"Together in Manzanar" (معًا في مانزانار)
مقدمة عامة عن الكتاب
"Together in Manzanar: The True Story of a Japanese Jewish Family in an American Concentration Camp" (معًا في مانزانار: القصة الحقيقية لعائلة يابانية يهودية في معسكر اعتقال أمريكي) هو كتاب للكاتبة تراسي سلاتر، صدر في 8 يوليو 2025 عن دار "Chicago Review Press". يُعد العمل سردًا تاريخيًا شيقًا يركز على قصة عائلة "يونيدا" خلال واحدة من أكثر الفترات إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي الحديث.
الكتاب ليس مجرد سرد تاريخي جاف، بل هو قصة إنسانية عميقة تبحث في مفاهيم الولاء والهوية والعرق والانتماء في زمن الحرب.
تستخدم سلاتر قصة عائلة يونيدا كعدسة تنظر من خلالها إلى السياسات الأوسع للحكومة الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية، لا سيما الأمر التنفيذي رقم 9066 الذي وقعه الرئيس فرانكلين روزفلت في فبراير 1942، والذي أذن بإبعاد واحتجاز الأشخاص من أصل ياباني على الساحل الغربي للولايات المتحدة، بمن فيهم مواطنون أمريكيون.
ما يميز هذا الكتاب هو تركيزه على حالة الزواج المختلط، حيث تقدم قصة العائلة منظورًا فريدًا حول كيفية تعامل النظام مع الأسر ذات الأصول العرقية المختلطة، وهي قضية ذات صلة واضحة بالمناقشات المعاصرة حول الهجرة والانتماء في أمريكا.
الكاتبة والشخصيات الرئيسية
تراسي سلاتر، مؤلفة الكتاب، هي كاتبة أمريكية يهودية تقيم في اليابان متزوجة من رجل ياباني. هذا الانتماء الشخصي يمنحها حساسية خاصة تجاه موضوع الكتاب، كما يظهر في تعاطفها العميق مع الشخصيات وتعقيدات علاقاتها. صدر لها قبل هذا الكتاب مذكرات بعنوان "The Good Shufu" تناولت فيها تجربة الزواج من رجل ياباني والانتقال للعيش في اليابان.
أما الشخصيات المحورية في الكتاب فهي:
إيلين بوخمان يونيدا (Elaine Buchman Yoneda): امرأة يهودية أمريكية من أصل روسي، وناشطة عمالية يسارية. كانت إيلين أمًا لابنتها "جويس" من زواج سابق عندما التقت بكارل. قرارها المرافق لابنها إلى المعسكر يشكل القلب النابض للقصة.
كارل يونيدا (Karl Yoneda): أمريكي من الجيل الثاني (نيسي) من أصل ياباني، ولد في الولايات المتحدة لكنه قضى جزءًا من طفولته في اليابان (ما يجعله يصنف كـ"كيباي نيسي"). كان هو الآخر ناشطًا عماليًا بارزًا ومناهضًا للفاشية. على الرغم من اعتقاله، ظل مخلصًا لأمريكا وسعى للانضمام إلى جيشها لمحاربة النظام العسكري الياباني.
تومي يونيدا (Tommy Yoneda): الابن الصغير لإيلين وكارل، الذي كان يبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط عندما تلقى أمر النقل إلى مانزانار. كان تومي طفلاً مريضًا يعاني من مشاكل صحية متعددة، بما في ذلك الربو، مما جعل الظروف الصحراوية القاسية في المخيم خطيرة بشكل خاص بالنسبة له.
الخلفية التاريخية والسياق
لفهم القصة بشكل كامل، من الممكن الإطلاع على الجدول الزمني للأحداث:
القرار المفصلي: بين الأم وابنها
تشكل المعضلة الإنسانية التي واجهتها إيلين جوهر القصة التي يسردها الكتاب.
في ربيع عام 1942، تلقت إيلين إشعارًا يقضي بإرسال ابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات، تومي، إلى معسكر مانزانار بسبب وجود "قطرة دم" يابانية فيه. كان زوجها كارل قد سبقهما إلى المعسكر مع متطوعين آخرين للمساعدة في بنائه، بعد وعود (لم تُفَْ) بأجور وحماية لعائلاتهم.
واجهت إيلين خيارًا شبه مستحيل: إما أن تسمح باصطحاب طفلها المريض إلى معسكر في الصحراء من دونها، أو أن تطلب من الحكومة السماح لها بأن تُسجن معه.
القرار لم يكن صعبًا فقط من الناحية العاطفية، بل كان معقدًا بسبب وجود ابنتها الكبرى "جويس" من زواج سابق. إذا قررت إيلين مرافقة تومي، فستضطر إلى ترك جويس، ذات الأصول الأوروبية والتي لم تكن مستهدفة بالأمر التنفيذي، خارج المعسكر. هذا القرار يسلط الضوء بوحشية على سياسات الفصل العائلي القائمة على الأسس العرقية.
في النهاية، لم تستطع إيلين تخيل فصل طفلها الصغير المريض عنها. فقررت أن تذهب معه إلى مانزانار، تاركةً ابنتها جويس في الخارج. كان على إيلين التوقيع على نموذج حكومي غريب يسمى "طلب وتنازل للأشخاص غير الخاضعين للإبعاد" (WDC Form PM-7)، حيث نص على أنها "تطلب امتياز مرافقة" طفلها إلى الاعتقال "كما لو كانت من أصل ياباني". لقد اضطرت إلى التماس "امتياز" السجن كي تبقى مع ابنها.
الحياة داخل معسكر مانزانار
يقدم الكتاب وصفًا مفصلاً للحياة القاسية داخل المعسكر، مستندًا إلى مذكرات إيلين الشخصية ومصادر أولية أخرى.:
- الظروف المعيشية القاسية: كان المعسكر يقع في وادي أوينز في كاليفورنيا، وهي منطقة صحراوية قاسية. كانت درجة الحرارة ترتفع إلى 110 درجة فهرنهايت (حوالي 43 درجة مئوية) في الصيف، وتنخفض إلى تحت درجة التجمد في الشتاء .
المرافق المشتركة: كانت المراحيض والاستحمام مشتركة ومن دون أبواب أو ستائر للحماية، مما كان مصدرًا للإحراج الشديد والمعاناة للمحتجزين، خاصة النساء. كان الطعام يتلف في كثير من الأحيان بسبب الحرارة، مما يجعل الناس مرضى.
الصراعات الداخلية والانقسامات السياسية
لم تكن الحياة في مانزانار خالية من الصراعات الداخلية، التي يسلط الكتاب الضوء عليها بشكل كبير. نشأ انقسام حاد بين المحتجزين حول مسألة الولاء للولايات المتحدة.
موقف كارل يونيدا: مثل كارل وإيلين الاتجاه الموالية لأمريكا. كانا ناشطين مناهضين للفاشية قبل الحرب، واستمرا في ذلك داخل المعسكر. كان كارل يرى أن النظام العسكري في اليابان يمثل العدو الحقيقي، وسعى للانضمام إلى الجيش الأمريكي لمحاربته. هذا الموقف جعله في صراع مع آخرين في المعسكر.
- الاتجاه المؤيد لليابان: في المقابل، شعر بعض المحتجزين بالخيانة من قبل حكومتهم، خاصة بعد تجربة الاعتقال غير العادل.من أبرز كان من بين شخصيات هذا الفصيل جو كوريهارا، وهو محارب قديم من نيسي شارك في الحرب العالمية الأولى، تطوّع للقتال مجددًا، لكنه أُرسل إلى المعسكر بدلًا من ذلك. دفعته هذه المعاملة إلى اعتناق تراثه الياباني، وأصبح من أشدّ المؤيدين لليابان.
- أحداث الشغب: وصلت هذه التوترات إلى ذروتها في ديسمبر 1942 فيما عرف بـ"شغب مانزانار". حيث أطلقت الشرطة العسكرية النار، مما أدى إلى مقتل اثنين من المعتقلين وإصابة عشرة آخرين.
سياسة العائلات المختلطة: تعقيدات عنصرية
يتميز كتاب سلاتر بتناوله المتعمق لـسياسة العائلات المختلطة (Mixed-Marriage Policy) التي وضعها المسؤولون، وعلى رأسهم العقيد كارل بندكتسن (وهو نفسه من أصل يهودي ليتواني). كانت هذه السياسات عبارة عن متاهة من التناقضات العنصرية والجنسانية التي تهدف إلى تحديد من يمكنه مغادرة المخيم وتحت أي ظروف.
معايير معقدة: على سبيل المثال، يمكن إطلاق سراح رجل أبيض وزوجته اليابانية إذا كان لديهما أطفال صغار وكان "البيئة العائلية" تعتبر "قوقازية" (بيضاء). لكن المرأة البيضاء المتزوجة من رجل ياباني لم تكن مؤهلة للإطلاق بنفس السهولة. كانت فكرة "البيئة القوقازية" غامضة وتعسفية، حيث كان بعض المسؤولين يحكمون عليه من خلال الطعام الذي كانت تتناوله الأسرة أو الأصدقاء الذين كانوا لديهم قبل الحرب.
إجراءات مهينة: للخروج من المعسكر، كان على العائلات اجتياز فحوصات من قبل المخابرات العسكرية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وتقديم إثباتات لدعم مالي خارجي، والحصول على موافقة من رئيس الشرطة المحلية في مكان إقامتهم الجديد. حتى بعد إطلاق سراحهم، كان مطلوبًا منهم تقديم تقرير شهري للجيش عن أي تغييرات في وضعهم، بما في ذلك "أي حادث يؤثر على قبول المجتمع لهم".".
هذه السياسات تظهر كيف أن الاعتقال لم يكن ولكن الحرب الباردة لم تكن مبنية على أساس التهديد العسكري المباشر فحسب، بل كانت متجذرة بعمق في الأيديولوجيات العنصرية والضغوط السياسية.
تداعيات القصة ورسالتها المعاصرة
يختتم الكتاب بمتابعة مصير عائلة يونيدا بعد خروجهم من مانزانار. غادرت إيلين وتومي المعسكر في أوائل عام 1943 عندما قبل كارل في خدمة المخابرات العسكرية الأمريكية، حيث عمل كمترجم ومحقق لغوي.
ومع ذلك، فإن التجربة تركت ندوبًا عميقة على العائلة، خاصة على الصحة الهشة لتومي وعلى علاقة إيلين بابنتها جويس التي تركتها في الخارج.
في وقت لاحق من حياتهم، تساءل كارل وإيلين، وهما الناشطان المدنيان، عن مدى تواطئهم عن غير قصد مع النظام من خلال اختيار الامتثال في البداية. هذا التفكير الذاتي يضيف عمقًا أخلاقيًا للقصة.
هو لا يقدم فقط قصة تاريخية، بل يربطها بشكل صريح بالحاضر. تشير سلاتر إلى أوجه التشابه المقلقة بين الهستيريا العنصرية التي أدت إلى معسكرات الاعتقال ومعاملة المهاجرين والأقليات في أمريكا اليوم.
وتذكر أنه في عام 2025، تم حذف صفحة الفوج القتالي 442 (الوحدة العسكرية الأمريكية اليابانية) مؤقتًا من موقع الجيش الأمريكي، مما يشير إلى استمرار تغييب هذه التاريخ أو التلاعب به.
"معًا في مانزانار" هو أكثر من مجرد سرد لتجربة عائلة واحدة؛ إنه تذكير قوي بمخاطر الخوف والتحيز العنصري وسهولة تآكل الحريات المدنية في أوقات الأزمات. من خلال هذه القصة الشخصية المؤثرة، تنجح تراسي سلاتر في إحياء ذكرى مأساة تاريخية وتقديم دروسها كتحذير للأجيال الحالية والمقبلة.
0 تعليقات