"فرانكشتاين" لماري شيلي
تحليل أدبي وتاريخي
السياق التاريخي والأدبي للرواية
أصول الفكرة: ولدت الفكره عام 1816 في فيلا ديوداتي بسويسرا، خلال لقاء جمع ماري شيلي (18 عامًا آنذاك) بزوجها الشاعر بيرسي شيلي، وصديقهما اللورد بايرون. تحداهم بايرون بكتابة قصص رعب خلال ليالي الشتاء العاصفة، فحلمت ماري بـ"طالب علم يخلق كائنًا ثم يهرب من فظاعته"، وهو الحلم الذي تطور إلى الرواية.
التجارب الشخصية: تأثرت شيلي بموت والدتها بعد ولادتها مباشرة، وفقدان ابنتها الأولى بعد أيام من ولادتها. كتبت في مذكراتها عن أحلامها بإحياء الطفلة، مما غذى فكرة "بعث الحياة" في الرواية.
التأثيرات العلمية: استلهمت الرواية من تجارب "الكهرباء الحيوية" (الجلفانية) التي كانت رائجة آنذاك، ومن أساطير مثل بروميثيوس الذي سرق النار من الآلهة (وهو ما يفسر العنوان الفرعي: "بروميثيوس الحديث").
الشخصيات الرئيسية
فيكتور فرانكنشتاين:
عالم شاب سويسري من عائلة ثرية، يدرس الكيمياء والتشريح في جامعة إنجولشتادت الألمانية.
هوسه باكتشاف "سر الحياة" يقوده لتجميع جثة بشرية من مقابر ومسالخ، ويُحييها عبر تقنية غير محددة (تلمح الرواية للكهرباء).
رفضه للمخلوق فور إحيائه يعكس صراع العلم مع الأخلاق، ويهرب من مسؤولياته كـ"خالق".
المخلوق (الوحش):
بارتفاع 2.4 متر، بشرته شاحبة وعروقه مرئية، مما يثير الرعب. رغم ذلك، ذكي ويتعلم اللغة ذاتيًا من خلال مراقبة عائلة فرنسية فقيرة اختبأ في كوخ مجاور لها، وقراءة كتب مثل "الفردوس المفقود".
تطوره النفسي: من البراءة إلى الشر بسبب رفض المجتمع له ("كنت طيبًا؛ البؤس جعلني شيطانًا").
رمزية الاسم: يشاع خطأً تسميته "فرانكنشتاين"، لكن هذا اسم خالقه. الرواية تسميه "المخلوق" أو "الوحش".
شخصيات محورية أخرى:
إليزابيث لافينزا: ابنة بالتبني تربى مع فيكتور، وتقتل ليلة زفافهما انتقامًا.
هنري كليرفال: صديق فيكتور المخلص، يُقتل ظلمًا بواسطة المخلوق.
الكابتن روبرت والتون: بحار يروي القصة عبر رسائل لأخته، ويكون شاهدًا على نهاية فيكتور.
تطور شخصية المخلوق
المرحلة | السمات | الأحداث المحورية |
---|---|---|
الولادة | بريء، فضولي | هروب فيكتور منه |
التعلم | يتكلم الفرنسية، يقرأ الأدب | مراقبة العائلة الفقيرة |
الرفض | يشعر بالوحدة والغضب | هجوم الفلاحين عليه بالحجارة |
الانتقام | يتحول للشر | قتل ويليام، إليزابيث، هنري |
السرد للأحداث
الخلق والهروب
يروي فيكتور قصته للكابتن والتون خلال رحلة استكشاف القطب الشمالي، حيث يُنقذ من على الجليد وهو يطارد المخلوق.
في فلورنسا، يكتشف سر الحياة ويخلق المخلوق في ليلة "نوفمبر الكئيبة". يصاب بالرعب من مظهره ويهجر المختبر، ليعود ويجده اختفى.
يُقتل شقيق فيكتور الصغير "ويليام"، وتُتهم الخادمة "جوستين موريتز" الظلمًا بالجريمة بعد العثور على قلادة الطفل في جيبها. تُعدم رغم براءتها، ويعلم فيكتور أن المخلوق هو القاتل.
لقاء الخالق بالمخلوق
يلتقي فيكتور بالمخلوق في جبال الألب، فيروي الأخير معاناته:
تعلم الكلام سرًا من عائلة "دي لاسي" الفرنسية.
حاول مساعدتهم بإحضار حطب سرًا، لكنهم هربوا عند رؤيته.
أحرق كوخهم انتقامًا.
الصفقة الأخلاقية: يطلب المخلوق رفيقة أنثى مقابل اعتزاله البشر. يوافق فيكتور خوفًا من شروره.
خلق الأنثى والتدمير
يسافر فيكتور وهنري إلى اسكتلندا، حيث يعمل على الأنثى في جزيرة نائية.
تدمير الأنثى: يخشى أن يتكاثر المخلوقان فيخلدا جنسًا جديدًا، أو أن تكون أكثر شرًا.
انتقام المخلوق: يقتل هنري، ويقول لفيكتور: "سأكون معك في ليلة زفافك".
الزفاف والموت
بعد تبرئة فيكتور من تهمة قتل هنري، يتزوج إليزابيث.
مفارقة التهديد: يقتل المخلوق إليزابيث لا فيكتور، ليلة الزفاف (رمزية: حرمان فيكتور من السعادة كما حُرم هو).
المطاردة النهائية: يتبع فيكتور المخلوق للقطب الشمالي، ويموت على سفينة والتون. يظهر المخلوق وينتحر فوق جثة خالقه قائلًا: "الشر عاش فيَّ، لكن لم يكن من طبيعتي".
الموضوعات الفلسفية والأدبية
مسؤولية الخالق:
فيكتور يمثل العلم الطموح دون اعتبار للعواقب ("هل يحق لي أن ألعب دور الإله؟").
المخلوق يصرخ: "كنت يجب أن أكون آدمك، لكنني صرت ملاكك الساقط!"، مشيرًا إلى أن الهجران حوّله لشرير.
الوحدة والانتماء:
المخلوق يطلب رفيقة لأن "الشر ينبع من الوحدة"، لكن رفض فيكتور يدفعه للجريمة.
الطبيعة مقابل التربية:
الرواية تسأل: هل الشر فطري أم نتاج القسوة؟ المخلوق يبدأ طيبًا، لكن رفض المجتمع يفسده.
البنية السردية المعقدة:
تستخدم الرواية "الحكايات الإطارية": رسائل والتون → رواية فيكتور → سرد المخلوق.
التأثير
الخيال العلمي: تُعتبر أول رواية خيال علمي في الأدب الغربي، حيث يستبدل "السحر" بـ"العلم" كقوة خارقة.
السينما: ألهمت أكثر من 130 فيلمًا، أبرزها فيلم 1931 مع بوريس كارلوف في دور المخلوق.
التفسيرات الحديثة:
فرانكشتاين في بغداد لأحمد سعداوي: يعيد تصوير المخلوق كضحية للحروب العراقية.
الطعام المعدل وراثيًا: يُسمى أحيانًا "Frankenstein food".
الأرقام: بيعت نسخة أصلية عام 2021 بمليون دولار، وحققت الرواية 50 ألف نسخة مبيعات عام 2016 فقط.
قراءة نقدية
تلك الرواية تتجاوز أدب الرعب لتصير استعارةً كونيةً:
العلم دون ضمير: تحذير من تجارب الهندسة الوراثية والذكاء الاصطناعي غير المسؤول.
الغرباء في المجتمع: المخلوق هو رمز لكل مرفوض بسبب "الاختلاف" (عرقي، جسدي، ثقافي).
الأبوة الفاشلة: فيكتور هو "أب" هارب من تبعات خلقه، مما يذكر بمواقف الهجران الواقعية.
"أيها الإنسان! اعدل في حكمك عليّ. دعني أعيش حياةً، أو دعني أموت!" — خطاب المخلوق الأخير.
تظل الرواية مرآةً لأخلاقيات العلم ومعنى الإنسانية، وهي صرخة ضد الوحدة التي تولد الوحشية
0 تعليقات