"أسطورة العبقرية: تاريخ غريب لفكرة خطيرة" لهيلين لويس
تقديم الكتاب والمؤلفة
"أسطورة العبقرية: تاريخ غريب لفكرة خطيرة" (The Genius Myth: A Curious History of a Dangerous Idea) هو العمل الجديد للكاتبة والباحثة هيلين لويس، الكاتبة في مجلة "ذا أتلانتيك" ومقدمة البودكاست الشهير لـ BBC بعنوان "The New Gurus".
صدر الكتاب في 17 يونيو 2025، ويقع في 320 صفحة من القطع الكبير. لويس، التي اشتهرت بكتابها السابق "نساء صعبات: تاريخ النسوية في 11 معركة" (Difficult Women: A History of Feminism in 11 Fights)
تُعيد في هذا العمل طرح سؤال جوهري حول فكرة "العبقرية" وكيف تشكلت عبر التاريخ لتخدم قيماً مجتمعية معينة، وتستبعد أخرى، بل وتتيح لبعض الأفراد تصرفات لا يُسمح بها للآخرين.
يدرس الكتاب كيف أن كلمة "عبقري" – التي دخلت الإنجليزية مباشرة من اللاتينية – تحولت من دلالتها الأصلية في روما القديمة
حيث كانت تشير إلى "الإله الحامي" أو "روح العائلة أو المكان"، لتصف الفرد ذا الذكاء أو الموهبة أو الإبداع الاستثنائي في عصر النهضة.
يجادل الكتاب بأن تحول مفهوم العبقرية من فكرة جماعية إلى سمة فردية كان نقطة تحول تاريخية خطيرة، ساهمت في تشكيل صورة نمطية للعبقري كرجل أبيض، معفى من القيود الاجتماعية وأحياناً القانونية، ومتسامح مع عيوبه الشخصية وسلوكه السيء باسم إنتاجه الاستثنائي.
الإطار النظري وأطروحة الكتاب الأساسية
الفرضية المركزية للكتاب، كما يوضح من العنوان، هي أن "العبقرية" بصورتها السائدة اليوم هي أسطورة خطيرة (A Dangerous Idea). لا تنكر لويس وجود أفراد استثنائيين
قدموا إسهامات غيرت مجرى التاريخ في الفنون والعلوم، لكنها تتحدى الرواية الاجتماعية المسيطرة التي تقدم هؤلاء الأفراد ككائنات منعزلة، منبثقة من فراغ، ومدفوعة بقدرات فطرية خارقة.
بدلاً من ذلك، تقدم لويس رؤية أكثر تعقيداً تُركز على السياق المجتمعي، وشبكات التعاون، والعوامل التاريخية والاقتصادية التي تسمح بظهور هؤلاء الأفراد وتكريسهم كـ "عباقرة".
تستشهد لويس بمقولة رئيسية تكررها في الكتاب: "يمكنك معرفة ما تقدره المجتمع من خلال من يطلق عليهم عباقرة. ويمكنك أيضاً معرفة من يستبعدهم، ومن يمكنهم، وما هو مستعد لتقبله".
من خلال هذه العدسة، يصبح مفهوم العبقرية مرآة تعكس تحيزات المجتمع وقيمه، أكثر من كونه وصفاً موضوعياً للقدرات الفردية.
الهيكل العام والمنهجية
يتبع الكتاب نهجاً تاريخياً-تحليلياً، حيث يقوم ب:
تتبع التطور التاريخي لفكرة العبقرية من العصور الكلاسيكية حتى عصر "عباقرة" التكنولوجيا في Silicon Valley.
تفكيك سير عدد من الشخصيات التي تم تقديسها كعباقرة (مثل ليوناردو دافنشي، بيكاسو، أينشتاين، البيتلز، وإيلون ماسك) لكشف الآليات التي صنعت منهم رموزاً.
تحليل النظم الاجتماعية والعلمية التي سعت لقياس العبقرية وتصنيفها، مثل اختبارات الذكاء (IQ) وأعمال علماء تحسين النسل مثل فرانسيس غالتون.
إبراز الدور المحوري للمتعاونين والمهمشين، وخاصة النساء الزوجات والشركاء الذين ظلوا في الظلام بينما تم تتويج الرجل "العبقري".
تخلط لويس بين البحث الأكاديمي العميق وأسلوبها السردي الساخر والخفيف، مما يجعل الكتاب مقروءاً من قبل جمهور واسع غير متخصص.
صناعة الأسطورة - من "الروح الحارسة" إلى "الفرد الخارق"
الجذور الكلاسيكية والتحول في عصر النهضة
تبدأ لويس رحلتها بالعودة إلى أصل الكلمة. في روما القديمة، كان "العبقري" (Genius) هو الإله الحامي أو روح (spirit) ترافق العائلة أو المكان، وتمنحها طابعها المميز. الإلهام أو البصيرة المفاجئة كانت تُنسب إلى استحواذ هذا "العبقري-الروح" على الشخص، وليس إلى قدراته الفطرية. كان مفهومًا جماعيًا أكثر منه فرديًا.
التحول الحاسم، وفقًا للويس، حدث في عصر النهضة الإيطالية على يد جورجو فاساري (Giorgio Vasari). في كتابه الشهير "حياة أكثر الرسامين والنحاتين والمعماريين بروزًا" (1550 و1568)، قام فاساري بصياغة الروايات الأولى والأكثر ديمومة حول العبقرية الفردية.
لقد قدم فنانين مثل مايكل أنجلو وليوناردو دافنشي ليس كحرفيين ماهرين فحسب، بل كشخصيات أسطورية، أشبه بالقديسين العلمانيين.
مايكل أنجلو: نموذج الفنان المعذب: صوره فاساري كراهب فني، منغمس تمامًا في فنه، المأكل أو الملبس، لدرجة أنه نام بملابسه وارتدى نفس الحذاء لفترة طويلة حتى التصق جلده به. هنا، تبدأ أسطورة "الفنان المعذب" (Tortured Artist) التي تربط بين العبقرية والمعاناة.
ليوناردو دافنشي: نموذج العبقري المشتت: قدمه فاساري كونه polymath (شخصية موسوعية) غارق في العديد من المجالات لدرجة أنه نادرًا ما أنهى أي عمل. هو أيضًا النموذج الأول لـ "العبقري الطفل" (prodigy) الذي تفوق على معلميه بسرعة، والعبقري الذي مات شابًا نسبيًا تاركًا إرثًا من الأعمال غير المكتملة التي جعلت العالم يتساءل "ماذا لو عاش أكثر؟".
بهذه الصياغة، قام فاساري، بشكل أساسي، بإنشاء أول سير ذاتية مقدسة (hagiographies) لشخصيات غير دينية، ووضع الأسس النarrative للأسطورة التي ستستمر لقرون.
العلم الزائف والقياس المستحيل - مطاردة العبقرية الوراثية
من الفن إلى العلم، حيث يحلل الكتاب المحاولات "العلمية" لقياس العبقرية وعزلها كصفة وراثية.
فرانسيس غالتون وتحسين النسل
يخصص الكتاب فصلًا هامًا لعالم الإحصاء الإنجليزي فرانسيس غالتون (Francis Galton)، ابن عم تشارلز داروين. في كتابه "العبقرية الوراثية" (1869)، سعى غالتون لإثبات أن العبقرية سمة موروثة وطبيعية.
قام بدراسات إحصائية على عائلات القضاة الإنجليز ورجال الدين، وخلص إلى أن "العبقرية" تنتشر في عائلات معينة، وأنها أكثر شيوعًا بين الأوروبيين مقارنة بـ "الأعراق الدنيا"، وأنها على الرغم من انتقالها عبر الخط الأنثوي، فإنها لا تظهر في النساء أنفسهن.
تشير لويس إلى أن منهجية غالتون كانت معيبة بشكل واضح، حيث لم تتمكن من فصل امتيازات النepotism (المحسوبية) عن الموهبة الحقيقية.
ومع ذلك، فإن نظرياته، including the term "eugenics" (تحسين النسل) which he coined, remain influential. بل إن طلاب الطب حتى اليوم (أكثر من نصفهم من النساء) يُطلب منهم الإلمام بأعماله ضمن مناهجهم.
لويس تيرمان واختبارات الذكاء (IQ)
تتابع لويس هذا الخط الفكري إلى عالم النفس الأمريكي لويس تيرمان (Lewis Terman)، الذي اشتهر بتعميم اختبارات الذكاء (IQ) في الولايات المتحدة. ادعى تيرمان أن الأشخاص "ذوي الذكاء دون الطبيعي" يتواجدون "بتردد استثنائي بين الهنود والمكسيكيين والزنوج".
مسعاه التصنيفي، "الدراسات الجينية للعبقرية" (Genetic Studies of Genius)، الذي سعى لتحديد العباقرة المستقبليين من خلال اختبار أطفال كاليفورنيا، أخفق بشكل كبير: فقد فشل في اختيار عينة تمثيلية من الأقليات، وتجاهل ما يقدر بـ 24-40% من الأطفال الذين قد يكونون مؤهلين. الأكثر إثارة للسخرية، أنه رفض طفلين حصلا على جائزة نوبل في الفيزياء (أحدهما هو ويليام شوكلي).
ويليام شوكلي: عبقرية تتحول إلى هوس عنصري
تخصص لويس فصلًا لـ ويليام شوكلي (William Shockley)، الحائز على نوبل في الفيزياء لعمله على الترانزستور، والذي رفضه تيرمان في طفولته. كان شوكلي self-promoter وصعب المراس.
في منتصف عمره، أصبح مستحيل العمل معه.
تحول إلى الترويج لعلوم زائفة، مدعيًا وجود علاقة مباشرة بين "نسبة الأصول القوقازية" لدى الشخص وذكائه.
طالب بتعقيم منخفضي الذكاء، وتبرع لـ "بنك مني لل Nobel laureates" بينما يشكو публично أن أطفاله لم يكونوا على مستوى ذكائه (ملمحًا أن المشكلة كانت في أمهم).
تقول لويس إنه بحلول وقت وفاته (1989)، كان يعتبر من المتطرفين، في ظاهرة شائعة enough between Nobel laureates لدرجة أنها حصلت على اسم: "Nobelitis" (مرض النوبل).
الثمن البشري والعباقرة غير الملائمين - الجنس، العرق، والمرض العقلي
العبقرية كرخصة للسلوك السيء
يتحدى الكتاب الصورة النمطية للعبقري المعذَب الذي يجب أن يكون مضطربًا نفسيًا ليكون مبدعًا. تستشهد لويس بـ جون ناش (John Nash)، عالم الرياضيات الحائز على نوبل والمصاب بمرض انفصام الشخصية، والذي قال إن أفكاره حول الكائنات الخارقة جاءته بنفس طريقة أفكاره الرياضية.
لكنها توازن هذا بالحديث عن كارين غرين (Karen Green)، زوجة الكاتب ديفيد فوستر والاس الذي انتحر، التي انتقدت فكرة أن اكتئابه ساعد فنه: "لم يفهم الناس كم كان مريضًا... كان وحشًا أكلته للتو. وفي تلك المرحلة، أصبح كل شيء ثانويًا compared to المرض".
وتجادل لويس بأن المجتمع قد يرغب بشكل غير واعٍ في أن يدفع العباقرة "ثمنًا بشريًا" مقابل هبتهم، even to the point of romanticizing their suffering or suicide (as with the "27 Club").
الأكثر إثارة للاستياء، كما توثق لويس، هو أن هذا الترخيص often يدفع ثمنه الشركاء المنسيون، غالبًا النساء الزوجات اللاتي يتحولن إلى سكرتيرات وخادمات شخصيات. تذكر لويس:
فيرا نابوكوف: زوجة Vladimir Nabokov، التي كانت تدير جميع شؤونه العملية.
صوفيا تولستوي: زوجة Leo Tolstoy، which نسخت مخطوطة "War and and Peace" 7 مرات كاملة بخط يدها.
ليونارد وولف: الزوج النادر، دعم Virginia Woolf.
ميلفا ماريتش: الزوجة الأولى لألبرت أينشتاين، which كانت عالمة فيزياء أيضًا، والتي قال عنها أينشتاين لابن عمه (which كانت also عشيقته): "أعاملها كموظف لا أستطيع طرده".
، وضع لها قائمة شروط مهينة للغاية للاستمرار في الزواج، including "ستتوقفين عن الكلام معي إذا طلبت ذلك".
استبعاد النساء والأقليات
الكتاب يسلط الضوء على كيف أن تعريف العبقرية himself كان أداة للاستبعاد. يشير إلى أن غالتون نشر نظرياته في نفس العام (1869) الذي سُمح فيه لأول مرة لمجموعة صغيرة من النساء البريطانيات بتقديم امتحان القبول الجامعي.
لقرون، كانت فكرة "العبقري" مرتبطة بشكل غير قابل للفصل بـ الذكورة والبياض، مما حال دون الاعتراف بإنجازات عدد لا يحصى من النساء والأشخاص ملونين.
التفكيك والبديل - نحو فهم أكثر جماعية للإبداع
أسطورة الرجل الواحد: التعاون والحظ والضرورة
تفند لويس فكرة أن الإنجازات العظيمة هي من صنع فرد واحد منعزل. Instead, they are often:
حتمية تاريخية: Many inventions were on the cusp of being discovered by someone else anyway (مثل Calculus الذي اكتشفه نيوتن وليبنيز في وقت متقارب).
نتيجة جهد جماعي: تبرز لويس "مشهد" (scenius) – a portmanteau of "scene" and "genius" – emphasizing the creative milieu and community that fosters innovation.
ثمرة حظ وظروف: Being in the right place at the right time with the right resources.
مثال البيتلز: تتساءل لويس عما إذا كانوا سينجحون اليوم. Their success wasn't just raw talent, but also نتيجة للقاء فريد من نوعه بين موهبتهم، managerهم (براين إبستين)، productهم (جورج مارتن)، والثقافة الشبابية المزدهرة في الستينيات التي كانت hungry للتغيير.
حتى في المجالات التي تبدو فردية للغاية like theoretical physics, تذكر لويس أن figures like ستيفن هوكينغ اعتمدوا heavily on teams of researchers and assistants who rarely receive credit.
إيلون ماسك: دراسة حالة للعبقري الحديث
تختم لويس كتابها بتحليل لـ إيلون ماسك، الذي تراه كمثال رئيسي على استمرار أسطورة العبقرية في عصر التكنولوجيا. هو رجل يعتبر نفسه Übermensch (إنسان خارق)، ويتصرف accordingly, often with disruptive and sometimes destructive consequences. تشير إلى تغريدة له يربط فيها بين "ذكورة التيستوستيرون العالية" (high T alpha males) والقدرة على اتخاذ قرارات "موضوعية" courageously – وهي صورة تعيد إنتاج النموذج القديم للعبقري الذكر الأبيض المتغطرس والمعفى من المحاسبة.
النقد والتقييم
الكتاب تلقى مراجعات متباينة.
الإيجابيات: أُشيد بكونه "ذكيًا، ممتعًا، واستفزازيًا", and its sections on the history of IQ and eugenics are highlighted as particularly strong and well-researched.
فكرته حول تطبيق مصطلح "عبقري" على الأعمال specific وليس on individuals وجدها البعض مقنعة.
السلبيات: critics argued that Lewis at times engages in an "inverse hagiography" or "Annoying Man theory of history," focusing too much on the individual defects of geniuses rather than the larger systemic issues.
البعض saw the book as preaching to the choir, selling a disease (the myth) in order to sell the cure (her analysis) to an audience already skeptical of such figures
انتقد structure الكتاب، حيث أصبح النصف الثاني "سلسلة of disconnected essays" less successful, including a lengthy digression on the Beatles that some found unnecessary.
هناك also انتقادات لموقف لويس الشخصي في قضايا الجندر، حيث يرى البعض أن بعض آرائها exclusionary تجاه transgender women تناقض خطابها النقدي ضد الاستبعاد.
أهمية الكتاب وأهم أفكاره
"أسطورة العبقرية" ليس كتابًا ينكر التفوق الفردي أو الإنجاز الاستثنائي. Rather, it is a call for a more humble, nuanced, and democratic understanding of human achievement. It urges us to:
التوقف عن تقديس الأفراد وإعفائهم من المساءلة الأخلاقية والاجتماعية bajo لواء العبقرية.
التقدير الأكبر للشبكات والتعاون الذي makes innovation possible, and to give credit where it is due.
الاعتراف بالدور الذي تلعبه الصدفة، والامتياز، والظروف التاريخية في صناعة "العباقرة".
توسيع نطاق من نعتبرهم عباقرة by challenging the biases (racial, gender, class) built into the current definition.
توجيه الإعجاب towards specific works of genius – a painting, a theory, a composition – rather than towards an idealized and often unexamined image of the person behind them.
في النهاية، تخلص لويس إلى أن "هناك many بذور of العبقرية في العالم. يجب أن نرعى أكبر number ممكن منها"، ولكن we must also "أن نكون متواضعين regarding المكان الذي can توجد فيه these الصفات". الكتاب هو مساهمة قوية في تفكيك أسطورة كاذبة and potentially harmful, and an invitation to build a culture that values collective creativity and diverse contributions over the cult of the solitary, and often toxic, genius.
0 تعليقات