جرثومة التخلف



  "جرثومة التخلف" لمراد وهبة

يُعتبر كتاب "جرثومة التخلف" للفيلسوف المصري مراد وهبة تحليلًا فلسفيًا عميقًا لأسباب التخلف الحضاري في العالم العربي، مستندًا إلى حوارات صحفية أجراها بين عامي 1979 و1993 . يطرح الكتاب رؤية نقدية للعوائق الفكرية والسياسية التي تحول دون التقدم، مع تركيز خاص على دور الفلسفة والعقل النقدي. إليك أبرز المحاور:


1. نكبة الفلسفة في المجتمع العربي

  • غياب العقل النقدي: يرى وهبة أن المجتمع العربي يعاني من غياب الفلسفة كفكر ناقد، بسبب هيمنة "المحرمات الثقافية" التي تقيد حرية التفكير، سواء في المجال السياسي أو الديني أو الاجتماعي. وهذا ما أدى إلى إجهاض فلسفات تنويرية مثل فلسفة ابن رشد، التي تبنتها أوروبا لاحقًا كأساس للعقلانية والتنوير.

  • الصراع بين النقل والعقل: يشير إلى أن سيطرة النقل (كالنصوص الدينية المُفسَّرة بشكل حرفي) على العقل أدت إلى جمود فكري، مقارنةً بالحضارة الأوروبية التي خاضت تجربتَيْ الإصلاح الديني والتنوير لتحرير العقل من سلطة المؤسسات.


2. دور المثقفين والطليعة الفكرية

  • أزمة المثقف العربي: ينتقد وهبة انفصال المثقفين عن الواقع، وعدم قدرتهم على توليد الوعي المجتمعي بسبب القيود السياسية والاجتماعية. فـ"الأستاذ الجامعي" – وفقًا له – يُتهم بالإهمال إذا التزم بالتدريس، أو يواجه المشاكل إذا حاول الإصلاح.

  • هجرة العقول: يربط التخلف الحضاري بهجرة المثقفين والعلماء، الذين يُعدون محركات للتغيير، مما يفاقم أزمة الهوية ويُبقي المجتمع في دائرة التبعية.


3. الأصولية الدينية وتأثيرها

  • الصراع مع الأصوليات: يحذر الكتاب من سيطرة الخطابات الأصولية التي تدعي امتلاك "الحقيقة المطلقة"، والتي تُجهض أي محاولة للتجديد أو التأويل العقلاني للنصوص الدينية. ويشير إلى أن هذا الصراع تجلى في مواجهات تاريخية، مثل إقصاء ابن رشد مقابل تبني أوروبا لفكره.

  • ضرورة التأويل: يدعو إلى تبني منهج ابن رشد في التأويل، الذي يوفق بين النص الديني والعقل، ويسمح بالتعددية الفكرية وينفي فكرة "الإجماع" التي تُستخدم لقمع الاختلاف.


4. التعليم والإبداع

  • ثقافة الذاكرة vs. ثقافة الإبداع: ينتقد النظام التعليمي العربي لتركيزه على الحفظ (ثقافة الذاكرة) بدلًا من تشجيع الإبداع والتفكير النقدي. ويقترح إعادة هيكلة الجامعات لتعزيز دور الأستاذ الجامعي كمنتج للوعي، وليس مجرد ناقل للمعلومات.

  • العلمنة والتحديث: يؤكد أن التقدم يتطلب فصل الدين عن الدولة (العلمانية) كتجربة أوروبية ناجحة، مع ضرورة تحديث الخطاب الديني لمواكبة العصر.


5. الرؤية المستقبلية والحلول

  • دور السلطة السياسية: يعوّل وهبة على الحكومات في دعم التنوير، مستشهدًا بتجربة الإمبراطور فريدريك الثاني الذي دعم ترجمة مؤلفات ابن رشد لمقاومة سلطة الكنيسة في أوروبا. ويشير إلى أن الرئيس السيسي في مصر "منشغل بتغيير العادات الذهنية المتخلفة".

  • الحاجة إلى تنوير عربي: يدعو إلى إحياء "الرشدية العربية" – كحركة تنويرية – لمواجهة التخلف، عبر تفعيل العقلانية والحوار بين الثقافات.


الخلاصة

يقدم الكتاب تشخيصًا جريئًا لأمراض المجتمع العربي، معتبرًا أن "جرثومة التخلف" تكمن في رفض العقلانية والخضوع للسلطات المُطلقة (دينية أو سياسية). الحل – وفقًا لوهبة – يبدأ بإطلاق حرية الفكر، وإعادة الاعتبار للفلسفة كأداة للتغيير، وتبني نموذج تنويري يُحرر العقل من الوهم والأسطورة.

إرسال تعليق

0 تعليقات