"The Matter of Everything: Twelve Experiments that Changed Our World"
لـ د. سوزي شيهي
أطروحة اساسية
يروي هذا الكتاب قصة تحوُّل فهم البشرية للكون من خلال 12 تجربة محورية في فيزياء الجسيمات، بدءاً من اكتشاف الأشعة السينية عام 1895 وحتى تأكيد وجود بوزون هيغز عام 2012.
تطرح المؤلِّفة، الدكتورة سوزي شيهي (عالمة فيزياء مسرِّعات الجسيمات بجامعتي أوكسفورد وملبورن)، فكرة جوهرية مفادها: الفضول العلمي المحض هو محرك الابتكارات التكنولوجية التي غيرت عالمنا، من العلاج الطبي إلى الإنترنت.
ترفض شيهي الصورة النمطية للفيزياء كمجال نظري مجرد، وتؤكد أن التقدم الحقيقي نتاج عمل التجريبيين الذين يصممون أدوات ثورية لسبر أعماق المادة.
ثلاثة عصور علمية في 12 تجربة
قسَّمت شيهي الكتاب إلى ثلاثة أقسام تعكس تطور الفيزياء الحديثة:
القسم الأول: تفكيك الفيزياء الكلاسيكية (1895–1923)
اكتشاف الأشعة السينية (فيلهلم رونتجن، 1895):
لاحظ رونتجن إشعاعاً غامضاً من أنابيب أشعة الكاثود، أطلق عليه "الأشعة السينية". بعد 7 أسابيع من العزلة في مختبره، أنتج أول صورة أشعة سينية ليد زوجته، كاشفاً العظام والخاتم. التطبيق الطبي ظهر خلال عام واحد على جبهات الحرب العالمية الأولى.
الأثر الحضاري: أدخل مفهوم التشخيص غير الجراحي، لكنه كشف أيضاً محدودية الفيزياء الكلاسيكية.
اكتشاف الإلكترون (ج.ج. طومسون، 1897):
أثبت طومسون عبر تجارب أنابيب الأشعة المهبطية أن "أشعة الكاثود" ليست موجات بل جسيمات سالبة الشحنة (الإلكترونات)، محطماً فكرة "الذرّة غير القابلة للتجزئة".
دور النساء المُهمَّش: هارييت بروكس (طالبة إرنست رذرفورد) ساهمت في فهم النشاط الإشعاعي لكنها غادرت العلم عند زواجها بسبب قيود العصر.
اكتشاف النواة الذرية (إرنست رذرفورد، 1911):
بقذف صفائح ذهب بجسيمات ألفا، اكتشف رذرفورد أن الذرة ليست كتلة صلبة بل فراغ تدور فيه إلكترونات حول نواة كثيفة.
مفارقة تاريخية: التجربة نفذها طلبة رذرفورد (هانز جيجر ومارسيدن) بينما كان هو بعيداً في مؤتمر!.
قياس شحنة الإلكترون (روبرت ميليكان، 1923):
باستخدام قطرات زيت في مجال كهربائي، قاس ميليكان شحنة الإلكترون بدقة، مؤكداً طبيعتها الكمومية.
القسم الثاني: عصر الجسيمات تحت الذرية (1930–1950)
كشف الأشعة الكونية (فيكتور هيس، 1912):
بالصعود ببالون هواء إلى 5,300 متر، أثبت هيس أن الإشعاع الكوني مصدره الفضاء لا الأرض، ما فتح باب دراسة الجسيمات عالية الطاقة.
اختراع غرفة السحب (تشارلز ويلسون، 1927):
محاكاةً للغيوم في مختبر، صنع ويلسون جهازاً يتتبع مسارات الجسيمات عبر تكثيف البخار. به اكتُشف البوزيترون (نظير الإلكترون الموجب) عام 1932.
أول مسرّع جسيمات (كوكروفت والتون، 1932):
بعكس الاعتماد على الأشعة الكونية العشوائية، بنى العالمان مسرّعاً كهربائياً شطر الذرة صناعياً، مؤكدين نظرية آينشتاين (E=mc²).
ابتكار السيكلترون (إرنست لورنس، 1931):
حلّ مشكلة تسارع الجسيمات بحقل مغناطيسي حلزوني. جهازه (بقطر 30 سم فقط!) أنتج نظائر مشعة استُخدمت لاحقاً في علاج السرطان.
الجانب المظلم: في الحرب العالمية الثانية، حُوِّل السيكلترون إلى جهاز فصل اليورانيوم لصنع القنبلة الذرية.
النموذج المعياري وعصر "العلوم الضخمة" (1950–2012)
اكتشاف الكواركات (جيروم فريدمان، هنري كيندال، ريتشارد تايلور، 1968):
بقذف البروتونات بالإلكترونات في مسرّع SLAC، أثبتوا أن البروتونات ليست جسيمات أولية بل تتكون من كواركات.
رصد النيوترينو (كلايد كوان، فريدريك راينس، 1956):
بعد 20 عاماً من تنبؤ وولفغانغ باولي بوجود هذا "الشبح" (بلا كتلة ولا شحنة)، اكتُشف بجهاز قرب مفاعل نووي. اليوم يُستخدم في رصد البراكين والتنبؤ بانفجاراتها.
توحيد القوى (محمد عبد السلام، ستيفن واينبرغ، شيلدون غلاشو، 1979):
أثبتت تجارب في مسرّع CERN صحة نظرية "الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة" كوجهين لقوة واحدة.
اكتشاف بوزون هيغز (مصادم الهادرونات الكبير، 2012):
شارك 6,000 عالم من 110 دول لبناء أضخم آلة بالتاريخ (مصادم دائري محيطه 27 كم تحت الأرض). حساسيته فائقة لدرجة أن مرور القطارات السريعة قرب الموقع يزعج البروتونات!.
إرث غير متوقع: اختراع تيم برنرز لي لشبكة الويب العالمية لتسهيل تبادل بيانات التجارب.
التحول من "العلم الفردي" إلى "العلوم الضخمة"
يُظهر تطوراً جوهرياً في منهجية البحث:
عصر البطولات الفردية: رونتجن، طومسون، رذرفورد يعملون بمختبرات بسيطة وموارد محدودة.
ظهور التعاون: تجربة كشف النيوترينو (1956) شملت عشرات العلماء.
عصر "الميجا ساينس": مصادم الهادرونات الكبير (LHC) يمثل ذروة التعاون البشري: 13,000 فيزيائي، ميزانية مليارات الدولارات، وتصميم يتطلب هندسة دقيقة لضبط حركة البروتونات التي تسير بسرعة 99.999999% من سرعة الضوء.
"لم يعد الفيزيائيون ذلك العالِم المنعزل في مختبره؛ الفيزياء الآن هي آلات عملاقة، ومجموعات بحثية، وتخصصات متداخلة".
أبطال مجهولون وإنصاف التاريخ
يكشف دور نساء وعلماء مُهمشين ساهموا بإنجازات حاسمة:
ليز مايتنر: شاركت في اكتشاف الانشطار النووي (1938) لكن نوبل ذهبت لزميلها أوتو هان. أينشتاين دعاها "ماري كوري الألمانية".
مارييتا بلو: طوّرت تقنية "المستحلبات الفوتوغرافية" لرصد الجسيمات (1930)، مهدت لاكتشاف "البايون"، لكن جائزة نوبل ذهبت لسيسيل باول.
روزماري فاولر: اكتشفت جسيم "الكاون" (1947) لكن تم تجاهلها. في 2023 (بعد 75 عاماً!) منحتها جامعة بريستول الدكتوراه الفخرية بعد أن كشفت شيهي قصتها.
النساء الرائدات في فيزياء الجسيمات
العالمة | الإسهام | التكريم المتأخر |
---|---|---|
هارييت بروكس | أولى تجارب النشاط الإشعاعي | غادرت العلم عند زواجها (1907) |
مارييتا بلو | تقنية الرصد بالفيلم الفوتوغرافي | تجاهل جائزة نوبل (1950) |
روزماري فاولر | اكتشاف جسيم الكاون | دكتوراه فخرية متأخرة (2023) |
من المختبر إلى الحياة اليومية
يبرهن أن "البحث المحض" يولّد ثماراً عملية غير متوقعة:
١. الثورة الطبية:
الأشعة السينية: تشخيص الكسور أثناء الحرب العالمية الأولى.
المسرعات الطبية: مسرّعات صغيرة (مثل تلك التي تطورها شيهي) تُنتج النظائر المشعة للعلاج الإشعاعي، وتُستخدم في علاج السرطان بالبروتونات (أدق من الأشعة التقليدية).
التصوير الحديث: التصوير المقطعي (CT) والرنين المغناطيسي (MRI) نتاج فهم تفاعل الجسيمات مع المجالات المغناطيسية.
٢. التكنولوجيا الرقمية:
الويب: اخترع تيم برنرز لي "شبكة الويب العالمية" في CERN لإدارة بيانات تجارب الجسيمات.
أشباه الموصلات: فهم سلوك الإلكترونات في السيليكون مهد لصنع الشرائح الإلكترونية في الهواتف والحواسيب.
٣. أدوات الاستكشاف:
تلسكوبات النيوترينو: ترصد هذه الجسيمات لتشخيص باطن البراكين قبل انفجارها، أو دراسة باطن الأهرامات دون حفر.
مطيافية الكتلة: تطورت من أجهزة فصل النظائر في مشروع مانهاتن إلى تطبيقات في الطب الشرعي والآثار.
نحو عصر جديد من الاكتشافات
تختتم برؤية تفاؤلية رغم تعقيد المسائل المعلقة:
الأسئلة الكبرى:
ما هي المادة المظلمة التي تشكل 95% من كتلة الكون؟
كيف توحيد الجاذبية مع القوى الكمومية؟
التحولات المنهجية:
الذكاء الاصطناعي: لتحليل البيانات الضخمة في تجارب الجسيمات.
مسرّعات الجيل الجديد: مثل مسرّعات الليزر البلاستيكية (التي تعمل عليها شيهي) لتقليل حجم المسرّعات العلاجية وجعلها في متناول المستشفيات.
دعوة إنسانية:
"التقدم يحتاج 3 مكونات: طرح أسئلة جيدة، وثقافة فضول، وحرية المثابرة. لا قوة تُضاهي البشر حين يتعاونون" .
ملخصا
هذا العمل بيان دفاع عن البحث العلمي القائم على الفضول. في عصر تطغى فيه التطبيقات قصيرة الأمد، تذكرنا شيهي أن اكتشاف الإلكترون بدأ بفضول حول أشعة كاثود غامضة، وأن علاج السرطان بالبروتونات كان نتاجاً جانبياً لتجارب فيزياء نووية.
الكتاب أيضاً تصحيح للتاريخ، بإعادة الاعتبار لعلماء ساهموا في فهمنا للكون ثم طواهم النسيان.
بأسلوب يجمع بين الدقة العلمية والسرد القصصي المشوق، تقدم شيهي للقارئ العادي ثمرة قرن من العبقرية الإنسانية، وتزرع فيه سؤالاً: أي عجائب جديدة ستُكشف حين نسبر أغوار الـ 95% المجهولة من كوننا؟
"الفيزياء لا تتعلق بالكون فحسب، بل بالناس أيضاً. إنها احتفاء بالإبداع البشري الذي يرفض الرضا بالألغاز".
مصادر إضافية للاستزادة:
0 تعليقات