"الشيخان" لطه حسين: منهجٌ تحليلي وتاريخي متميز
مقدمة عن الكتاب وأهدافه
فكرة الكتاب الأساسية: يُقدِّم طه حسين في "الشيخان" (1960) دراسةً تحليلية لشخصيتي الخليفتين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، مركزًا على دورهما في بناء الدولة الإسلامية بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
المنهج المتميز: يرفض حسين المناهج التقليدية في سرد التاريخ، منتقدًا:
المبالغة في التبجيل: كما في روايات بعض المؤرخين التي وصلت حد "التقديس" ونقل الروايات غير الموثوقة .
التقليل من الإنجازات: كما في كتابات من أنكروا إسهامات الشيخين أو قللوا منها .
الهدف: البحث عن "النهج الحقيقي" الذي اتبعه الشيخان في الحكم والسياسة، وتأثيره على مستقبل الأمة الإسلامية .
المحاور الرئيسية في تحليل شخصيتي الشيخين
أبو بكر الصديق: توحيد الكلمة وإرساء الأسس
موقف السقيفة والخلافة:
يؤكد طه حسين أن النبي لم يُوصِ بخلافة لأحد، بما في ذلك علي بن أبي طالب أو أبو بكر نفسه، وأن بيعة أبي بكر تمت بإجماع المهاجرين والأنصار دون إكراه .
يُبرز حكمة أبي بكر في خطبته الشهيرة: "إنما أنا متبع ولست مبتدعًا"، مؤكدًا التزامه بمنهج النبي .
حروب الردة:
يرى أن ردة القبائل العربية لم تكن رفضًا للإسلام فحسب، بل نتجت عن فهم خاطئ لمعنى "وفاة النبي"، حيث ظنوا أن الولاء كان شخصيًّا له وليس للدين .
يُشيد بحزم أبي بكر في قمع المرتدين، معتبرًا ذلك حفاظًا على كيان الدولة الناشئة .
عمر بن الخطاب: العدل والتأسيس الإداري
المنهج الثوري في الحكم:
يحلل طه حسين تحول عمر من "شخصية شديدة" في الجاهلية إلى "رمز للعدل" في الإسلام، مشيرًا إلى أن سياسته طبقت المساواة حتى على أقربائه .
مثال بارز: عزله لعمّار بن ياسر بسبب ضعف في التسيير، رغم مكانته .
الفتوحات وإدارة الدولة:
يصف انتصارات المسلمين على الفرس والروم بأنها "معجزة تاريخية" لا تحتاج لمبالغة في الوصف .
يُبرز إشكالية توزيع الغنائم (مثل خمس مدائن) وكيف استشار عمر الصحابة لحلها، مؤسسًا لمبدأ الشورى .
المنهج التاريخي لطه حسين: بين الإبداع والانتقاد
نقد الروايات التقليدية:
يشكك في دقة الروايات التاريخية، خاصة تلك التي تبالغ في تفاصيل المعارك أو الأعداد، قائلاً:
"القدماء يقصون الأحداث كأنهم شهدوها رأي العين، بينما نحن نقطع أن أحدًا منهم لم يشهدها!" .اعتماده على التحليل النفسي والسياسي:
يُركز على استخلاص "الطابع العام" لشخصيتي الشيخين من خلال سياساتهما، بدلًا من سرد التفاصيل .انتقادات للكتاب:
اتُّهم بعدم ذكر المصادر واختيار الروايات وفق تحليله الشخصي .
أهم الاقتباسات الدالة من الكتاب
"والذي لا أشك فيه هو أن النبي لم يترك وصية أجمع عليها المسلمون، ولو فعلها لما خالف عنها أحد" .
"كيف استطاعت طبيعة أبي بكر أن تثبت للمحن الشداد؟ وهو الذي أشفقت ابنته عائشة ألا يسمع الناس صوته!" .
"عمر أتعب من بعده أكثر مما أتعب أبو بكر؛ فعدله شق على من جاء بعده" .
سياق الكتاب في مشروع طه حسين الفكري
يُعد "الشيخان" جزءًا من سلسلته عن التاريخ الإسلامي، التي تضم أيضًا:
"على هامش السيرة"، "الفتنة الكبرى" (عن عثمان وعلي)، و"مرآة الإسلام" .يجسد الكتاب رؤيته التنويرية القائمة على:
رفض التقديس الأعمى للشخصيات التاريخية.
ربط نجاح الدولة بالعدل والشورى، وهما أساسا نهج الشيخين .
تقييم عام للكتاب
القوة: تحليلٌ مبتكر لشخصيات تاريخية بطريقة "غير تقديسية" تظهر بشريتهم وعبقريتهم السياسية.
الضعف: إغفال التوثيق الدقيق للروايات، مما أثار جدلًا حول موضوعيته .
الأثر: لا يزال مرجعًا مهمًّا لفهم تأسيس الدولة الإسلامية، خاصة في مجال السياسة الشرعية .
"الخلاصة: كتابٌ يُقرأ لفهم منهج الحكم الراشد، لا لسرد الوقائع فحسب
0 تعليقات