كيف تعلمت الكتابة


 

"كيف تعلمت الكتابة" لمكسيم غوركي: رحلة الأدب بين الواقع والثورة

 سياق الكتاب وأهميته الأدبية

يعتبر هذا الكتاب سيرة ذاتية فكرية تكشف مسيرة غوركي (1868-1936) من طفل مشرد إلى رمز أدبي عالمي. وُلد باسم "أليكسي مكسيموفيتش بشكوف"، واختار اسم "غوركي" (المر) تعبيرًا عن مرارة الحياة في روسيا القيصرية. يجمع الكتاب بين السرد الذاتي ونصائح للكتّاب الشباب، مبنيًا على تجربته في التعلّم الذاتي رغم حرمانه من التعليم النظامي بعد عمر العاشرة .


الفصل الأول: الجذور - من التشرد إلى الإبداع

  1. طفولة المرارة:

    • يتيمًا في الحادية عشرة، عاش مع جده القاسي الذي طرده قائلًا: "أنت لست ميدالية على صدري، اذهب إلى الناس".

    • عمل في مهن وضيعة (غاسل صحون، حمال، متشرد)، واكتشف القراءة عبر طباخ على باخرة، فكانت الكتب ملاذه من قسوة الواقع .

  2. محاولة الانتحار وتحوّل مصيري:

    • في التاسعة عشرة، أطلق النار على نفسه احتجاجًا على بؤس الحياة، لكنه نجا. هذه التجربة عمّقت إيمانه بـ "ضرورة المقاومة لا الاستسلام" .

  3. الاسم المستعار كبيان سياسي:

    • اختار "غوركي" (المر) ليعكس حقيقة مريرة: "حياة الفقراء تُسحق تحت أنياب الرأسمالية" .


الفصل الثاني: التكوين الفكري - كيف صاغت القراءة كاتبا

  1. المكتبة العالمية مُعلّمه الأول:

    • قرأ الأدب الفرنسي (بلزاك، فلوبير، موباسان) الذي اعتبره "أعظم مدرسة للكلمة الدقيقة". نصح الشباب بتعلم الفرنسية لقراءة هؤلاء بلغتهم الأصلية .

    • تأثر بتولستوي الذي نقل بدوره تأثير الأدب الفرنسي، خاصة ستندال .

  2. قراءة السيء كما الجيد:

    • "قرأت كتبًا رديئة لا تحصى، لكنها كانت نافعة. فالسّيء في الحياة يجب أن يُعرف كما الجيد".

    • يرى أن القراءة توسع المدارك وتُعرّف الكاتب بتناقضات البشر .

  3. التراث الديني مصدرًا أدبيًا:

    • اعتبر النصوص المقدسة (القرآن، الإنجيل، التوراة) أعمالًا أدبية عظيمة، لأنها "تخاطب العقل والقلب وتعطي طاقة إيجابية" .


الفصل الثالث: فلسفة الكتابة - لماذا نكتب؟

  1. دوافع الكتابة عند الشباب:

    • السبب الأول: الفقر والمعاناة، كما كتبت له فتاة: "عمري 15 عامًا، لكن الحياة الفقيرة الشاقة أوقدت موهبتي".

    • السبب الثاني: شحنة الانطباعات التي تُجبِر الكاتب على التفريغ، كما كتب شاب: "لدي انطباعات كثيرة ولا يمكن ألّا أكتب" .

  2. الأدب سلاح للتغيير:

    • "هدف الأدب مساعدة الإنسان لفهم نفسه، ومحاربة الخسة في الناس، وإيقاظ الشجاعة فيهم" .

    • رفض فكرة "الفن للفن"، مؤكدًا أن الكاتب يجب أن يكون "عينَ الطبقة المسحوقة وأذنَها" .

  3. الواقعية والرومانسية: ثنائية متجاوزة:

    • انتقد التصنيفات الجامدة، قائلًا: "كأن الواقعية والرومانسية تتحدان في الكتّاب العظماء".

    • في "أغنية الصقر"، جسّد الرومانسية الثورية، بينما قدم في "الأم" واقعية نقدية .


الفصل الرابع: صنعة الكتابة - نصائح عملية من الخبرة

جدول: نصائح غوركي للكتّاب الشباب :

المبدأالتفصيلمثال من تجربته
اللغة أداة مقدسة"استخدم الكلمة بدقة متناهية". تجنب النثر المقفّى الزائف.احتاج ٣ ساعات لوصف مشهد بدقة.
ارسم بالكلمات"الكاتب يرسم الناس في حركتهم المستمرة، لا كتماثيل جامدة".وصف العمال كشخصيات حية متحركة.
اصنع "النموذج""اجمع صفات 50 تاجرًا في شخصية واحدة؛ هذه هي الرواية".شخصيات "الأم" تجسيد للبروليتاريا.
ثقف خيالك"الفنان كالعالم: يحتاج خصب الخيال والحدس".أساطيره مثل "القلب المشتعل".

تحذيرات أساسية:

  • تجنب الازدواجية التعبيرية: عانى في بدايته من خلط الشعر بالنثر.

  • حارب الموروث المهترئ"المجتمع البرجوازي يهدر مواهب الشباب في أعمال رخيصة"، كمثل مسابقات الثراء السريع اليوم .

  • لا تكن أسير المدارس الأدبية"الكاتب العظيم يصنع نموذجه الخاص" .


الفصل الخامس: إشكاليات فكرية - بين الأدب والأيديولوجيا

  1. الاشتراكية كخلفية فكرية:

    • اعتبر الأدب أداة لتحرير البروليتاريا، لكنه هاجم الرأسمالية المتوحشة: "البرجوازية تصنع شبابًا عبثيًا يهدرون طاقاتهم في الاستهلاك" .

    • رغم دفاعه عن الاشتراكية، عارض ستالين لاحقًا، وكتب تحت مراقبة مشددة .

  2. نقد التطرف الديني والفكري:

    • هاجم الكنيسة التي "حاربت التراث الوثني لأنه يعكس نظرة مادية للعمل"، مؤكدًا أن الأساطير تجسّد "توق الإنسان لتخفيف معاناته" .

  3. معضلة الحرية:

    • "الطريق إلى الحرية وعرة. لم يحن الوقت بعد لشرب الشاي باطمئنان!".

    • حذر من أن الرأسمالية تخلق "إنسانًا أنانيًا يتحول إلى حيوان طماع" .


الفصل السادس: تراث غوركي - بين الإشادة والنقد

  1. تأثيره في الأدب العالمي:

    • دُعِم كـ"مؤسس الواقعية الاشتراكية"، لكن رواياته المتأخرة (مثل "حياة كليم سامجين") تُعد تحولًا نحو الحداثة .

  2. انتقادات لاذعة:

    • اتُّهم بالتطبيل للستالينية بعد زيارته لمعتقل "سولوفكي" (1929)، حيث كتب أن السجناء "يعيشون بشكل رائع"، بينما شهد آخرون على تعذيبهم .

    • قال الناقد إسحق فرهاد: "غوركي سجين الفكر الاشتراكي، يفرضه على القارئ كحتمية تاريخية" .

  3. إرث إنساني متجدد:

    • رغم التناقضات، بقي نصيحة خالدة: "ليكن الإنسان أفضل مما هو عليه" .


 الدروس الخالدة لكاتب مرّ من الجحيم

يختزل غوركي في هذا الكتاب رحلته من ظلام التشرد إلى نور العالمية:

  • الأدب خلاصٌ من الجهل"عرفت الطمأنينة عبر القراءة، ووثقت أنني لست وحيدًا" .

  • الكتابة مسؤولية أخلاقية"الكاتب صانع نماذج تُعلّم الناس كراهية الدناءة" .

  • الثقة بالنفس قوة إبداعية"تظهر في إزالة العقبات... هذه الثقة هي القوة الإبداعية الحقيقية" .

"الناس الذين يشتكون من الحياة هم الذين لا يستطيعون المقاومة... أما أنا، فتعلمت أن الخوف كان من جهلي، لا من الحياة ذاتها" .

يظل الكتاب مرجعًا لمن يريدون الكتابة كفعل مقاومة، ورغم مرور قرن، تنتقد مراجعات عربية هيمنة الخطاب الاشتراكي على النص (خاصة في الترجمة العربية)، لكنها تُقرّ: "انسياب سرده يجعل القارئ يشعر أنه داخل المشهد، لا متفرجًا

إرسال تعليق

0 تعليقات