من أدب التمثيل الغربي


 

 "من أدب التمثيل الغربي"  طه حسين


________________________

يأتي كتاب "من أدب التمثيل الغربي" ضمن مجموعة مؤلفات الدكتور طه حسين التي تعكس انفتاحه العميق على الثقافة الغربية، واهتمامه بمدّ الجسور بين الفكر العربي الحديث والتيارات الأدبية في أوروبا.
في هذا الكتاب، يقدم لنا طه حسين مجموعة من الدراسات الأدبية والنقدية حول أبرز أعلام المسرح الغربي، كـ شكسبير، كورناي، راسين، موليير، برنارد شو، وجوته، ويتناول نماذج تمثيلية من مسرحياتهم، ويحللها بأسلوب نقدي رفيع، يمزج بين الحس الأدبي العميق، والرؤية الفلسفية الإنسانية.

الكتاب لا يهدف إلى تقديم تاريخ للمسرح الأوروبي، بل هو أقرب إلى رحلة ذهنية وفنية في أبرز نصوص التمثيل، يبرز فيها طه حسين قدرة لافتة على سبر أغوار النفس البشرية من خلال المسرح، ويكشف عن منهج نقدي متقدم يزاوج بين الفكر والتحليل الفني.


 بنية الكتاب ومحتواه

الكتاب يتألف من سلسلة مقالات ودراسات، كتبها طه حسين في فترات مختلفة، وتناولت عدداً من أهم الأعمال التمثيلية الغربية. لا يعتمد على الترتيب التاريخي الصارم، بل على حيوية الموضوع وقوة التأثير الفني والفكري للنصوص المختارة.

أهم الشخصيات والأعمال التي تناولها:

  • ويليام شكسبير: "هاملت"، "عطيل"، "الملك لير".

  • كورناي وراسين: من المدرسة الكلاسيكية الفرنسية.

  • موليير: "البخيل"، "طرطوف".

  • برنارد شو: من المسرح الإنجليزي الحديث.

  • جوته: "فاوست".

يتناول طه حسين هذه النصوص بوصفها انعكاسًا للتحولات الفكرية والاجتماعية في أوروبا، ويركز على ما تحمله من عمق نفسي، وأبعاد إنسانية تتجاوز الزمان والمكان.


 أهداف الكتاب

طه حسين لا يهدف إلى الترفيه أو الإعجاب بالنصوص الغربية فقط، بل يسعى إلى:

  1. تعريف القارئ العربي بجماليات المسرح الغربي وأعلامه.

  2. نقل روح المسرح التمثيلي إلى البيئة الثقافية العربية، كنوع من الإثراء الأدبي.

  3. بناء جسر حضاري بين الثقافة العربية والأوروبية.

  4. إبراز الوظيفة الإنسانية للمسرح بوصفه مرآة للوجدان الإنساني، لا مجرد أداء تمثيلي.


 السمات النقدية للكتاب

 1. نظرة إنسانية للمسرح

يرى طه حسين أن المسرح ليس مجرد فن سردي بصري، بل هو أداة لفهم الإنسان:

"المسرح، في أصفى صوره، هو صوت العقل وهو يصارع العاطفة، وصوت الضمير وهو يواجه غواية العالم."

يعكس هذا التصور رؤية طه حسين إلى المسرح كوسيلة لتجسيد الصراع الإنساني الأزلي بين الخير والشر، بين الشك والإيمان، بين الذات والمجتمع.

2. النقد المقارن

طه حسين استخدم في هذا الكتاب منهج المقارنة الأدبية بمهارة، من خلال:

  • مقارنة شكسبير بكورناي وراسين.

  • الإشارة إلى الفروق بين التراجيديا الإنجليزية والفرنسية.

  • إبراز الاختلاف بين المسرح الكلاسيكي والمسرح الحديث.

وقد اتبع في ذلك أسلوبًا موضوعيًا، بعيدًا عن الانحياز، مؤمنًا بأن كل تجربة مسرحية تُعبّر عن بيئتها الثقافية والتاريخية.


 تحليل بعض النماذج المسرحية في الكتاب

 1. شكسبير: العمق الإنساني والتعقيد النفسي

طه حسين خصص عدة صفحات لتحليل شخصيات شكسبير، خاصة "هاملت" و"عطيل" و"الملك لير"، وبيّن كيف استطاع شكسبير أن:

  • يرسم نفسية الإنسان في لحظات الشك والحيرة (هاملت).

  • يعبّر عن الصراع بين الحب والغدر (عطيل).

  • يصور ألم الشيخوخة والتخلي (الملك لير).

أشاد طه حسين بقدرة شكسبير على كشف تناقضات النفس البشرية دون إطلاق أحكام أخلاقية، بل من خلال دراما داخلية شديدة التعقيد.

"شكسبير لا يصدر حكمًا، بل يرينا الإنسان كما هو… بضعفه وقوته، بعقله وشهواته."

 2. كورناي وراسين: الروح الكلاسيكية والنزعة الأخلاقية

يحلل طه حسين مسرحيات كورناي وراسين على أنها نماذج للتماسك البنيوي والانضباط الفني، لكنها تفتقد أحيانًا إلى حرارة الشعور الإنساني الذي يميز شكسبير.

  • كورناي: مهتم بعظمة النفس ومجد البطولة.

  • راسين: أكثر قربًا من الصراع النفسي والعاطفي.

إلا أن طه حسين ينتقد التقييد الزمني والمكاني في المسرح الكلاسيكي الفرنسي، الذي يقيده ما يُعرف بـ"الوحدات الثلاث" (الزمان والمكان والحدث)، مما يقلل من حرية الإبداع أحيانًا.

 3. موليير: الكوميديا الناقدة

يرى طه حسين أن موليير لم يكن مجرد كاتب مسرحي فكاهي، بل مصلح اجتماعي كبير، استخدم الكوميديا لانتقاد:

  • التزمت الديني (في "طرطوف").

  • البخل والطمع (في "البخيل").

  • نفاق المجتمع الفرنسي.

وكان يرى أن الكوميديا عند موليير أداة تفكيك اجتماعي ذكي، تثير الضحك، لكنها في العمق تحمل صرخة إصلاح ووعي.


 المسرح في فكر طه حسين

طه حسين لم يكن ناقدًا فنيًا فحسب، بل مفكرًا يرى في المسرح أداة حضارية لبناء الإنسان العربي الحديث. ويُبرز ذلك في عدة مواضع من الكتاب:

  • يدعو إلى إنشاء حركة مسرحية عربية تواكب العصر.

  • يشجع على تعريب النصوص العالمية بشرط الحفاظ على روحها.

  • يرى أن المسرح يمكن أن يكون وسيلة لتعليم الفكر الحر والنقد.

وكان يؤمن بأن المسرح الجيد لا ينقل النص فقط، بل يثير الفكر والمشاعر، ويخلق جمهورًا متذوقًا لا متلقيًا سلبيًا.


 الأسلوب الأدبي للكتاب

الكتاب مكتوب بلغة أدبية جميلة، تميّزت بـ:

  • الجزالة والسلاسة في الوقت نفسه.

  • استخدام التشبيهات والاستعارات دون تكلف.

  • روح الشاعر المتأمل، لا الناقد الجاف.

  • ميل واضح إلى التأمل الفلسفي أكثر من التحليل الفني الدقيق أحيانًا.

"ليست المسرحية قطعة من الخشب تُعرض على الخشبة، بل هي صورة إنسانية تعيش في ضميرنا وترافقنا بعد أن نغادر المسرح."


  أهمية الكتاب وقيمته الثقافية

"من أدب التمثيل الغربي" ليس مجرد كتاب عن المسرح، بل هو بيان فكري وجمالي عن أهمية التمثيل كفن إنساني يختزل التجربة البشرية. وقد نجح طه حسين من خلاله في:

  • كسر عزلة القارئ العربي عن الفكر المسرحي الغربي.

  • الربط بين الأدب والواقع، وبين الفن والفكر.

  • تقديم نموذج للنقد الثقافي الرفيع.

كما أن الكتاب يعكس شخصية طه حسين المثقفة، المتفتحة، العاشقة للفن الراقي، والمؤمنة بأن التفاعل مع الآخر لا يُضعف الهوية، بل يُغنيها.



أقرأ أيضاَ

ملخصات كل أعمال الاديب والمفكر طة حسين

إرسال تعليق

0 تعليقات