"بابل والكتاب المقدس" لجان بوتيرو
مقدمة عن المؤلف والكتاب
جان بوتيرو (1914-2007): عالم آشوريات فرنسي مرموق، تخصص في حضارات بلاد الرافدين (السومرية، الأكادية، الآشورية) وأديان الشرق الأدنى القديم. قضى 50 عامًا في فك رموز نصوصها .
أصل الكتاب: نتاج حوارات أجرتها الكاتبة الفرنسية إيلين مونساكريه مع بوتيرو، نُقلت للعربية بواسطة روز مخلوف وراجعها أحمد مزيد أبو ردن .
الهدف: كشف التأثيرات الحضارية لبلاد الرافدين على التوراة، من خلال مقارنة نصوصها الأسطورية والدينية مع القصص التوراتية.
المحاور الرئيسية للكتاب
1. المنهج التاريخي والنقدي للكتاب المقدس
نشأ بوتيرو في الوسط الديني (راهب دومينيكاني)، لكن شكوكه في الدقة التاريخية لقصص مثل الخطيئة الأصلية والطوفان دفعته لدراسة الآثار. رأى أن غياب الوثائق يجعل هذه الروايات رموزًا أسطورية لا حقائق تاريخية .
اكتشف أن نصوص بلاد الرافدين (مثل ملحمة جلجامش) تضمنت قصصًا مشابهة للطوفان والخلق قبل التوراة بقرون، مما يدعم فكرة تأثر الكتاب المقدس بها .
2. بابل: مركز الحضارة والتأثير الديني
تصف بوتيرو بابل كـ "مدينة المدن" في الألفية الأولى ق.م، اشتهرت بثروتها وفخامتها، وجذبت المسافرين والمؤرخين .
الأعياد والطقوس: يشرح طقوسًا معقدة مثل عيد رأس السنة البابلية (في آذار/مارس)، الذي استمر 12 يومًا وشمل طواف التماثيل الإلهية خارج الأسوار. كانت هذه الشعائر تُدوّن بدقة لمنع التحريف .
التأثير على التوحيد: وفقًا للمفكر محمد آركون (الذي قدمه الكتاب)، درس بوتيرو أديان الشرق القديمة التي سبقت اليهودية، وكيف مهّدت لظهور فكرة الإله الواحد المتعالي .
3. التشابك بين التراث الرافديني والكتاب المقدس
الترجمات والمقارنات: قارن بوتيرو بين:
أسطورة الطوفان البابلية (في ملحمة جلجامش) وقصة طوفان نوح.
قوانين حمورابي (الشهيرة بـ"العين بالعين") والشرائع التوراتية.
أساطير الخلق والصراع بين الخير والشر .
دور الكُتّاب: يشير إلى أن كاتبًا موهوبًا في عهد حمورابي جمع موادًا شفوية وفلكلورية وأعاد صياغتها (مثل مغامرات جلجامش)، وهو ما يشبه عملية تدوين التوراة لاحقًا .
4. إسهامات بوتيرو العلمية
فك الرموز: ترجم نصوصًا سومرية وأكادية حول السحر، التنجيم، القوانين الاقتصادية، وكشف عن عقلانية مفاجئة في إدارة هذه المجتمعات .
نقد المصادر: اعتبر أن تاريخ بلاد الرافدين لا يُفهم إلا عبر وثائقها المسمارية، مؤكدًا أن "بدون وثائق، لا وجود للتاريخ" .
جدول المقارنات الرئيسية بين التراث الرافديني والكتاب المقدس
الموضوع | التراث الرافديني (كما ورد في الكتاب) | القصة التوراتية |
---|---|---|
الطوفان | ملحمة جلجامش: يصنع أوتنابشتم سفينةً لينجو | نوح يبني الفلك للنجاة |
الشرائع | قوانين حمورابي (حوالي 1750 ق.م) | الوصايا العشر (خروج 20) |
الخلق | ملحمة "إينوما إليش" البابلية | سفر التكوين (الإصحاح 1) |
الخطيئة | أسطورة "أدابا" وفقدان الخلود | قصة آدم وحواء |
رؤية بوتيرو الفلسفية
رأى بوتيرو أن الحضارة الرافدينية نتجت عن تكافل ثقافي سومري-سامي (أكادي)، حيث تأثرت الثقافتان ببعضهما مع تفوق سومري مبكر .
أكد أن اكتشاف نصوص بلاد الرافدين أعاد "إضاءة مخزن الغلال المنسي" للحضارة الإنسانية، وكشف جذورًا مشتركة للفكر الديني .
وصفه المحاورون بـ "هادئ البال، متين العلم"، إذ تجنب التعقيد الأكاديمي وقدّم أعمالًا للجمهور دون مسايرة "الذوق المعاصر" .
الكتاب يُعدّ رحلةً ثريةً في عقل بوتيرو، جسّدت شغله طوال حياته: كشف الحوار الخفي بين ألواح الطين البابلية وأسفار التوراة، وتأكيد أن الحضارات تُبنى على تبادل الأفكار لا العزلة
0 تعليقات