ريتشارد الثالث لوليام شكسبير

 

ريتشارد الثالث  - وليام شكسبير

 "ريتشارد الثالث" لوليام شكسبير

السياق التاريخي والأدبي

تُمثل مسرحية "ريتشارد الثالث" (1592-1594) ذروة الصراع في حروب الوردتين (1455-1485) بين بيتَي لانكاستر (الوردة الحمراء) ويورك (الوردة البيضاء).

 تُختتم المسرحية أول رباعية شكسبير التاريخية التي تضم أجزاء هنري السادس الثلاثة، وتُصنف كتاريخ أو مأساة لتركيزها على سقوط الطاغية .

يصور شكسبير ريتشارد دوق غلوستر كشخصية ميكافيلية تسعى للسلطة عبر الجريمة، في تحوّل درامي من الملاحم البطولية في مسرحياته السابقة إلى استكشاف النفس البشرية المعقدة.

ريتشارد الثالث كتجسيد للشر

يُفتتح العمل بخطاب ريتشارد الأيقوني:

"الآن فصل الشتاء من سخطنا
تحوّل صيفًا بهذا الشمس اليوركية".

تُقدم هذه الكلمات ريتشارد كمُنظّر للشر:

  • التشوه الجسدي كرمز أخلاقي: يصور نفسه كـ"أعرج مشوّه قبل الأوان"، ويعزو شروره إلى إعاقته وحرمانه من الحب.

  • الماكر المحتال: يتلاعب بالمشاعر، فيخطب آن نيفيل فوق جثة والدها الذي قتله، ويقنعها بالزواج رغم كراهيتها له.

  • الممثل المحترف: يمارس دور الورع أمام العامة، فـ"يتردد" في قبول التاج حين يعرضه عليه باكنغهام، في مشهد هجائي للسذاجة السياسية.

البنية الدرامية: صعود وسقوط الطاغية

الفصل الأول: التمهيد للمؤامرة

  • يُوقع ريتشارد بشقيقه كلارنس في السجن عبر نبوءة مزيفة عن قاتل باسم "G" (جورج/غلوستر).

  • يتزوج آن بعد خطبة مثيرة فوق نعش هنري السادس، حيث يعترف بقتله ثم يقدم سيفه ليقتلَه، فتنصاع له.

  • تظهر مارغريت أنجو، زوجة هنري السادس، كـ"نبية لعين" تلعن ريتشارد والمجتمعين.

الفصل الثاني: ترسيخ السلطة

  • يُقتل كلارنس في برميل نبيذ بعد كابوس مرعب عن الغرق.

  • يموت إدوارد الرابع تاركًا ولديه الصغيرين تحت وصاية ريتشارد، الذي يبدأ بتصفية أنصار الأمير إدوارد الخامس.

الفصل الثالث: ذروة الصعود

  • يزج ريتشارد بالأمراء الصغار (ابنَي إدوارد الرابع) في برج لندن، ثم يقتلهما.

  • يُتوج ملكًا بعد حملة دعائية تزعم أن الأمراء غير شرعيين.

  • يخون حليفه باكنغهام بعد تردده في قتل الأمراء، فيطارد ريتشارد ويقتله.

الفصل الرابع: بداية الانهيار

  • يسمم زوجته آن ليتزوج ابنة أخيه إليزابيث، في مشهد يجسد انعدام الأخلاق.

  • تتحالف النساء الثكالى (دوقة يورك، إليزابيث، آن، مارغريت) في مرثية جماعية تُشكل ضمير المسرحية الأخلاقي.

  • يظهر هنري تيودور (إيرل ريتشموند) كمنافس شرعي، مدعومًا من النبلاء الهاربين من طغيان ريتشارد.

الفصل الخامس: السقوط المحتوم

  • مشهد الأشباح: قبيل معركة بوسوورث (1485)، تظهر أشباح ضحايا ريتشارد تلعنه وتتنبأ بموته، بينما تُبارك ريتشموند.

  • المعركة الفاصلة: يقاتل ريتشارد بيأس قائلًا: "حصان! حصان! ملكي في مقابل حصان!" . يُقتل على يد ريتشموند الذي يُتوج هنري السابع، منهيًا حروب الوردتين بزواجه من إليزابيث يورك.

المرأة كشاهد على الفساد

تُمثل الشخصيات النسائية الضمير الجمعي وذاكرة التاريخ:

  • آن نيفيل: تتحول من ضحية مُخدَعة إلى ناقدة لاذعة قبل موتها بالسم.

  • الملكة إليزابيث: تتعامل بدهاء مع ريتشارد حين يطلب يد ابنتها، لكنها تُزوجها سرًا لريتشموند.

  • الملكة مارغريت: تُمثل اللعنة الحية التي تحقق العدالة الكونية.

  • دوقة يورك: تلعن ابنها ريتشارد علنًا، ممهدة لسقوطه الأخلاقي.

الأساليب الفنية والموضوعات

  • المونولوجات: تكشف تناقض الشخصيات، خاصة ريتشارد الذي يخاطب الجمهور كشريك في الجريمة.

  • الرمزية الدينية: يُصوَّر سقوط ريتشارد كعقاب إلهي، بينما ريتشموند "المختار" يحمل صليبًا في المعركة.

  • التشويه التاريخي: بالغ شكسبير في تشويه ريتشارد لدعم أسطورة تيودور، إذ تشير الأدلة الحديثة إلى أن تشوهه كان طفيفًا، وربما لم يقتل الأمراء.

  • اللغة الشعرية: تتراوح بين خطابات ريتشارد الساخرة ومراثي النساء المؤثرة، مثل لعنة مارغريت: "الثأر سيأتي على أجنحة الغربان".

البعد الثقافي والتأثير

  • السينما والمسرح: قدم لورنس أوليفيه وايان ماكيلين أداءات أسطورية، بينما أعاد فيلم "ريتشارد الثالث" (1995) تخيل الأحداث في حقبة فاشية.

  • الأدب المعاصر: ألهمت شخصية ريتشارد أبطالًا معقدين مثل ياغو في "عطيل"، وإدموند في "الملك لير"، وحتى شخصيات في "صراع العروش".

  • اكتشاف رفات ريتشارد: عام 2012، عُثر على هيكله تحت موقف سيارات في ليستر، مؤكدًا انحناء العمود الفقري دون حدبة، مما أعاد النقاش حول دقة تصوير شكسبير.

الصراع بين ريتشارد وريتشموند

الجانبريتشارد الثالثهنري ريتشموند
الشرعيةاغتصاب السلطة بالقتل والخداعوريث لانكاستر بدم ملوكي
القيادةيعتمد على الإرهاب والخيانةيحشد المؤيدين بالعدالة والأمل
الرؤية"المملكة هي أنا" (فردية متطرفة)"نوحد الوردة الحمراء والبيضاء" (وحدة)
المصيرالكابوس والأشباح قبل المعركةالأحلام المباركة والرؤيا الإلهية
الرمزيةالشيطان/الضفدع (في خطاب مارغريت)المخلّص/حامل الصليب

من التاريخ إلى التراجيديا

تتجاوز "ريتشارد الثالث" سرد الأحداث إلى استكشاف فلسفي لطبيعة الشر:

  • الشر كخيار: ريتشارد ليس مجرد نتاج تشوه، بل عقل ميكافيلي قرر أن "يكون شريرًا".

  • العدالة الشعرية: سقوطه يؤكد مبدأ "ما يدور يأتي" في المراثي النسائية.

  • الوحدة الوطنية: تتويج ريتشموند وزواجه من إليزابيث يورك يمثلان ولادة إنجلترا الحديثة.

"هكذا يغتال اليأس حيلتي كلها...
لا عينَ ترثيني، لا روحَ تُشفقُ علي" (المشهد الخامس، الفصل الثالث) .

هذه الكلمات التي ينطق بها ريتشارد قبل المعركة تجسد انهيار المتآمر الذي أفرغ العالم من إنسانيته، فلم يجد عند حتفه سوى الفراغ.

المسرحية تبقى مرآة مظلمة لقدرة السلطة المطلقة على إفساد النفس، ودرسًا في ضرورة التوازن بين العدالة والرحمة

ملخصات لكل أعمال شكسبير المسرحية والتاريخية والشعرية

إرسال تعليق

0 تعليقات