار المعارف | الطبعة الأولى |
٢٠١٤ | مؤسسة هنداوي | نسخة إلكترونية مجانية |
٢٠٢٤ | الهيئة العامة لقصور الثقافة | ضمن سلسلة "ذاكرة الكتابة" |
استمرارية النقاش: لا يزال الكتاب يُدرس ويُحلل في ندوات فكرية، مما يؤكد حضوره في الجدل حول الهوية المصرية .
إرث الكتاب وتناقضاته
رؤية تنويرية أم تغريب؟: يمثل الكتاب محاولة جريئة لربط مصر بجذورها المتوسطية، لكنه يُلام على تجاهله لأبعاد الهوية الشرقية المتأصلة .
تأثير طه حسين العملي: عندما أصبح وزيرًا للمعارف (١٩٥٠)، طبّق أفكاره عبر تعميم مجانية التعليم ودعم الجامعات، مما غيّر المشهد الثقافي المصري .
سؤال دائم: يظل الاستفهام الذي أطلقه طه حسين: "أمصر من الشرق أم من الغرب؟!" قيد النقاش حتى اليوم، مما يجعل الكتاب مرجعًا لا غنى عنه في فهم التحديات الثقافية لمصر الحديثة
0 تعليقات