"فلسفة ابن خلدون الاجتماعية" لطه حسين
١- الخلفية التاريخية والإطار النظري للكتاب
أصل الكتاب: هو أطروحة دكتوراة قدمها طه حسين بالفرنسية في جامعة السوربون عام ١٩١٧ تحت إشراف عالم الاجتماع إميل دوركايم، ونُقلت للعربية عام ١٩٢٥ بواسطة المحامي عبد الله عنان .
السياق الفكري: كُتبت الأطروحة في فترة كان فيها الاهتمام الغربي بابن خلدون (خاصة لدى المستشرقين الفرنسيين والألمان) يتزايد، بينما كانت الأوساط العربية لا تزال غير مُدركة لأهميته .
الهدف: تحليل فلسفة ابن خلدون الاجتماعية ونقدها، مع التركيز على منهجه في دراسة التاريخ والمجتمع، وموقفه من العلوم الغربية الحديثة .
٢- محاور الكتاب الأساسية
أ- نقد طه حسين لادعاءات المستشرقين عن ابن خلدون
رفض طه حسين الفكرة السائدة لدى المستشرقين بأن ابن خلدون:
مؤسس علم التاريخ: اعتبر أن استخدام ابن خلدون لمصطلح "علم التاريخ" لا يعادل المفهوم الغربي الحديث للـ Science، بل يُقصد به "المعرفة العامة". واستند إلى أن ابن خلدون أهمل فحص المصادر المادية والوثائق، وهي أساس المنهج التاريخي العلمي .
مبتكر علم الاجتماع: رأى أن ما قدمه ابن خلدون في "المقدمة" يندرج تحت "الفلسفة الاجتماعية" وليس علماً مستقلاً، مُشيراً إلى افتقاره لمنهجية بحثية متكاملة .
جدول يلخص موقف طه حسين من آراء المستشرقين:
المزاعم الغربية | رد طه حسين | الأدلة المستخدمة |
---|---|---|
"ابن خلدون مؤسس علم التاريخ" | "كلا، لم يفكر في ذلك مطلقاً" | إهمال ابن خلدون لفحص المصادر المادية |
"ابن خلدون رائد علم الاجتماع" | "هذا مبالغة كبيرة" | افتقار "المقدمة" لأسس علمية منهجية |
ب- إشكالية فهم مصطلحات ابن خلدون
اتهم طه حسين المستشرقين (مثل دو سلان) بـ سوء التفسير بسبب:
الخلط بين "العلم" و"المعرفة": فكلمة "العلم" في العربية القديمة أوسع مدلولاً من المصطلح الغربي Science .
سوء فهم مصطلح "العرب": فسر طه حسين نقد ابن خلدون للعرب على أنه عنصري، بينما أوضح النقاد لاحقاً أن ابن خلدون قصد "البدو" كنمط حياة (يشمل الأكراد والبربر) وليس عرقاً .
جدول مقارنة لسوء الفهم في المصطلحات:
المصطلح الخلدوني | تفسير طه حسين | التفسير الصحيح (حسب النقاد) |
---|---|---|
"العرب" | اتهام عنصري | وصف لنمط الحياة البدوية |
"علم التاريخ" | علم حديث | معرفة عامة بطبائع العمران |
جـ- تقييم إسهامات ابن خلدون الإيجابية
رغم نقده، أقر طه حسين ببعض إنجازات ابن خلدون:
فصل السياسة عن الأخلاق: وهو أمر مبتكر في عصره، سمح بتحليل السلطة كظاهرة مستقلة .
التركيز على "المسائل السياسية": مثل دور العصبية في قيام الدول، وعلاقة الاقتصاد بالاستقرار الاجتماعي .
الريادة في الفلسفة الاجتماعية العربية: حيث قدم تنظيراً لـ "طبائع العمران البشري" لم يسبقه إليه أحد في التراث الإسلامي .
٣- نقد الكتاب وإشكالياته
واجهت أطروحة طه حسين انتقادات لاحقة بسبب:
قصور في فهم منهج ابن خلدون: اتُهم بأنه لم يُفرق بين كتابة التاريخ كـ"فن أدبي" (وهو ما انتقده) وبين "فلسفة التاريخ" التي قدمها ابن خلدون في المقدمة .
تناقض ذاتي: فبينما وصف ابن خلدون بأنه "ساذج" أو "جاهل" في بعض المواضع، أشاد في أخرى بـ"توقّد ذكائه وسمو فكره" .
الافتقار للتخصص المبكر: كُتبت الأطروحة حين كان طه حسين حديث العهد بعلم الاجتماع، فلم يُحط بنظرياته بشكل كافٍ .
٤- أهمية الكتاب وتأثيره
التأسيس للدراسات الخلدونية العربية: كان أول عمل أكاديمي عربي مُنظّم عن ابن خلدون، حيث كانت الدراسات السابقة غربية .
لفت الانتباه لأهمية "المقدمة": شجع الباحثين العرب (مثل علي الوردي) على دراسة فلسفة ابن خلدون .
نموذج للنقد التنويري: مثلت الأطروحة جرأة في تحطيم التقديس الأعمى للتراث، رغم ما فيها من إشكاليات .
٥- إرث الكتاب في الفكر العربي
يظل كتاب طه حسين مرجعاً أساسياً لفهم:
السياق التاريخي لاستقبال فكر ابن خلدون في أوائل القرن العشرين.
التحديات المنهجية في قراءة التراث عبر عدسات غربية.
ضرورة التمييز بين "الريادة الفلسفية" لابن خلدون و"الريادة العلمية" التي ينسبها له الغرب.
... وهو ما يُجسّد قول طه حسين نفسه:
"الذي يعنينا من أمر ابن خلدون توقّد ذكائه (...) فإليه يرجع الفضل في أن الآداب العربية تستطيع أن تفخر بأنها وضعت الفلسفة الاجتماعية في قالب علمي
أقرأ أيضاَ
ملخصات كل أعمال الاديب والمفكر طة حسين
0 تعليقات