The Knowledge Machine: How Irrationality Created Modern Science
تأليف: Michael Strevens
عن الكتاب وأسئلته المحورية
يسعى مايكل سترينز في هذا الكتاب إلى الإجابة على سؤالين جوهريين:
لماذا العلم قوي جدًا؟ أي كيف يحقق تقدمًا تراكميًا في كشف أسرار الكون.
- لماذا تأخر ظهور العلم الحديث؟ رغم وجود الفلسفة والرياضيات لأكثر من 2000 عام، لم يظهر العلم التجريبي المنظم إلا في القرن الـ17 في أوروبا.يعتبر سترينز أن الإجابة تكمن في فكرة مفارقة: "اللاعقلانية" هي سر نجاح العلم. فبدلًا من الاعتماد على المنطق الشمولي، تطلب الأمر تبني قواعد ضيقة وغير عقلانية ظاهريًا.
"القاعدة الحديدية" (The Iron Rule) – قلب المنهج العلمي
التعريف والآلية
القاعدة الحديدية: تشترط أن يُحسم أي خلاف علمي فقط عبر الأدلة التجريبية، مع استبعاد أي حجج فلسفية، دينية، جمالية، أو أخلاقية.
كيف تعمل؟:
يُسمح للعلماء باستخدام أي أفكار (من خيال، فلسفة، إلخ) لتوليد النظريات.
لكن عند نشر البحث، يجب أن يُقدَّم الدليل عبر بيانات قابلة للقياس الكمي، مع فصل التفسيرات الشخصية.
مثال: تجربة إدينجتون 1919 لقياس انحناء الضوء أثناء كسوف الشمس، التي حسمت بين نظريتي نيوتن وآينشتاين.
لماذا هي "لاعقلانية"؟
لأنها ترفض أدوات التفكير الطبيعية للإنسان (كالتأمل الفلسفي أو الحدس الجمالي)، وتقتصر على التجربة الضيقة. هذا التقييد هو ما يوجه طاقة العلماء نحو التجريب الدقيق بدلًا الجدل النظري.
لماذا تأخر ظهور العلم؟ التاريخ كدليل على صعوبة الفكرة
فشل الحضارات السابقة
اليونان القديمة: اعتمدت على التفسيرات الفلسفية الشاملة (مثل نظرية أرسطو عن "المكان الطبيعي" للأجسام) دون اخضاعها للتجريب الصارم.
الثقافات الشرقية: رغم تقدمها في الرياضيات والفلك، لم تطور آلية مؤسسية لتسوية النزاعات بالتجارب.
الشروط التاريخية الفريدة لأوروبا القرن الـ17
الحرب الدينية (حرب الثلاثين عامًا):
أدت إلى "معاهدة ويستفاليا" 1648 التي فصلت الدين عن الدولة.
هذا خلق بيئة سمحت للفصل بين الإيمان والعلم.
ظهور نيوتن:
شخصية قادرة على "التفصيل العقلي" (Compartmentalization): مارس العلم كعملية منفصلة عن اهتماماته الأخرى (كالكيمياء القديمة أو اللاهوت).
كتابه "الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية" (1687) طبق القاعدة الحديدية عمليًا رغم عدم صياغتها نظريًا بعد.
العلم الحديث وما سبقه
المعيار | الحضارات القديمة | العلم الحديث |
---|---|---|
أداة الحقيقة | الجدل الفلسفي/الديني | التجريب الكمي |
معيار الحسم | قوة الحجة أو السلطة | البيانات القابلة للإعادة |
التقدم | متقطع وغير تراكمي | تراكمي وتصاعدي |
الآليات الخفية – كيف تحول اللاعقلانية إلى قوة؟
التقارب البيكوني (Baconian Convergence)
مع مرور الزمن، تراكم البيانات التجريبية يجبر النظريات المتنافسة على التكيف حتى يتوافق إحداها مع كل الأدلة.
مثال: قبول نظرية النسبية العامة بعد تأكيد تنبؤاتها بانزياح الضوء وانحراف مدار عطارد.
الدور المحوري للمجلات العلمية
دورية الجمعية الملكية (1665): أول نموذج ينشر بحوثًا جافة، خالية من التفسيرات غير التجريبية، تحت شعار "Nullius in verba" (لا تأخذ كلمة أحد كدليل).
وظيفتها:
توثيق البيانات بدقة.
فصل "التفكير العلمي" (الذي قد يكون فوضويًا) عن "الكتابة العلمية" (التي تلتزم بالقاعدة).
عمالقة في الصبر!
يصف سترينز العلم كـ "آلة لا إنسانية":
يتطلب أعمالاً روتينية مضنية (مثل قياس مناقير طيور في غالاباغوس على مدى 40 عامًا لاكتشاف نوع جديد!).
هذه "اللامعقولية" في تحمل الملل تفسر لماذا لم يظهر العلم مبكرًا: فهو يتناقض مع الطبيعة البشرية.
إسحاق نيوتن – المهندس الخفي للعلم الحديث
العبقرية في التطبيق العملي (لا النظرية)
نيوتن لم يخترع التجريب أو الرياضيات، لكنه وضع القاعدة موضع التنفيذ:
في "الأصول" قدم معادلات رياضية واختبارات فلكية دون مناقشة أسباب الجاذبية (صاغها كمادة رياضية مجردة).
عبارته الشهيرة: "أنا لا أختلق الفرضيات" تعكس رفضه للتفسيرات الميتافيزيقية.
الفصام الناجح!
نيوتن نفسه كان غارقًا في اللا علم:
قضى سنوات في الخيمياء (تحويل المعادن) وتفسير نبوءات الكتاب المقدس.
لكنه عزل هذه الاهتمامات عن بحوثه في الفيزياء، مطبقًا القاعدة حتى على نفسه.
العلم في مواجهة الفلسفة – لماذا يتفوق؟
نقد سترينز لكبار فلاسفة العلم
كارل بوبر (التكذيبية):
خطأه: العلم لا يتقدم فقط برفض النظريات الخاطئة، بل بتراكم البيانات الدقيقة حتى تحت النظريات غير الكاملة.
توماس كون (التحولات النموذجية):
خطأه: التقدم ليس فقط في "الثورات"، بل في التراكم اليومي تحت سقف القاعدة الحديدية.
ميزة العلم على الفلسفة والدين
بينما تتشعب الفلسفة والأديان إلى مدارس متناحرة (مثل المذاهب المسيحية)، العلم يتقارب نحو نموذج موحد عبر التقارب البيكوني.
السبب: غياب "القاعدة الحديدية" في المجالات الأخرى يمنع حسم الخلافات.
الفصل السادس: الانتقادات الموجهة للكتاب
1. تحيز نحو الفيزياء وتجاهل العلوم الأخرى
معظم أمثلته من الفيزياء (نيوتن، آينشتاين)، بينما العلوم البيولوجية والاجتماعية أكثر فوضوية وتعقيدًا.
رد محتمل: القاعدة الحديدية تنطبق عليها، لكن بآليات تجريب مختلفة (مثل الإحصائيات في الطب).
2. المبالغة في دور نيوتن
نيوتن لم يكن معزولاً: استفاد من أعمال غاليليو، كبلر، وبيكون. فكرة "العبقري المنفرد" قد تبسّط التاريخ.
3. إغفال دور الخيال والتفكير النظري
بعض أعظم الابتكارات (كربط نيوتن سقوط التفاح بحركة القمر) نتجت عن قفزات تخيلية وليس فقط تجريب ضيق.
سترينز يرد: الخيال مسموح به في مرحلة التفكير، لكن الحسم يكون بالتجربة.
أبرز الانتقادات وردود سترينز الضمنية
الانتقاد | الرد |
---|---|
التركيز على الفيزياء | القاعدة تنطبق على كل العلوم لكن بآليات مختلفة |
دور نيوتن المبالغ فيه | هو نموذج لا سبب وحيد، لكنه الأكثر وضوحًا في التطبيق |
تقييد الخيال | الخيال مرحب به في الابتكار، لكن الحقيقة تُحدد بالتجربة |
تحديات العلم المعاصر وحتمية الحفاظ على "القاعدة"
التهديدات الحديثة
الضغوط السياسية: مثل إنكار تغير المناخ لأسباب غير تجريبية.
التجارية: تمويل البحوث لخدمة أهداف ربحيّة قد يشوّه النزاهة.
العلماء أنفسهم: الميل لـ "الجمَال النظري" (مثل نظرية الأوتار) قد يضعف الالتزام بالتجربة.
دروس من جائحة كوفيد-19
الصراع بين "السرعة" و"الدقة":
الإعلام عجّل بنتائج أولية حول انتقال الفيروس عبر الأسطح، مما خلق ذعرًا غير دقيق.
العلم الحقيقي احتاج وقتًا ليثبت أن الانتقال الرئيسي هو الهوائي.
هنا تظهر أهمية الصبر على تراكم البيانات رغم ضغوط الحياة الحديثة.
لماذا يبقى هذا الكتاب ضروريًا؟
"آلة المعرفة" ليس مجرد تحليل تاريخي أو فلسفي، بل هو:
دفاع عن جوهر العلم في عصر يهدده التسييس والتجارة.
تذكير بأن القوة لا تأتي من السمو الفكري، بل من الانضباط في اتباع قاعدة بسيطة لكنها صعبة:
"قد تكون القاعدة الحديدية غير عقلانية، لكنها الآلة الوحيدة التي تولّد المعرفة الموثوقة" – ستريڤنز.
رسالة تفاؤل: رغم كل عيوب البشر، يمكن لنظام مؤسسي صُمم بحكمة أن يقود البشرية إلى الحقيقة.
0 تعليقات