Until the End of Time: Mind, Matter, and Our Search for Meaning in an Evolving Universe
"حتى نهاية الزمن: العقل، المادة، وسعينا لمعنى في كونٍ متطور"
تأليف: بريان غرين
المشروع الفكري
يُعد كتاب "حتى نهاية الزمن" (صدر عام ٢٠٢٠) رحلةً فلسفيةً وعلميةً طموحةً أطلقها الفيزيائي الشهير بريان غرين، أستاذ الرياضيات والفيزياء بجامعة كولومبيا ومؤسس مهرجان العلوم العالمي .
ينتقل الكتاب من فيزياء الثقوب السوداء إلى أسئلة الوجود الإنساني، مُستكشفًا كيف نشأ الكون، وتشكلت الحياة، وبرز الوعي، وكيف نخلق المعنى في مواجهة الفناء الحتمي.
يدمج غرين هنا تخصصاتٍ متعددةً — من الكوزمولوجيا إلى البيولوجيا التطورية وعلم النفس — مُحققًا رؤية الفيزيائي إروين شرودنغر في توسيع حدود المعرفة عبر التخصصات.
القوانين الكونية الحاكمة — الانتروبيا والجاذبية
١. الانتروبيا: قوة الفوضى الخلاقة
التعريف والتناقض: الانتروبيا هي مقياس "اضطراب النظام" في الكون، وتزداد حتميًّا بموجب القانون الثاني للديناميكا الحرارية. لكن غرين يشرح أن هذا لا يعني غياب النظام، بل ظهوره عبر "رقصة الانتروبيا الثنائية" (Entropic Two-Step):
الخطوة الأولى: تكوُّن بؤر منظمة محليًّا (مثل النجوم أو الخلايا الحية).
خطوة التعويض: طرد كميات أكبر من الفوضى إلى المحيط (مثل الإشعاع النجمي أو فضلات الخلايا).
الانفجار العظيم كنقطة انتروبيا منخفضة نادرة: كان الكون المبكر في حالة انتروبيا منخفضة للغاية، وهي حالة "غير محتملة إحصائيًّا" مهَّدت لظهور كل البُنى المركبة لاحقًا.
٢. الجاذبية النابذة: المحرك الخفي للانفجار العظيم
يكشف غرين دورًا مفاجئًا للجاذبية: فهي ليست قوة جذب فقط، بل يمكن أن تكون نابذة (Repulsive) عندما تتعلق بـالطاقة المظلمة (Dark Energy)
. هذه الطاقة — وفق نظرية النسبية العامة — هي ما دفع التوسع الكوني الأولي في اللحظات الأولى بعد الانفجار العظيم:
"عندما تقفز ذرة صغيرة من الفضاء إلى حالة انتروبيا منخفضة، تنشط الجاذبية النابذة لتدفعها نحو التوسع السريع — وهذه هي لحظة الانفجار العظيم".
من المادة إلى الحياة — تطور التعقيد
١. ولادة العناصر: من الدقائق الأولى إلى باطن النجوم
الدقائق الأولى: بعد الانفجار العظيم بدقائق، تشكلت العناصر البسيطة (الهيدروجين والهيليوم) عند درجات حرارة عالية.
دور النجوم كمصانع كونية: في قلوب النجوم، اندمجت العناصر الخفيفة تحت ضغط هائل لتكوين عناصر أثقل (كالكربون والأكسجين). عند موت النجوم (في ظاهرة السوبرنوفا)، نُثرت هذه العناصر في الفضاء، لتصير لبنات بناء الكواكب والحياة.
٢. أصل الحياة: من الجزيئات إلى الكائنات
يستعرض غرين نظريات نشأة الحياة، مُركّزًا على:
فرضية عالم الـ RNA: جزيئات الـ RNA كانت قادرة على تخزين المعلومات والتكاثر الذاتي، مما جعلها "جسرًا" بين المادة غير الحية والخلايا الأولى.
التطور عبر الانتقاء الطبيعي: بمجرد ظهور التكاثر، بدأت آلية الانتخاب الطبيعي في صقل الكائنات نحو تعقيد متزايد، انتهاءً بالبشر.
الوعي والإرادة الحرة — أوهام مفيدة؟
١. الوعي كظاهرة فيزيائية
يرفض غرين الثنائية (Dualism) بين العقل والمادة، مؤكدًا أن الوعي ينشأ من تفاعلات معقدة بين الخلايا العصبية. النظريات التي يطرحها تشمل:
نظرية المعلومات المتكاملة (Integrated Information Theory): درجة الوعي تعتمد على كثافة الاتصالات بين الخلايا.
النموذج التنبوء للدماغ (Predictive Processing): الدماغ يبني نماذج للواقع ويعدلها باستمرار.
٢. الإرادة الحرة: وهم بيولوجي
يقدم غرين حجة صادمة: "الإرادة الحرة" قد تكون مجرد وهم ناتج عن:
تأثير عوامل غير واعية: مثل الهرمونات أو الذكريات المكبوتة.
تكيُّف تطوري: الإحساس بالاختيار يعزز اتخاذ قرارات سريعة في مواقف البقاء.
"نحن أكياس من الجسيمات — عقلًا وجسدًا — والحقائق الفيزيائية عن هذه الجسيمات تكفي لتفسير سلوكها".
الفصل ٤: البحث عن المعنى — السرد، الدين، والفنون
١. السرد كغريزة بشرية
يُجادل غرين أن البشر "كائنات قاصّة" (Storytelling Animals) لأن السرد:
يُنظم التجارب الفوضوية في حبكة متماسكة.
يعزز التماسك الاجتماعي عبر الروايات المشتركة (مثل الأساطير).
٢. الدين: رد فعل وجودي ضد العشوائية
يناقش الكتاب وظائف الدين:
مواجهة الموت: فكرة الخلود أو الحياة الآخرة تُهدئ القلق الوجودي.
اكتشاف النمط (Pattern Recognition): ميل البشر لرؤية "يد خفية" وراء الأحداث العشوائية (مثل الكوارث الطبيعية).
٣. الفن والإبداع: مقاومةٌ للزوال
حتى بدون فائدة بيولوجية واضحة، يرى غرين أن الفنون:
تخلق "خلودًا رمزيًّا" (مثل لوحة فان غوخ أو سيمفونية بيتهوفن).
تُعمق فهمنا للذات والعالم عبر التجريد.
مصير الكون — من التوسع إلى الفناء
سيناريوهات نهاية الكون
السيناريو | الآلية | المدة المقدرة | |
---|---|---|---|
موت حراري | توسع الكون يخمد النجوم، فتتبخر المادة في فضاء بارد | ١٠^١٠٠^ سنة | |
الانسحاق العظيم | انهيار الكون بسبب جاذبية المادة المظلمة | غير محددة | |
التمزق العظيم | الطاقة المظلمة تتغلب على الجاذبية، فتمزق المجرات ثم الذرات | ٢٢ مليار سنة |
مصير الحياة والفكر
حتى لو تجنبت الحياة الانقراضات القريبة (كاصطدام كويكب)، فإنها تواجه تحديات كونية:
نضوب الطاقة: مع موت النجوم، سيصير الكون مظلمًا، وستفقد الحياة مصادر الطاقة.
تبخر البروتونات: في السيناريو الأبعد، تتحلل المادة نفسها إلى جسيمات أولية.
البحث عن المعنى في ظل الزوال
التوازن بين العلم والفلسفة
يختتم غرين بأن العلم لا ينفي الحاجة للمعنى، بل يعيد صياغتها:
"في سعينا للقيمة والغاية، الإجابات الوحيدة ذات الأهمية هي تلك التي نصنعها نحن... خلال لحظتنا القصيرة تحت الشمس، مهمتنا النبيلة هي أن نجد معنانا الخاص".
جدول: تطور الكون والبحث البشري عن المعنى
المرحلة الكونية | التحول الجوهري | استجابة البشر | |
---|---|---|---|
الانفجار العظيم | ظهور الانتروبيا المنخفضة | — | |
تشكل النجوم | تصنيع العناصر الثقيلة | — | |
ظهور الحياة | تطور الوعي | الأساطير التفسيرية | |
الحضارة الإنسانية | تطور اللغة والفنون | الدين، الفلسفة، العلوم | |
فناء الكون | عودة إلى الانتروبيا القصوى | السعي لخلود رمزي |
نقد وتأثير الكتاب
القوة: يُثري غرين النقاش حول "المعنى في عصر علمي" دون اختزال الإنسان في مادة فقط، كما يمد جسورًا بين العلوم الإنسانية والطبيعية.
التحدي: بعض النقاد يرون أن الفصول المتأخرة (عن الدين والفن) فقدت تركيز الكتاب الفيزيائي، مما زاد "انتروبيا النص".
الإرث: يقدم الكتاب رؤيةً متكاملةً تُذكرنا بـ"الفلسفة الطبيعية" لعلماء مثل آينشتاين وهايزنبرغ، حيث العلم استكشافٌ للكون والذات معًا.
اقتباسات جوهرية
"في ملء الزمن، كل حي سيموت" — افتتاحية الكتاب.
"الحياة هي فيزياء مُنظَّمة" — تلخيص وحدة الوجود.
"نحن نتاج سلالة طويلة هدأت قلقها الوجودي بتخيل أنها تترك أثرًا" — عن سعينا للخلود.
ملخصا
"حتى نهاية الزمن" ليس مجرد سردٍ لتاريخ الكون، بل هو تأملٌ في موقعنا الفريد فيه: كائناتٌ عابرةٌ تدرك فنائها، وتسعى — رغم ذلك — لخلق الجمال والفهم. يُذكّرنا غرين أن قبول زوالنا لا يلغي المعنى
بل يجعله أكثر إلحاحًا وجمالًا. كما كتب في المراجعة التي أجرتها مجلة كولومبيا:
"كم هو مذهل غير المحتمل... كم هو رائع بشكل مثير
0 تعليقات