"من الشاطئ الآخر: كتابات طه حسين الفرنسية"
ماهية الكتاب وأهميته التاريخية
اكتشاف تراث مفقود: يجمع الكتاب كتابات بالفرنسية لطه حسين (1889–1973) كانت متناثرة في صحف ومجلات فرنسية ومؤتمرات مستشرقين، وكادت تُفقد لولا جهود الباحث المصري عبد الرشيد الصادق محمودي في جمعها وترجمتها ونشرها لأول مرة بالعربية .
جسر ثقافي: يكشف الكتاب عن دور طه حسين كوسيط بين الثقافتين العربية والفرنسية، حيث كتب هذه النصوص خصيصًا للجمهور الأوروبي، مع تعديل أسلوبه ورسالته لتناسب سياقاتهم الفكرية .
الإصدارات: صدرت طبعته الأولى عام 1990، ثم طبعة منقحة عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة عام 2019 (208–245 صفحة) .
المحتويات الرئيسية والموضوعات البارزة
1. بورتريهات أدبية لشخصيات تاريخية :
الإمام محمد عبده:
حلل طه حسين إصلاحاته التعليمية في الأزهر (إدخال التاريخ، الجغرافيا، الرياضيات)، ووصفه كمسلم متدين يرفض العنف ويدعو للتجديد دون قطيعة مع التراث.
انتقد "بُعده عن مواكبة العصر" رغم تقديره لإخلاصه، مشيرًا إلى أن أفكاره أصبحت "بالية" أمام انفتاح الشرقيين على الحضارة الغربية.
أندريه جيد (الأديب الفرنسي):
سرد علاقته الشخصية به، بدءًا من ترجمته لـ"الباب الضيق" (1939)، وصولًا إلى لقائهما في القاهرة (1946).
وصف خجل جيد أثناء محاضرة في "الليسيه الفرنسية"، حيث طلب إشعال سيجارة ليهدئ رعبه، ثم هرب من سماع تسجيل صوته!
المتنبي:
قدم قراءة مغايرة لشعره، مشيرًا إلى أن الطبيعة "كانت خرساء" في أشعاره المبكرة، بينما أبدع في وصف غابات فارس ومروجها خلال رحلات الصيد مع الملك.
حلل ظروف مقتله (354 هـ) كـ"انتقام شخصي وحزبي" من القرامطة بسبب هجائه لهم.
2. دراسات في الثقافة والمجتمع :
أزمات الحياة الثقافية:
ناقش تدني الاهتمام بالأدب الجاد مع صعود الراديو والسينما (منذ 1937)، مُحذرًا من تأثير ذلك على جودة الإنتاج الفكري.
حمل ثلاثة أسباب لركود الثقافة: الرقابة السياسية، اهتمام النشر بالربح لا الجودة، وضعف مناهج التعليم الأدبي.
دور الأديب ومسؤوليته:
رفض أن يكون الأدب "سلعة"، ودعا إلى فصل الإبداع عن الربح المادي.
أكد أن الكاتب "مسؤول أمام ضميره والمجتمع"، ويجب أن يكتب بإخلاص لتغيير الواقع لا للتسلية.
الحرفة الثانية للأديب:
دعا إلى عمل موازٍ (كالتدريس أو الطب) لضمان استقلال مادي يحمي حرية الإبداع، مستشهدًا بأرسطو (مُعلم الإسكندر) وشاتوبريان (السفير والوزير) .
3. رسائل وشهادات ذاتية :
رسالة إلى أندريه جيد:
ناقش فيها سوء فهم جيد للإسلام بوصفه "دينًا يقدم أجوبة جاهزة"، ووضح أن الإسلام يحوي أسئلة وجودية تثير القلق الفكري مثل المسيحية.
شهادة عن منهج الكتابة:
كشف أنه كان "يُملي" نصوصه ولا يكتبها بنفسه، ويشعر "بالتخلص من عبء" بعد الانتهاء، لذا كان يرفض إعادة قراءتها .
القيمة الفكرية واللغوية للكتاب :
توثيق تاريخي: يكشف عن مواقف غير معروفة لطه حسين، مثل دفاعه عن الإسلام كدين يحترم التساؤل (ردًا على جيد).
أسلوب مزدوج: يظهر تباينًا بين كتاباته العربية (الجريئة في النقد) والفرنسية (المعتدلة في عرض الأفكار)، مما يؤكد مرونته كأديب وسيط.
ترجمة أمينة: حافظ محمودي على رصانة لغة طه حسين في الترجمة، مع إضافة هوامش توضح سياقات النصوص.
انتقادات وأسئلة يثيرها الكتاب:
هل خان طه حسين أفكاره؟: يُلاحظ أنه خفف نقده للتقليد في كتاباته الفرنسية (كحديثه عن الأزهر) مقارنةً بكتاباته العربية (مثل "في الشعر الجاهلي").
الاستقلال الفكري أم التكيف؟: جدلية دوره كـ"وسيط ثقافي": هل قدم صورة أصيلة للعرب أم صورة تلائم توقعات الغرب؟
إشكالية الحرفة الثانية: هل تُضعف انغماس الأديب في هموم المجتمع؟ طه حسين يرى أنها تثري تجربته، لكن نقادًا يرونها هروبًا من التفرغ للإبداع.
لماذا يُعد هذا الكتاب ضروريًا؟
"من الشاطئ الآخر" ليس مجرد جمع لنصوص مفقودة، بل نافذة على:
الوجه المتعدد لطه حسين: المفكر المنفتح، المترجم، والمدافع عن الحوار الثقافي.
آليات التثاقف: كيف يقدم المثقف تراثه للآخر؟ وكيف يتكيف مع جمهور جديد؟
أسئلة حاضرة: علاقة الأدب بالسلطة، التعليم، والاستقلال المادي، وهي إشكاليات لا تزال تشغل المشهد الثقافي العربي.
الكتاب يُعيد اكتشاف عميد الأدب العربي ليس كـ"ناقل" للفكر الغربي، بل كـ"جسر" ذي اتجاهين، يُعرّف الغربَ بالشرق، ويُحيط العربَ برؤية الآخر لهم
أقرأ أيضاَ
ملخصات كل أعمال الاديب والمفكر طة حسين
0 تعليقات