"قشتمر" لنجيب محفوظ
١. الرواية وأهميتها
آخر رواية طويلة لمحفوظ، نُشرت عام ١٩٨٨، قبل أن يتوقف عن كتابة الروايات الطويلة بسبب ظروفه الصحية .
رمزية العنوان: "قشتمر" هو اسم مقهى في حي العباسية بالقاهرة، يجسد مكانًا ثابتًا يجمع الأصدقاء عبر الزمن، ويرمز إلى استقرار الذكريات وسط التحولات الاجتماعية .
الأهمية الأدبية: تُعدّ خلاصة تجربة محفوظ الروائية، وتجمع بين السيرة الذاتية والتأريخ الاجتماعي، مع تركيز على فلسفة الصداقة والزمن .
٢. الشخصيات الرئيسية (أصدقاء العمر الخمسة)
يمثلون شرائح اجتماعية متنوعة، تجمعهم صداقة متينة منذ الطفولة:
صادق صفوان:
المتدين الورع، محافظ على القيم الدينية، يعمل في التجارة، ويمثل الطبقة الوسطى الملتزمة .
حمادة الحلواني:
الثري متقلب المزاج، من أسرة أرستقراطية، يحب القراءة ويعيش حياة الترف دون أهداف واضحة .
طاهر عبيد الأرملاوي:
الشاعر الناجح من أسرة غنية، يتمتع بشعبية، يتأثر بالأحداث السياسية (كصعود عبد الناصر) ثم يُهمش لاحقًا .
إسماعيل قدري:
الفقير الطموح، يُجبر على دراسة الآداب بعد وفاة أبيه رغم أحلامه الأخرى، ويمثل الصراع ضد الفقر والثورة على الظلم .
الراوي المجهول:
الصديق الخامس من العباسية الغربية، يسرد الأحداث بموضوعية دون الكشف عن هويته، ويُمثل صوت محفوظ .
٣. الإطار الزمني والتحولات التاريخية
تمتد الرواية ٧٠ عامًا (من ١٩١٥ حتى ١٩٨٥)، وتوثّق تحولات مصر عبر:
ثورة ١٩١٩: تُشكل وعي الشخصيات في الطفولة، وتُظهر أولى مظاهر الوطنية .
ثورة ١٩٥٢: تؤثر على مصائرهم؛ فـ"طاهر" يزدهر أدبيًا في عهد عبد الناصر، بينما يعاني "إسماعيل" من تبعات التغيير السياسي .
هزيمة ١٩٦٧ وحرب ١٩٧٣: تعكس صدمة الهزيمة ثم الأمل بالانتصار، وتظهر في حوارات الأصدقاء حول مصير الوطن .
عصر السادات ومبارك: تُصوَّر كمرحلة تفقد فيها الشخصياتُ أحلامَ الشباب، مع انتشار الفوضى الاجتماعية .
٤. الثيمات الرئيسية
الصداقة كملاذ من التحولات:
تبقى العلاقة بين الأصدقاء قوية رغم الاختلافات الطبقية والسياسية، مما يجسد فكرة "التجانس الروحي" .
صراع الذاكرة والزمن:
المقهى رمزٌ لثبات الذكريات، بينما يشيخ الأصدقاء ويتغير الحي من "جنات خضراء" إلى "صحراء حضرية" .
النقد الاجتماعي غير المباشر:
يُظهر التفاوت الطبقي (غنى "حمادة" مقابل فقر "إسماعيل")، ويسجل تراجع القيم الأخلاقية في المراحل المتأخرة .
الثورة من منظور إنساني:
لا تتبنى الرواية خطابًا ثوريًا مباشرًا، بل ترصد تأثير الأحداث على الأفراد، مقارنةً بأعمال مثل "الأرض" للشرقاوي .
٥. الأسلوب الفني والرمزية
اللغة: تجمع بين الفصحى البسيطة والحوارات العامية، مما يُضفي واقعية على الشخصيات .
التقنية السردية:
يستخدم الراوي تقنية "تيار الزمن المتدفق"، ممزوجًا بالحنين والمونولوجات التأملية .
يُقدَّم الزمن كشخصية رئيسية تُشكل مصائر الأبطال .
رمزية المقهى:
يمثل "قشتمر" فضاءً للحرية الفكرية، حيث تُناقش الأفكار السياسية والأدبية، ويُحافظ على الهوية الجماعية .
٦. المشهد الختامي والدلالات
يجتمع الأصدقاء المسنون في المقهى بعد ٧٠ عامًا للاحتفال بصداقتهم، في مشهد يُجسد "خلود العلاقات الإنسانية" رغم الموت القريب .
العبارة الختامية: "الموت يبدأ بالذاكرة" تُلخص فكرةَ فقدان الذكريات كموتٍ رمزي، بينما يبقى المقهى شاهدًا على الزمن .
٧. مقارنة بأعمال محفوظ الأخرى
تشابه مع الثلاثية: في توثيق التحولات الاجتماعية عبر الزمن، لكن "قشتمر" أكثر تركيزًا على الصداقة كموضوع مركزي .
الاختلاف عن "أولاد حارتنا": تبتعد عن الرمزية الدينية المثيرة للجدل، وتقدم واقعيةً إنسانيةً هادئة .
"قشتمر ليست مجرد رواية عن الصداقة، بل هي تأريخٌ لإنسانياتنا الضائعة في زمن التغيير." — .
"أشد أنواع الغربة هو ما تشعر به في وطنك." — اقتباس من الرواية يلخص اغتراب الشخصيات في مراحل التحول السياسي
0 تعليقات