"هنري السادس الجزء الثالث" لوليم شكسبير
المقدمة: السياق التاريخي والأدبي
تنتمي هذه المسرحية إلى الرباعية التاريخية الأولى لشكسبير (مع "هنري السادس 1-2" و"ريتشارد الثالث")، وتُصوِّر المرحلة الأخيرة من حروب الوردتين (1455-1485) بين بيتي لانكاستر (الوردة الحمراء) ويورك (الوردة البيضاء).
كُتِبَت حوالي 1590-1593 ، وتُبرز تفتت إنجلترا بسبب الصراع على العرش، حيث تتحول الحرب الأهلية إلى صراع وجودي يُفكك الأسر والقيم الإنسانية.
الشخصيات المحورية وتطورها الدرامي
| الشخصية | الانتماء | المصير | الدور الدرامي |
|---|---|---|---|
| هنري السادس | لانكاستر | اغتيال في البرج | الملك الضعيف، رمز الضياع الأخلاقي |
| الملكة مارغريت | لانكاستر | نفي بعد خسارة المعركة | القوة العسكرية، "ذئبة فرنسا" |
| ريتشارد غلوستر | يورك | يخطط للاستيلاء على العرش | الشرير الميكافيلي، نواة ريتشارد الثالث |
| إيرل وارويك | يورك ثم لانكاستر | مقتول في بارنت | "صانع الملوك"، تجسيد الخيانة السياسية |
صراع العرش والدم
1. مشهد البرلمان الافتتاحي: التنازل المشين
الحدث الجوهري: يجلس ريتشارد يورك على العرش في البرلمان، ويُجبر الملك هنري على التوقيع على اتفاقية التوريث التي تسلب حق ابنه الأمير إدوارد في الخلافة.
الرمزية: العرش ليس كرسيًّا ماديًا بل يمثل شرعية مهترئة، حيث يقول هنري: "كلُّ شيءٍ يضيع عندما يُمسك الجبناء بالسلطة".
رد فعل مارغريت: ترفض الاتفاقية وتشكل جيشًا، قائلة لهنري: "أيُّ أبٍ أنت إذا تنازلتَ عن ميراث ابنك؟".
2. مقتل يورك: نقطة التحول التراجيدية
الانتقام الدموي: تقود مارغريت جيشًا لمهاجمة قلعة ويكفيلد، حيث يُقتل ابن يورك الصغير روتلاند على يد لورد كليفورد انتقامًا لمقتل أبيه.
التعذيب النفسي: تقدم مارغريت ليورك منديلًا مغموسًا بدماء روتلاند، وتضعه على رأسه كـ"تاج ورقي"، ثم تطعنه مع كليفورد.
الدلالة: تحويل المأساة إلى طقس همجي، حيث يصرخ يورك: "يا ذئبةَ فرنسا.. أسوأ من ذئابات فرنسا".
صعود وسقوط الملوك
الجدول الزمني للأحداث الرئيسية
| الحدث | المكان | النتيجة | التأثير السياسي |
|---|---|---|---|
| معركة ويكفيلد (1460) | يوركشاير | مقتل يورك وروتلاند | تفكك جيش يورك |
| معركة توتون (1461) | يوركشاير | انتصار يورك، مقتل كليفورد | تتويج إدوارد الرابع ملكًا |
| خيانة وارويك (1469) | فرنسا/إنجلترا | تحالف وارويك مع لانكاستر | إعادة هنري السادس للعرش |
| معركة بارنت (1471) | بارنت | مقتل وارويك | سقوط حكم لانكاستر المؤقت |
| معركة توكسبري (1471) | غلوسترشاير | مقتل الأمير إدوارد، نفي مارغريت | نهاية بيت لانكاستر |
أزمات الحكم المتعاقبة
إدوارد الرابع (بيت يورك):
الزواج المثير للجدل: يتخلى عن خطوبة "ليدي بونا" الفرنسية ليتزوج الأرملة إليزابيث غراي، مما يدفع وارويك - سفيره في فرنسا - للخيانة.
الصراع العائلي: إخوته ريتشارد وجورج (كلارنس) يعارضان الزواج، وينضم جورج إلى وارويك.
وارويك "صانع الملوك":
يُحرر هنري السادس من البرج ويعيده ملكًا صوريًّا، لكن إدوارد يهرب ويعود بجيش جديد.
المأساة النهائية في توكسبري:
تُهزم مارغريت، ويُقتل ابنها الأمير إدوارد أمام عينيها، ثم يُقتل هنري السادس في البرج على يد ريتشارد.
تشكيل الشر المطلق
الخطاب المنفرد: بيان الطموح الشيطاني
في مشهد أساسي (الفصل 3، المشهد 2)، يكشف ريتشارد عن دواخله:
المرارة الجسدية: يشير إلى ظهره الأحدب وذراعه الضامر: "لماذا إذن، الحب تنكر لي في رحم أمي؟".
الإستراتيجية الميكافيللية: يقرر أن يصبح الممثل الخفي للتاريخ: "سأقتل كل مَن يعترض طريقي.. وأبتسم وأنا أذبح".
النبوءة التراجيدية: يقول هنري السادس قبل موته: "ذلك الشيطان سيلف إنجلترا بظلام" ، مُشيرًا لمسرحية "ريتشارد الثالث".
التحول من شخصية ثانوية إلى قوة دافعة
في المشاهد الأولى: يقاتل كجندي مخلص لأبيه.
بعد موت يورك: يظهر برودرة باردة، قائلاً لإدوارد: "دعونا ننتقم بدل البكاء".
في النهاية: يقتل هنري السادس ويُعلن: "أنا نفسي منفصلٌ عن العالم".
تفكيك الأخلاق والمجتمع
1. انهيار النظام الطبيعي
أبناء يقتلون آباءهم: في معركة توتون، يرى هنري جنديًّا يسرق جثة، فيكتشف أنها أبوه.
النساء المحاربات: مارغريت ترفض دور الملكة التقليدي، وتصبح قائدة عسكرية، مما يدفع يورك لوصفها بـ"غير الأنثى".
2. شرعية الحكم بين الوراثة والقوة
مطالبة يورك: يستند إلى نسبه من ابن إدوارد الثالث الأكبر، بينما ينحدر هنري من ابن أصغر.
هنري السادس: يرفض العنف لكن ضعفه يُفقد الشرعية، قائلاً: "آه، أيها التاج! لو عرفتَ كم يُعذِّب حاملُك".
3. الثمن البشري للحرب الأهلية
مشهد الفلاحين: حراس الغابة الذين يقبضون على هنري يتحدثون عن خراب الزراعة بسبب الحرب.
خطاب هنري في توتون: "أيتها الحرب.. لماذا تذبحين الرضعَ في عيون أمهاتهم؟".
دروس التاريخ والتحضير لريتشارد الثالث
تنتهي المسرحية بتتويج إدوارد الرابع وسط احتفالات، لكن المشهد الأخير يُظهر ريتشارد وهو يُقبِّل ابن أخيه الرضيع (المستقبل إدوارد الخامس) بينما في داخله عزم على قتله.
هذه اللحظة تُشكِّل جسرًا لمسرحية "ريتشارد الثالث"، حيث تتحقق نبوءة هنري السادس. شكسبير يُقدِّم تحذيرًا عن الطموح غير المقيد وخطر الفتن الداخلية، حيث تصبح إنجلترا جثةً على طاولة المنتصرين.
"الآن هو شتاء سخطنا
صنعه هذا الشمس يورك..
والغيوم كلها علقت على بيتنا"
— ريتشارد الثالث، الفصل الأول، المشهد الأول (ربط بين المسرحيتين).
الإرث الثقافي والأدبي
الابتكار الدرامي: تحتوي المسرحة على أطول خطاب منفرد (سوليلوكوي) لريتشارد (62 سطرًا) ، وأكبر عدد من مشاهد المعارك على المسرح (5 معارك).
التأثير التاريخي: ساهمت في تشكيل الصورة الشعبية لحروب الورديين في المخيال الإنجليزي، خاصةً عبر شخصية مارغريت كـ"عاهرة أمازونية".
الرسالة الخالدة: تحذير من تحول الخلاف السياسي إلى حرب أهلية تلتهم الجميع، كما يقول هنري: "إذا مزَّقتَ الجذور، فكيف تُزهر الأغصان؟".
ملاحظة: يمكن الرجوع إلى المصادر الأصلية مثل موسوعة بريتانيكا ومشروع شكسبير بفولجر لتحليل أعمق
.jpg)
0 تعليقات