يوم قُتِل الزعيم

 


 "يوم قُتِل الزعيم" لنجيب محفوظ

 "يوم قُتِل الزعيم" (1985) للكاتب المصري نجيب محفوظ (الحائز على نوبل 1988) من الأعمال السياسية في الأدب العربي الحديث، حيث تُقدّم نقداً لاذعاً لمرحلة الانفتاح الاقتصادي في مصر خلال عهد الرئيس أنور السادات، وتكشف عن تداعياتها الاجتماعية والنفسية عبر ثلاثة أجيال. إليك تحليلاً شاملاً للرواية:

١. السياق التاريخي والإطار الزمني 

  • خلفية النشر: صدرت الرواية بعد أربع سنوات فقط من اغتيال السادات (1981)، مما يعكس تفاعل محفوظ المباشر مع الأحداث.

  • السياق السياسي: تدور الأحداث في أوائل الثمانينيات، وتكشف عن تداعيات سياسة الانفتاح الاقتصادي (إنفتاح السوق الحرة) التي أدت إلى:

    • تفاقم الفقر والفساد.

    • تفكك القيم الاجتماعية.

    • اتساع الفجوة بين الطبقات.

  • رمزية العنوان: يشير "الزعيم" إلى السادات، ويوم مقتله (6 أكتوبر) يشكل الإطار الزمني لنهاية الرواية، حيث يربط محفوظ بين اغتيال الزعيم الوطني وجريمة قتل أخرى صغيرة تُرتكب في نفس اليوم.


٢. الشخصيات الرئيسية وتحليلها 

تمثل الشخصيات ثلاثة أجيال مصرية تعكس التحولات الاجتماعية:

  • محتشمي زايد (الجد):

    • رمز الحكمة والتاريخ: شيخ ثمانيني شارك في ثورة 1919، يمضي وقته بين سماع القرآن والأخبار.

    • رؤيته الفلسفية: يجسد قيماً قديمة مثل الإيمان بالقدر ("أحب الحياة وأرحم بالموت في حينه") .

    • دوره الروائي: الراوي الرئيسي الذي يربط الماضي بالحاضر، ويعكس صوت محفوظ نفسه كناقد للواقع.

  • علوان محتشمي (الحفيد):

    • وجه جيل السبعينيات: شاب في منتصف العشرينيات، يعمل في شركة قطاع عام، يعاني البطالة المقنعة وانعدام الأفق.

    • تطور شخصيته: يتحول من الحلم بالزواج إلى اليأس، لينتهي بقتل مديره "أنور علام" (رمز للفساد) في يوم اغتيال السادات.

    • رمزية الاسم: "علوان" مشتق من العلّة، إشارة إلى علل جيله.

  • رندة سليمان (خطيبة علوان):

    • أنثى الجيل الضائع: تعمل مع علوان، تفشل علاقتهما بسبب غلاء المعيشة.

    • صراعها الداخلي: ترفض الزواج دون ضمانات مادية، ممثلةً انهيار قيم الحب أمام المادة.

  • شخصيات ثانوية:

    • فواز (الابن) وزوجته هناء: يمثلان الجيل الوسيط المنهك بين عملين (حكومي وخاص) للبقاء على قيد الحياة.

    • أنور علام (المدير الفاسد): تجسيد لانتهازية عصر الانفتاح.


٣. البنية السردية والتقنيات الفنية 

  • تعدد الأصوات السردية:
    يعتمد محفوظ على تقنية "تيار الوعي" عبر ثلاثة رواة (محتشمي، علوان، رندة)، مما يخلق رؤية متعددة الزوايا للواقع. يسيطر صوت الجد على 60% من السرد، مؤكداً دور الحكمة التقليدية في تشخيص الأزمة.

  • الإيقاع الزمني:
    تمتد الأحداث عبر ثلاثة فصول (الشتاء–الربيع–الصيف)، يمثل الشتاء الفترة الأطول رمزاً للجمود. تتصاعد الأحداث بشكل درامي حتى الذروة المزدوجة: مقتل المدير واغتيال السادات في 6 أكتوبر.

  • المفارقة والسخرية:

    • يُوصف السادات: "الزيّ زي هتلر والفعل شارلي شابلن!" ، في هجاء لاذع لتناقض صورته.

    • العلاقة بين الجريمتين: قتل علوان لمديره (فعل فردي) يحدث في لحظة اغتيال "الزعيم" (حدث وطني)، مما يخلق مفارقة حول تفشي العنف.


٤. الموضوعات المركزية والرمزية 

  • انهيار الطبقة الوسطى:
    تصور الرواية تفكك أسرة كانت نمطية (الجد–الابن–الحفيد) تحت ضغوط الغلاء، حيث يُجبر الأبوان على العمل 16 ساعة يومياً، ويفشل الحفيد في الزواج.

  • الصدام بين الأجيال:

    • جيل الثورة (محتشمي): يؤمن بالتضحية والقيم.

    • جيل السادات (علوان): يعاني الضياع المادي والأخلاقي.

    • الحوار الدال: يقول علوان لجده: "لا وقت للفلسفة... ألا ترى أننا لا نجد وقتاً للنوم؟" .

  • الفساد كعَرض للانفتاح:
    يُصوَّر الاقتصاد الجديد كـ"إمبراطورية للصوص" ، حيث يُقتل المدير أنور علام بسبب رشوته واستغلاله.

  • الحب في زمن الانهيار:
    تفشل قصة علوان ورندة رغم حبهما، لأن "العقل حل محل القلب" في مجتمع أصبحت فيه "المادة تحكم كل شيء" .


٥. الرسائل السياسية والاجتماعية 

  • نقد سياسات السادات:
    تُهاجم الرواية:

    • الانفتاح الاقتصادي: "غالى (السادات) بالنصر لنفسه تاركاً لنا بانفتاحه الفقر والفساد" .

    • السلام مع إسرائيل: يصرخ علوان: "لا خلاص إلا بالخلاص من كامب ديفيد!" .

    • ثقافة الاستهلاك: تُوصف القاهرة بـ"أكوام القمامة رابضة بالأركان تحرس العشاق" .

  • تنبؤ بالثورة:
    يصور محفوظ غضب الشباب كقنبلة موقوتة تنفجر في وجه النظام، مقدماً علوان نموذجاً للاحتجاج العبثي.

  • سيكولوجيا الهزيمة:
    عبر مقولة الجد: "نحن قوم نرتاح للهزيمة أكثر من النصر... فأحببنا البطل الشهيد" ، يشير إلى تشرّب الوعي الجمعي لفكرة الفشل.


٦. الأسلوب والأدوات الأدبية 

  • الإيجاز المكثف: رغم حجمها الصغير (92 صفحة)، تُقدّم الرواية تحليلاً اجتماعياً شاملاً عبر:

    • حوارات موجزة تكشف الأعماق (مثل شكوى رندة من "الضرورة").

    • مشاهد يومية رمزية (زحام المواصلات، طوابير الخبز).

  • اللغة الشعرية:

    • في وصف النيل: "لبست حالاً واحدة، فقد مجده وأطواره" .

    • في وصف القاهرة: "أي سرعة جنونية في هذا الزحام!" .

  • التكرار الدلالي:
    كلمات مثل "الغلاء"، "الضرورة"، "الفساد" تتكرر لخلق إحساس بالاختناق.


٧. الرواية في سياق أعمال محفوظ 

  • المرحلة الرمزية: تنتمي للفترة المتأخرة من إبداعه (ما بعد الثلاثية)، حيث طغى الطابع السياسي.

  • تواصل مع أعمال سابقة: شخصية "محتشمي" امتداد لـ"عامر وجدي" في "ميرامار" (1967)، كمثقف يشهد انهيار قيمه.

  • تميزها النوعي: رغم قصرها، تُعتبر نموذجاً لـ"الرواية-اللوحة" التي تلتقط لحظة تاريخية ببراعة.


٨.  رؤية نقدية 

"يوم قُتِل الزعيم" ليست مجرد رواية سياسية، بل تشريح لجسد مصر في لحظة تحول خطيرة:

  • بعدها الإنساني: تكشف كيف يُنتِج الفقر واليأس عنفاً غير مبرر.

  • بعدها النبوي: تنبأت بثورة الغضب التي ستتفجر لاحقاً في مصر.

  • رسالتها الخالدة: رغم تركيزها على مصر الثمانينيات، فإنها تظل مرآة لمجتمعات تمر بتحولات رأسمالية مفاجئة.

مقولة الجد المحورية"الحياة فصول... وطوبى لمن أحب الدنيا بما هي دنيا الله" ، تُلخّص فلسفة محفوظ: التمسك بالإيمان رغم السقوط، وبالإنسانية رغم العطب

إرسال تعليق

0 تعليقات