حديث الصباح والمساء

 


 "حديث الصباح والمساء" لنجيب محفوظ

 عن الرواية وأهميتها الأدبية

"حديث الصباح والمساء" (1987) هي إحدى الروايات المتأخرة للأديب المصري نجيب محفوظ (الحائز على نوبل للأدب عام 1988)، وتُمثل تجربة فريدة في مسيرته الإبداعية. تختلف هذه الرواية عن أعماله السابقة بهيكلها غير التقليدي؛ فهي ليست سردًا خطيًا بل موسوعة بشرية تُقدِّم شجرة عائلة مصرية عبر خمسة أجيال تمتد لقرنين من الزمان (من أوائل القرن التاسع عشر حتى ثمانينيات القرن العشرين). تعكس الرواية التحولات الاجتماعية والسياسية في مصر، من الحملة الفرنسية مرورًا بثورة 1919 وثورة يوليو، وحتى هزيمة 1967، كل ذلك من خلال عيون شخصيات عادية .


الهيكل الروائي المبتكر: الأبجدية كفلسفة وجودية

ابتكر محفوظ بنية روائية غير مألوفة تقسم النص إلى 65 فصلًا أبجديًا، يحمل كل فصل اسم شخصية (مثل "أحمد محمد إبراهيم"، "بدرية حسين قابيل"). يبدأ الكتاب بالحرف "أ" وينتهي بالحرف "ي"، لكن هذا الترتيب لا يتبع التسلسل الزمني، بل يُشير إلى:

  • دورة الحياة والموت: إذ يظهر أحفاد العائلة في بداية الرواية بينما يُكشف عن الجد المؤسس "يزيد المصري" في النهاية، رمزًا للبحث الدائم عن الأصول .

  • تساوي المصير الإنساني: تبدأ حياة كل شخصية "بصرخة" وتنتهي "بشهقة موت"، بغض النظر عن مكانتها الاجتماعية أو ثروتها .

  • الانفصال والاتصال: كل فصل قصة مستقلة، لكن التشابكات الأسرية تربطها في النسيج الكلي للحياة .

جدول: العائلات الرئيسية وشخصياتها البارزة 

العائلةالجد المؤسسأبرز الشخصياترمزية كل عائلة
عائلة المصرييزيد المصري (هاجر من الإسكندرية إثر الوباء)داود (ارتقى لطبقة الباشوات)، نازلي (حصلت على الدكتوراة)صعود الطبقة الوسطى وتناقضاتها
عائلة المراكيبيعطا المراكيبي (حرفي)أحمد (العملاق ذو الجسم الطويل)، بهيجة (رمز التضحية)الكفاح اليومي والجذور الشعبية
عائلة القليوبيالشيخ القليوبي (أزهري)معاوية (مناضل ضد الاحتلال)، جليلة (جمعت بين التقوى والجنون)التقليد الديني والصراع السياسي

الموضوعات المركزية: الحياة والموت كوجهين للوجود

1. حتمية الموت ودورة الحياة

  • تؤكد الرواية أن الموت هو "الحقيقة الأولى" التي توحد البشر، فجميع الشخصيات -غنيًّا كان أم فقيرًا- تواجه المصير ذاته .

  • يُصوَّر الإنسان كـ"حلقة وصل" بين الأجيال: يرى جده وأباه، ثم أبناءه وأحفاده، مما يُجسِّد استمرارية الحياة رغم الفناء الفردي .

2. الواقع المصري بتفاصيله اليومية

  • لا تُركِّز الرواية على الأحداث التاريخية الكبرى، بل على تأثيرها في الحياة اليومية:

    • التقاليد: مثل دور الأضرحة والتعاويذ في حياة شخصيات كـ"جليلة" و"راضية" .

    • التحول الطبقى: صعود "داود" من الفقر إلى الباشوية، وهبوط آخرين بسبب الأزمات الاقتصادية .

    • المرأة: تضحيات "بدرية" بعد فقدان ابنتها، وتمرد "هنومة" على انحراف زوجها .

3. الحب والفقد كوجهين لعملة واحدة

  • يربط محفوظ بين الحب والفقد: "إذا أحببتَ شخصًا، فتذكّر أنه سيموت مثل من سبقوه". العلاقات العائلية (زواج، طلاق، تآخٍ) تُظهر أن الفراق جزء عضوي من الوجود .


السياق التاريخي: مصر عبر عيون الأفراد

تُمثِّل الرواية تاريخًا اجتماعيًا لمصر غير المسجّل في الكتب الرسمية:

  • الحملة الفرنسية: هجرة "يزيد المصري" من الإسكندرية إلى القاهرة بسبب الوباء .

  • الاحتلال البريطاني: مقاومة "معاوية القليوبي" له، وتعاون آخرين مع المستعمر .

  • ثورة 1919: مشاركة أبناء العائلات فيها كتعبير عن الهوية الوطنية .

  • ثورة يوليو ونكسة 1967: استشهاد شخصيات مثل "سرور" في حرب 1956، و"حسين" في 1973 .

"ستقرأ عن التاريخ بعيون مصريين عاديين، لا بعيون خبراء أو حكام" – .


الأسلوب الأدبي: بين الواقعية والرمزية

  • السهل الممتنع: لغة بسيطة لكنها تحمل فلسفة عميقة، مثل: "نحن نحلم بالراحة دائمًا، ولكن لا راحة مع الحياة" .

  • الحوارات الكاشفة: حوارات موجزة تكشف التناقضات الطبقية، مثل رفض "أحمد" زواج ابنه من خادمته .

  • التكثيف: سيرة حياة كاملة في بضع صفحات، كأنما يؤكد محفوظ أن حياة الإنسان قد تُختزل في "سطر ونصف" ضمن سطور الآخرين .


الرسائل الفلسفية: سؤال الوجود والقدر

  1. الصيرورة والديمومة: الحياة تستمر رغم موت الأفراد، مثل تعاقب الصباح والمساء .

  2. التسامح مع البشر: كما يقول أحد الاقتباسات: "كان يأخذ الناس على علاتها ويقنع منها بالجانب الأليف" .

  3. الطبقة الوسطى كعمود المجتمع: تُعد الرواية تأريخًا لنشوء وتطور "طبقة الأفندية" التي شكلت مصر الحديثة .


تحول الرواية إلى دراما: من النص إلى الشاشة

حُوِّلت الرواية إلى مسلسل تلفزيوني عام 2001 (كتابة محسن زايد)، وحققت نجاحًا جماهيريًا واسعًا رغم قلة الدراسات النقدية عن النص الأصلي. تميز المسلسل بتقديمه الشخصيات بتفاصيل بصرية أثرت في تصورات الجمهور، حتى أن بعض القراء اعتبروا أن "رشوانة المسلسل تختلف عن رشوانة الرواية" .


 لماذا تظل الرواية خالدة؟

"حديث الصباح والمساء" عمل يتجاوز السرد الروائي ليكون:

  • مرآة للمجتمع المصري: بتفاصيله الدقيقة وصراعاته الطبقية.

  • تأمل وجودي: في معنى الحياة والموت، والفردي والجماعي.

  • تجربة جمالية: تجعل القارئ يشعر أنه "يتصفح ألبوم صور عائلية" للبشرية جمعاء .

كما قال محفوظ: "أكرر الفكرة في أكثر من عمل حتى أتحرر من إلحاحها"، وهذه الرواية هي تتويج لإلحاح الموت والحياة في أدبه .

تظل الرواية شاهدة على قدرة محفوظ الخارقة على تحويل "الحديث اليومي" إلى ملحمة إنسانية، تذكرنا بأننا جميعًا –مثل شخصياته– جزء من "حديث الصباح والمساء" الذي لا ينتهي

إرسال تعليق

0 تعليقات