ثقافة النرجسية - الحياة الأمريكية في عصر التوقعات المتناقصة
تأليف: كريستوفر لاش (1979)
الإطار التاريخي والنظري للكتاب
يُعد الكتاب تحليلاً جريئاً للمجتمع الأمريكي في سبعينيات القرن العشرين، حيث يربط لاش بين التحولات الاقتصادية والاجتماعية وبين ظهور نمط نفسي جديد يسود الثقافة: النرجسية المرضية.
فمع نهاية حرب فيتنام، وأزمة الطاقة، والتضخم الاقتصادي، شهدت الولايات المتحدة حالة من "انحدار الثقة" جعلت الرئيس جيمي كارتر يستشير لاش قبل إلقاء خطابه الشهير عن "أزمة الثقة".
تعريف النرجسية :
ليست مجرد أنانية أو حب للذات، بل هي حالة نفسية - اجتماعية مركبة:
العظمة الوهمية: الإيمان بأهمية الذات المفرطة.
الفراغ الداخلي: الشعور بعدم الجدوى عند غياب الإعجاب الخارجي.
العلاقات السطحية: استخدام الآخرين كمرايا لتأكيد القيمة الذاتية.
الثقافة النرجسية
يرجع ظهور النرجسية كظاهرة ثقافية إلى تحولين رئيسيين:
1. انهيار السلطة التقليدية
تراجع دور الأسرة الممتدة والمجتمعات المحلية.
انتقال وظائف التربية من الوالدين إلى "الخبراء" (المعلمين، الأطباء النفسيين، وسائل الإعلام).
2. صعود الرأسمالية الاستهلاكية
تحول الهوية الفردية من "الإنتاج" (الحرف، العمل المستقل) إلى "الاستهلاك" (العلامات التجارية، الصور).
الإعلان يُروج ليس لمنتجات فحسب، بل "لنمط حياة قائم على الإشباع الفوري".
"الإعلان لا يروّج للسلع بقدر ما يروّج للاستهلاك كأسلوب حياة".
النرجسية في الحياة الأمريكية
يحلل هنا تجليات الثقافة النرجسية في مجالات متعددة:
أولاً: تفكك الأسرة والأبوة
فقدان الوالدين الثقة في أدوارهما التقليدية.
لجوء الأسر إلى نظريات التربية الحديثة ("تنمية الذات"، "التحرر من القيود") التي تنتج أطفالاً:
يعانون من صعوبات في تكوين هوية مستقلة.
يبحثون عن إشباع فوري دون تحمل المسؤولية.
ثانياً: التعليم والجهل الممنهج
تحول الجامعات إلى "سوبر ماركت" ثقافي:
انخفاض المعايير الأكاديمية.
تضخم الدرجات (Grade Inflation) لاسترضاء الطلاب.
إهمال التعليم التاريخي والأدبي لصالح "المهارات الوظيفية".
ثالثاً: السياسة كمسرح للصور
السياسيون (مثل نيكسون) يصبحون "فنانين أداء":
التركيز على الصورة بدلاً من الكفاءة.
استخدام الخطاب السياسي كأداة للتلاعب العاطفي.
الناخبون يسقطون أوهامهم على القادة، ثم ينهار إعجابهم عند أول فشل.
رابعاً: الرياضة: من البطولة إلى الترفيه
تحول الرياضيين إلى "مُرفهين":
السعي للمال بدلاً من المجد.
فقدان الروح الجماعية لصالح "التعاون العدائي" (تعاون ظاهري تنافسي باطني).
الجمهور يستهلك الرياضة كعرض، لا كتجربة جمالية أو أخلاقية.
الحركات الاجتماعية
النسوية والصراع الجنسي
يعترف لاش بشرعية مطالب المساواة، لكنه ينتقد نتائجها:
تخلي النساء عن دور الأمومة يخلق "أطفالاً بلا جذور عاطفية".
تحول العلاقات بين الجنسين إلى "حرب نفسية": الرجال يشعرون بالتهديد، والنساء يصبحن "أكثر صرامة".
"استياء الرجال من النساء... يبدو غير عقلاني تماماً".
ثقافة العلاج الذاتي
تحويل المشكلات الاجتماعية إلى "اضطرابات نفسية فردية":
انتشار كتب المساعدة الذاتية كأدوات للتحكم العاطفي.
استبدال الضمير الأخلاقي بـ "الصحة النفسية" كمعادل للخلاص.
تنبؤات وتحققها في العصر الرقمي
الشبكات الاجتماعية: قصر المرايا
تطبق وسائل التواصل نمط "غرفة الصدى" (Echo Chambers):
المستخدمون يبحثون عن انعكاس صورهم (الإعجابات، المتابَعات).
العلاقات تصبح "مُعدة مسبقاً" (Curated) تفقد العمق.
"الكاميرات لا تسجل التجربة فحسب، بل تغير جودتها، لتعطي الحياة الحديثة طابع غرفة صدى ضخمة".
الخوف من الشيخوخة وعبادة الشباب
صناعة التجميل والميديا تروج لـ "الشباب الأبدي":
الخوف من التقدم في العمر يرتبط بفقدان القيمة في مجتمع يقدس الصورة.
هذا يخلق رعباً وجودياً لدى النرجسي حين يفقد جاذبيته.
تقييم النقاد
الإشادات
سبق تحليله: تنبأ بصعود "سياسة الصورة" قبل عصر ترامب.
الصلة الرقمية: تفسير وسائل التواصل كأدوات لنشر النرجسية.
الانتقادات
النظرة للتعليم: اتهامه بالرجعية لانتقاده دمقرطة التعليم العالي.
التحليل الجندري: اتهام النسويات له بالدفاع عن البطريركية.
الاعتماد على التحليل النفسي: بعض أفكاره (كأصل الفصام) تُعدّ قديمة.
النقد الليبرالي والمحافظ للكتاب
الجانب | النقد الليبرالي | النقد المحافظ |
---|---|---|
الأسرة | اتهامه بتأييد البطريركية | تأييد دفاعه عن القيم التقليدية |
الرأسمالية | الإشادة بنقده للنخب المؤسسية | رفض هجومه على الشركات |
الدور التاريخي | اتهامه برومانسية الماضي | الإشادة بتحذيره من انهيار السلطة |
ملخصا
رغم كتابته قبل 46 عاماً، يظل "ثقافة النرجسية" مرآة لعصرنا:
التوقعات المتناقصة: يشير العنوان الفرعي إلى تراجع الإيمان بـ "الحلم الأمريكي". اليوم، تتفاقم هذه الظاهرة مع تفاوت الثروات.
العلاج كدين جديد: تحول "الاستيقاظ الذاتي" (Self-Awareness) إلى صناعة تستهلك الطاقة بدلاً من توجيهها للتغيير الاجتماعي.
المقاومة الممكنة: يقترح لاش في كتاب لاحق (The Minimal Self) أن الحل ليس في العودة للماضي، بل في بناء "ذات متواضعة" تقاوم ثقافة الاستهلاك.
"أفضل دفاع ضد رعب الوجود هو عزاء الحب، العمل، والحياة الأسرية".
مصادر:
0 تعليقات