The Colonialist: The Vision of Cecil Rhodes
لماذا كتاب جديد عن سيرل رودس؟
يأتي كتاب ويليام كليهير ستوري، الأستاذ في كلية ميلسابس، في وقت يشهد نقاشًا عالميًا حادًا حول إرث الاستعمار والتمثيلات التاريخية
تجسد في حركة "Rhodes Must Fall" (رودس يجب أن يسقط) التي انطلقت في 2015 .
يُعد هذا الكتاب أول سيرة ذاتية رئيسية لرودس منذ عقود، متحديًا السرديات التقليدية التي غالبًا ما انقسمت بين تقديس رودس كبطل أو شيطنته كمجرم .
يركز ستوري على زاوية غير مُستكشفة بالقدر الكافي: كيف شكّلت الرؤية التكنولوجية والمادية لرودس، وليس طموحاته السياسية فحسب، واقع جنوب إفريقيا وما زالت آثارها ملموسة حتى اليوم .
يجادل الكتاب أن إزالة التماثيل، رغم رمزيتها القوية، هي مهمة أسهل بكثير من عكس الإرث المادي والمعقد الذي زرعه رودس .
الرجل والحلم - سيرل رودس ورؤيته الإمبريالية
1.1. صعود سيرل رودس
الخلفية والوصول إلى إفريقيا: وصل رودس، نجل قس من هيرتفوردشاير بإنجلترا، إلى جنوب إفريقيا في 1870 وهو في السابعة عشرة من عمره، على أمل أن المناخ سوف يحسن صحته .
ثروة الماس: في كيمبرلي، دخل رودس في تجارة الماس بشكل منهجي. وبتمويل من عائلة روتشيلد، شرع في شراء وتوحيد مناجم الماس، مؤسسًا شركة دي بيرز في 1888 التي منحته شبه احتكار للسوق العالمية للماس .
الدافع الإمبريالي: على عكس العديد من معاصريه، لم يكن جمع الثروة هو هدف رودس النهائي. كان المال وسيلة لتحقيق حلمه الأكبر: التوسع الإمبراطوري البريطاني .
كان يؤمن بأن "الجنس الأنجلو-ساكسوني" هو "أعرق الأجناس في العالم"، و"كلما سكننا أجزاءً أكثر من العالم، كان ذلك أفضل للجنس البشري" .
1.2. الحلم: من "كيب إلى القاهرة"
التوسع الإقليمي: حلم رودس بربط مستعمرات إفريقيا البريطانية بخط مستمر من "كيب تاون إلى القاهرة" عبر سكك حديدية وبرقيات . لقد جسد هذا الحلم روح العصر الإمبريالي المتأخر، كما تجسد في رسوم "عملاق رودس" الكاريكاتورية التي نشرتها مجلة بانش، حيث يظهر فيها رودس عملاقًا يخطو بالقارة الإفريقية .
وسائل تحقيق الحلم: لتحقيق هذا الحلم، أسس شركة جنوب إفريقيا البريطانية، التي مُنحت ميثاقًا ملكيًا لحكم ما يعرف اليوم بزامبيا وزيمبابوي (والتي سميت لاحقًا روديسيا تيمنًا به) . وظفت الشركة القوة العسكرية والخداع لانتزاع الأراضي من الشعوب الأصلية، كما حدث مع ملك شعب Ndebele، لوبينغولا .
منهجية الكتاب: "خط التفكيك" والتكنولوجيا والعنصرية
يتميز كتاب ستوري بتركيزه التحليلي على الجوانب المادية والتكنولوجية لإمبريالية رودس.
استخراج الثروات (الماس والذهب) من باطن الأرض.
مصادرة الأراضي من السكان الأصليين.
تقييد حريات وحقوق الأفارقة من خلال التشريعات والعنف.
الإرث المزدوج: السياسة والقمع في مستعمرة الكاب
قانون الانتخاب والاقتراع: قام برفع المتطلبات المالية لممارسة حق التصويت، مما حرم بشكل فعال الغالبية العظمى من الأفارقة السود من الحقوق السياسية .
قانون غلين غراي: صادر الأراضي من الأفارقة السود وقيد حقوقهم في امتلاكها .
تشريعات أخرى: حظر امتلاك الأفارقة للأسلحة النارية، وسّع صلاحيات الشرطة في احتجاز الأفارقة دون محاكمة .
يوضح الكتاب أن هذه القوانين لم تكن مجرد تعبير عن تحيز شخصي، بل كانت أدوات منهجية لخلق طبقة عاملة من الأفارقة المُعدمين، يجبرون للعمل في مناجر رودس ومزارع المستوطنين البيض بأجور زهيدة وظروف قاسية .
اقتصاد الاستعمار: المناجم والعنف المنظم
هذا الفصل هو جوهر تحليل ستوري للإرث المادي.
4.1. نظام العمل القسري في المناجم
المجمعات السجن: لقد ابتكر رودس نظام إسكان عمال المناجم من الأفارقة في ما يشبه "مجمعات سجن" . كانت هذه المجمعات مغلقة، خاضعة لحراسة مشددة، وعزلت العمال عن عائلاتهم والمجتمع الخارجي.
التفتيش الجسدي المهين: كان العمال يُخضعون لتفتيش جسدي مهين عند الدخول والخروج، بحجة منع تهريب الماس، مما مثل انتهاكًا صارخًا للكرامة الإنسانية .
التسلسل الهرمي العنصري: أرسى نظام العمل في المناجم تسلسلاً هرميًا عنصريًا صارمًا، حيث شغل البيض مناصب المشرفين والإداريين، بينما اقتصر عمل الأفارقة على الأعمال اليدوية الخطرة بأدنى الأجور .
4.2. إهمال السلامة والعنف
كوارث المناجم: نتيجة للإهمال المتعمد في معايير السلامة، لقي آلاف العمال الأفارقة حتفهم في المناجم. يوثق ستوري حادثة حريق واحدة في 1888 أودت بحياة أكثر من 160 عاملاً، ولم تتحمل شركة رودس أي مساءلة قانونية عنها .
العنف والعقاب: سعى رودس إلى تقنين حق أرباب العمل البيض في جلد العمال الأفارقة، رغم أنه لم ينجح في ذلك تمامًا. كما أن قواته استخدمت مدافع رشاشة مكسيم لقمع انتفاضات السكان المحليين، "الدقة العلمية" التي تترك "طبقة سميكة من الجثث" .
الهزائم والانحدار: الإخفاقات التي شكلت الإرث
يقدم ستوري صورة متوازنة، يظهر فيها أن مشاريع رودس لم تكن قدرًا محتومًا، بل واجهت إخفاقات ومقاومة.
5.2. الحسابات الخاطئة والمقاومة
مشكلة الذهب: فشل رودس في تقدير حجم رواسب الذهب في ويتواترسراند، مما كلفه فرصة الحصول على ثروة أكبر .
مقاومة الأفارقة: يذكر الكتاب أن توسع شركة جنوب إفريقيا البريطانية واجه مقاومة شرسة من شعبي Ndebele وShona في روديسيا، اضطر رودس لقمعها بعنف شديد .
معارضة المعاصرين: حتى في عصره، واجه رودس انتقادات من بعض المعاصرين. الكاتبة أوليف شراينر، التي كانت في البداية ترى فيه "رجل عبقري"، انقلبت عليه لاحقًا وغضبت عليه في حفل عشاء لدرجة أنها "طرقت رأسها على الطاولة بيأس" . كما أن مارك توين، وإن أعرب عن إعجابه به، قال ساخرًا: "عندما يحين وقته، سأشتري قطعة من الحبل لتذكار" .
رودس والزمن الحاضر: التماثيل والإرث المستمر
الأنماط الاقتصادية: استمرار اعتماد اقتصادات المنطقة على استخراج الموارد (المعادن) كما في عهد رودس.
عدم المساواة في توزيع الأراضي: التي خلفها قانون غلين غراي ومصادرات أخرى.
العلاقات العرقية والطبقية: التي تأسست في عهد نظام المناجم والتشريعات العنصرية.
هذه البنى العميقة هي التي تجعل من إرث رودس تحديًا معقدًا يواجه جنوب إفريقيا حتى اليوم .
تقييم نقدي للكتاب: الإسهامات والانتقادات
حظي كتاب "The Colonialist" باهتمام نقدي، أشاد بإسهاماته وانتقد بعض جوانبه.
7.1. إسهامات الكتاب البارزة
البحث الدقيق والمنهجية الجديدة: أشاد النقاد بالكتاب كـ"عمل جريء ومتعلم"، و"سيرة ذاتية موثقة بعناية"، وأشادوا بتركيزه على تاريخ التكنولوجيا والشبكات المادية التي مكنت من مشاريع رودس .
تفكيك أسطورة "الرجل العظيم": يظهر الكتاب أن نجاح رودس لم يكن نتيجة لعبقريته الفردية فقط، بل اعتمد على الحظ، والشبكات الواسعة (المهندسين، والممولين، والمساهمين، والصحفيين)، والظروف التاريخية الملائمة .
الموضوعية والنبرة الهادئة: وصف مراجع في الإيكونوميست الكتاب بأنه "تحليل واضح العينين" لشخصية مثيرة للجدل .
7.2. انتقادات وجهت للكتاب
التردد في الربط بالحاضر: يرى بعض النقاد أن الكتاب، رغم ثرائه التاريخي، "يكبح نفسه" من رسم الروابط الواضحة بين عالم رودس وعالمنا الراهن، مثل التشابه مع شخصيات معاصرة تجمع بين الثروة والسلطة والسياسة، على الرغم من أن هذه التشابهات "تتقافز من الصفحات" .
إهمال الجوانب النفسية والشخصية: انتقدت بعض المراجعات عدم تعمق ستوري في الجوانب النفسية والشخصية لرودس، مثل حياته العاطفية وعلاقاته التي وصفها المعاصرون بـ"الشبيهة بالعلاقات العاشقة"، مما يترك جزءًا من لغز شخصيته غير محلول .
الأسلوب والأخطاء الواقعية: وجد أحد النقاد أن أسلوب الكتاب "متكلف" أحيانًا، كما أشار إلى وجود بعض الأخطاء الواقعية الطفيفة، مثل سوء فهم هدف "الحركة الأوكسفوردية" الدينية في إنجلترا .
الإرث متعدد الأوجه لسيرل رودس
عالم من صنع رودس
يخلص كتاب "The Colonialist: The Vision of Cecil Rhodes" لويلام كليهير ستوري إلى أننا نعيش في عالم من صنع رودس، بكل ما يحمله ذلك من تناقض وإرث ثقيل .
لقد نجح الكتاب في تقديم صورة شاملة ومادية لإمبريالية رودس، موضحًا كيف أن رؤيته لم تكن مجرد حلم مجرد، بل مشروعًا تقنيًا وماديًا عنيفًا أعاد تشكيل جغرافيا وجيولوجيا وتركيبية المجتمع في جنوب إفريقيا.
رغم بعض الانتقادات المتعلقة بالأسلوب وعدم الربط الأكثر جرأة بالحاضر، يظل هذا الكتاب مساهمة أساسية في فهمنا لشخصية لا تزال تفرض نفسها على النقاش المعاصر حول العدالة التاريخية والذاكرة الجماعية.
إنه يذكرنا بأن تحدي الإرث الاستعماري لا يتطلب إزالة التماثيل فحسب، بل فهم وإصلاح تلك الهياكل المادية والاقتصادية العميقة التي زرعها الاستعمار، ولا تزال تؤثر في حياة الملايين حتى اليوم

0 تعليقات