الجنود السود والقوانين البيضاء - مأساة فوج المشاة الرابع والعشرين عام ١٩١٧

الجنود السود والقوانين البيضاء - مأساة فوج المشاة الرابع والعشرين عام ١٩١٧


Black Soldiers, White Laws: The Tragedy of the 24th Infantry in 1917 

Houston John A. Haymond 

  وصمة عار تاريخية

يقدم كتاب جون أ. هايموند أول سردية كاملة وشاملة لواحدة من أكثر حوادث الظلم العنصري صدمةً في التاريخ العسكري الأمريكي، وهي حادثة إعدام 19 جنديًا أمريكيًا من أصل أفريقي من الفوج 24 لمشاة في هيوستن عام 1917 .

 لم يقتصر عمل هايموند على مجرد توثيق الأحداث، بل كان جزءًا فاعلاً في الحملة التي أدت بعد أكثر من قرن، في نوفمبر 2023، إلى تصحيح هذا الخطأ التاريخي الفادح، حيث قام الجيش الأمريكي بإلغاء جميع الإدانات ومنح الجنود "تسريحًا مشرفًا" في أكبر عمل عفو بأثر رجعي في تاريخه .

 يسلط الكتاب الضوء على كيف يمكن للظلم المؤسسي أن يحط من كرامة الإنسان، وكيف يمكن للسعي الدؤوب نحو الحقيقة أن يصحح الأخطاء، حتى لو بعد فوات الأوان.


 الخلفية التاريخية - الجنود السود في جنوب عنصري

لتفهم الانفجار الذي حدث، يجب أولاً فهم المناخ المشحون بالعنصرية الذي وضع فيه هؤلاء الجنود.

  • الفوج 24 لمشاة: "جنود البافالو": كان الفوج 24 أحد الأفواج الأمريكية التقليدية التي شكلت بالكامل من جنود أمريكيين من أصل أفريقي (مُشار إليهم تاريخيًا بـ "جنود البافالو")، وكان لهم سجل حافل ومشرف في الخدمة .

  • الانتقال إلى هيوستن، تكساس: في يوليو 1917، بعد وقت قصير من دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى، تم إرسال الكتيبة الثالثة من هذا الفوج من ولاية نيو مكسيكو إلى هيوستن لتوفير الحراسة لموقع بناء معسكر لوجان .

  • واقع قوانين "جيم كرو": كانت هيوستن، كغيرها من مدن الجنوب، خاضعة لنظام الفصل العنصري الصارم المعروف باسم "قوانين جيم كرو" . كان هذا النظام يفرض فصلًا كاملًا بين البيض والسود في جميع مناحي الحياة العامة، من نوافير الشرب ومقاعد الحافلات إلى المطاعم والمدارس .

  • استفزاز يومي وإهانات متكررة: واجه الجنود السود، الذين ارتدوا الزي العسكري لبلدهم، موجة من الإهانات العنصرية والمضايقات اليومية . تعرضوا للإذلال من قبل سائقي الحافلات والعمال البيض في موقع البناء، ولكن أسوأ المعاملة جاءت من بعض أفراد شرطة هيوستن، والذين اشتهر عدد منهم بوحشيتهم وكرههم العنصري ضد المجتمع الأسود . كان الجنود يتوقعون أن يحميهم زيهم العسكري من بعض هذه الإهانات، لكن ذلك لم يحدث .

 الشرارة التي أشعلت النيران

تصاعد التوتر ليصل إلى نقطة اللا عودة في 23 أغسطس 1917، في سلسلة من الأحداث المأساوية:

  • اعتقال سارة ترافيرز: Around noon, two police officers, Lee Sparks and Rufus Daniels, fired warning shots to break up a gathering in Houston's predominantly Black San Felipe district . وبعد مطاردة من فروا، اقتحم سباركس منزل سيدة محلية تدعى سارة ترافيرز، وقام بسحبها من منزلها واعتقلها دون حتى السماح لها بارتداء حذائها .

  • اعتداء بالضرب على الجندي ألونزو إدواردز: عند رؤية هذا المشهد، تدخل الجندي ألونزو إدواردز وعرض أخذ السيدة ترافيرز تحت حراسته. رد الضابط سباركس بضرب إدواردز بقبضة مسدسه بشكل متكرر ثم اعتقله هو أيضًا .

  • مطاردة وإطلاق النار على العريف تشارلز بالتيمور: في وقت لاحق من بعد ذلك اليوم، توجه العريف تشارلز بالتيمور، وهو شرطي عسكري محترم، لاستفسر عن مصير إدواردز . دار جدال بين بالتيمور وسباركس، انتهى بقيام سباركس بضرب بالتيمور على رأسه بمسدسه ثم أطلق ثلاث طلقات ناريه تجاهه وهو يهرب. تتبع الضابطان بالتيمور واعتقلاه بعد ضربه مرة أخرى .

  • انتشار الشائعات الكارثية: على الرغم من أن الضابط العسكري للفوج تمكن من إطلاق سراح بالتيمور بعد وقت قصير، إلا أن الشائعات انتشرت بسرعة في معسكر لوجان مفادها أن رجال الشرطة قد قتلوا بالتيمور. في الوقت نفسه، انتشرت شائعة أخرى بين الجنود مفادها أن حشدًا من البيض المسلحين يتقدم نحو المعسكر لقتلهم .

 مسيرة الهاوية وأعمال العنف

في مساء ذلك اليوم، حاول القادة البيض في المعسكر تهدئة الأجواء، لكن الفوضى اندلعت عندما صرخ أحد الجنود أن حشدًا من البيض قادم نحو المعسكر .

 اندفع الجنود نحو مخازن الأسلحة، وأخذوا البنادق والذخائر، وبدأوا بإطلاق النار بشكل عشوائي . نظم الرقيب الأول فيدا هنري ما يقارب 150 جنديًا وبدأ مسيرة نحو وسط مدينة هيوستن .

خلال المسيرة التي استمرت ساعتين، وقعت المواجهات :

  • قتلى من الشرطة والمدنيين: أطلق الجنود النار على أي ضوء أو حركة، مما أسفر عن مقتل خمسة من رجال الشرطة (بمن فيهم الضابط روفوس دانييلز) و أحد عشر مدنيًا أبيض. من بين المدنيين قاصر اسمه فريد إي وينكلر .

  • وفاة ضابط من الحرس الوطني: أطلق الجنود النار على سيارة مكشوفة كان يقودها قائد في الحرس الوطني لولاية إلينوي، الكابتن جوزيف ميتس، ظنًا منهم أنه شرطي، مما أدى إلى مقتله. كانت هذه الحادثة نقطة تحول جعلت العديد من الجنود يدركون خطورة ما حدث وبدأوا بالتشتت .

  • خسائر في صفوف الجنود: قُتل أربعة جنود، اثنان منهم بنيران صديقة، وواحد انتحر (الرقيب فيدا هنري)، وآخر قتل أثناء القبض عليه في اليوم التالي .

 المحاكمات العسكرية - دراسة في الظلم والإجراءات المعيبة

يحلل هايموند في القسم الأكبر من كتابه المحاكمات العسكرية التي تلت الحادثة، معتبرًا إياها استمرارًا للمأساة وليست تحقيقًا للعدالة .

  • محاكمات جماعية وسرعة غير مسبوقة: شكل الجيش بسرعة ثلاث محاكم عسكرية في سان أنطونيو، وحوكم 118 جنديًا في ما يُعتبر أكبر محاكمة قتل في التاريخ الأمريكي . يشير هايموند إلى أن الجنرال جون ويلسون روكمان، قائد القطاع الجنوبي للجيش، كان حريصًا على إنهاء المحاكمات بسرعة .

  • دفاع ضعيف ومحكمة متحيزة: تم تمثيل الجنود "جماعيًا" من قبل ضابط واحد (نقيب) لم يكن محاميًا ولم تكن لديه أي خبرة في قضايا الإعدام . واجه الجنود محكمة مكونة بالكامل من ضباط بيض .
    على الرغم من أن 169 شاهدًا قدموا شهاداتهم، إلا أن هايموند يشكك في مصداقية الكثير من هذه الشهادات، لأن الليل كان مظلمًا وممطرًا، مما حال دون التعرف بشكل صحيح على المهاجمين.
    علاوة على ذلك، تم منح بعض الجنود الذين شهدوا ضد زملائهم حصانة أو وعودًا بالتخفيف، مما يثير تساؤلات حول دوافعهم .

  • أحكام قاسية وإعدام سريع وسري: أدين 110 جنود . حكم على 19 منهم بالإعدام، وحكم على 63 آخرين بالسجن مدى الحياة في سجن اتحادي . في 11 ديسمبر 1917، وفي ظلام ما قبل الفجر، تم شنق 13 من هؤلاء الجنود في وقت واحد وبسرية تامة في فورت سام هيوستن في سان أنطونيو .
     تم الإعدام دون إخطار السلطات العليا في وزارة الحرب بشكل كافٍ، ودون منح الجنود فرصة حقيقية للاستئناف، في انتهاك حتى للوائح الجيش نفسه في ذلك الوقت .
    وصف هايموند هذا الإعدام بأنه "أكبر عملية إعدام جماعي في تاريخ الجيش" . بعد ضجة عامة، تم تعديل نظام العدالة العسكرية لمنع التكرار، حيث أصبحت جميع أحكام الإعدام داخل الولايات المتحدة تحتاج إلى مراجعة من قبل رئيس الولايات المتحدة .
    تم تنفيذ أحكام الإعدام بالشنق في ستة جنود آخرين بعد ذلك في عام 1918 .

 العدالة المتأخرة: الإرث والتصحيح التاريخي

يختتم هايموند كتابه بمناقشة الإرث طويل الأمد للحادثة والخطوات المتخذة في العصر الحديث للاعتراف بهذا الظلم.

  • جهود هايموند البحثية والحملة من أجل العفو: قضى جون أ. هايموند ست سنوات في البحث المتعمق، وقاد بشكل مباشر الجهود التي أثمرت في تقديم التماس العفو عن الجنود إلى الجيش . كان بحثه محوريًا في كشف أوجه القصور والتحيز في المحاكمات الأصلية.

  • التصحيح التاريخي في نوفمبر 2023: في 13 نوفمبر 2023، أعلنت وزارة الجيش رسميًا عن نتائج المراجعة، قائلة: "بعد مراجعة دقيقة، وجدت اللجنة أن هؤلاء الجنود قد عوملوا بشكل خاطئ بسبب عرقهم ولم يحصلوا على محاكمات عادلة. من خلال إلغاء إدانتهم ومنحهم تسريحًا مشرفًا، فإن الجيش يعترف بالأخطاء السابقة ويصحح السجل" .
    هذا الإعلان التاريخي يمثل تتويجًا للجهود التي بذلها هايموند وآخرون، وهو أكبر عمل للعفو بأثر رجعي في تاريخ الجيش الأمريكي .

  • الإرث المعنوي والتذكاري: ينقل الكتاب رسالة قوية مفادها أن العدالة، حتى لو تأخرت لأكثر من قرن، يمكن أن تتحقق . لقد تم أخيرًا تطهير أسماء هؤلاء الجنود ورد اعتبارهم، مما يخدم كتذكير مؤثر بقوة الحقيقة والمثابرة.


  كتاب تاريخي

"Black Soldiers, White Laws" ليس مجرد سرد لأحداث تاريخية، بل هو جهد بحثي شاق وتحقيق عدالي استغرق سنوات 

يقدم الكتاب نظرة متعمقة لا تُنسى على إخفاقات أمريكا في مجال العدالة العرقية، ولكنه أيضًا قصة عن المثابرة والكرامة والإصلاح. 

من خلال الجمع بين التحليل التاريخي الدقيق والعمل النشط لتصحيح الأخطاء، يضمن هايموند أن إرث هؤلاء الجنود الـ 110 لن يكون إرثًا للعار والعنف، ولكن إرثًا للكرامة والعدالة المتأخرة. 

إنه تذكير صارخ بأن الاعتراف بالماضي هو خطوة ضرورية نحو المصالحة، وأن البحث عن الحقيقة يمكن أن ينتصر حتى في مواجهة أكثر الأخطاء التاريخية رسوخًا

إرسال تعليق

0 تعليقات